رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

لابد من حماية قوة مصر الناعمة

صنعت مصر صورة ذهنية رائعة، جعلتها تتبوأ مكانة ثقافية شاهقة، عبر أجيال متلاحقة، الفضل فى صناعتها يعود بالأساس، لامتلاكها أهم أدوات القوة الناعمة، حتى أمست مصر قبلة المتحدثين باللغة العربية فى العالم، فأول صحيفة عربية كانت الوقائع المصرية التى تأسست فى عام 1828، فى عهد محمد على، حتى أصبحت الجريدة الرسمية للحكومة فى عام 1911.

وتربعت الصحافة المصرية على عرش الصحافة العربية، حتى أضحى أهرامها أحد العشرة الكبار فى عالم الصحافة فى كل أرجاء الأرض. وهنا يمكن ذكر عشرات الأسماء من نجومها، الذين أثروا الثقافة والفكر العربى، وما زال إنتاجهم الفكرى يحتل ترتيبا متميزا كمرجع يُعول عليه الكثيرون كلبنة أساسية فى بناء شخصيتهم الفكرية. وكانت كتاباتهم بمثابة الضوء الذى ينير طرقات القراء، منهم يتعلمون كيف يقرأون، وكيف يكتبون، كانوا نبراس الحياة العربية. ولأنهم أثروا الحياة العربية، بدأت الصحافة العربية فى الولوج إلى قرائها، حتى ظهرت صحف أخرى تنهل من فيض الصحافة المصرية، تستنير بها، ثم تنافسها، ولكن ظلت المصرية رائدة، وظل عمالقتها، معلمين لأجيال عديدة. فهل ما زالت الصحافة المصرية فى موقعها؟

وأيضا أول إذاعة عربية كانت مصرية تأسست فى عام 1925، و إن كان قرار إنشاء التليفزيون المصرى صدر فى خمسينيات القرن الماضى، إلا أنه ظهر فى عام 60. ليمثل نقلة نوعية فى العمل الإعلامى العربى بشكل لافت. وبعد إنشاء إذاعة صوت العرب، كانت موجاتها تثير شجون العرب، وتلهمهم، واليوم بعد هذا العدد الضخم من الإذاعات العربية، والقنوات الفضائية، التى يعود الفضل فى ظهورها و تناميها للرواد من المصريين. هل الإعلام المصرى فى موقع الريادة؟ ومن جهة مقابلة، كان أول فيلم عربى ناطق مصرى، ظهر للنور فى عام 1932، وهو فيلم أولاد الذوات، ليعقبه مئات الأفلام، جعلت السينما المصرية، فريدة ومتميزة، بدرجة أضحت معها لهجتنا سامية، وسط كل اللهجات العربية الأخرى. والدليل أن كل الإخوة العرب يفهمون ويتحدثون بلهجتنا المصرية، أما نحن المصريين أغلبنا لا يجيد معظم اللهجات العربية الأخرى.

وهناك علامات بارزة لأعمال سينمائية مبهرة، ستظل أبد التاريخ مؤثرة فى كل مشاهديها منذ عرضها، بل أنهم يزدادون يوما بعد يوم عند تكرار عرضها، أخشى أن أذكر بعضها و أنسى أحدها فأظلمه. فهل مازالت الدراما المصرية سواء سينمائية أو تليفزيونية، فى موقع الريادة؟

قد يظن بعضنا أن هناك استطرادا فى السرد التاريخى لأهم أدوات قوة مصر الناعمة، والتى بفضلها، قادت الشعوب العربية قاطبة وبلا منازع عقود كثيرة، وهو ما أكسبها مكانة لافتة وغلف قوتها السياسية ببريق متوهج، عضد قدرتها الاقتصادية والعسكرية بلا منازع.

مؤخرا، ومنذ نهاية القرن الماضى، تغيرت الأوضاع بشكل مزعج، لأننا اعتمدنا على التاريخ، ولم نطور من حاضرنا، لنصنع مستقبلنا بالجودة اللائقة. رغم أن القوة الضاربة من العمالة فى المجالات الصحفية والإذاعية والفضائية العربية المنافسة، هى من المصريين، إلا أن بات لهم جمهور من المتابعين، نراهم فى ازدياد مطرد، بشكل واضح.

وبات الأمر مزعجاً، ففى عالم، سيطرت التكنولوجيا الرقمية على كل أصعدته، أضحى انطلاق الخبر لحظة حدوثه أمرا عادياً، ولا أتجاوز، إن قلت، أن هناك من تخطى هذا المستوى لمستوى آخر، يستنبط منه التوقعات للأحداث المستقبلية، بناء على القراءة المتأنية والتحليلية لكل الأخبار، وبات هذا ما يميز ذاك عن ذلك. لذا فإن انصراف الناس عن متابعة إعلامنا، جاء نتيجة طبيعية، لتخلفه عن مواكبة مجريات العصر، فامتلاك الكلمة المقنعة والصوت الجذاب الواعى، والصورة المبهرة، عناصر ثلاثة من شأنها، التأثير بعمق كبير، فى عقول الناس، ولن أبالغ، إن قلت و قيادتهم صوب هدف ما، أو لتبنى وجهة نظر معينة، وهما أمران، يبنى عليهما كبار الباحثين فى العالم أبحاثهم، ويخططون بحرفية لجذب الناس، لإقناعهم ببعض الرؤى التى تهدف لخدمة مصالحهم فقط.

السبيل الأول لذلك هو الإعلام القوى، كلنا شاهدنا حادث مقتل خاشقجى و كيف تعاملت معه وسائل الإعلام الدولية، كل بحسب توجهه، وخلفيته السياسية، يرغب فى حشد كل متابعيه صوب رؤيته. ولا ننكر أن هذا الحادث قد أعطى قبلة الحياة لبعضهم.

أول درجات العلاج، هى تحديد المشكلة وقبلها الاعتراف بها، ومن ثم، تحديد حجمها، حتى يتسنى البدء فى تحجيمها.

نعم يعانى إعلامنا معاناة واضحة، جعلت الناس ينصرفون عن متابعته، موجهين عيونهم وآذانهم نحو آخر، يجيد بحرفية، اللعب على كل الأوتار، قد يخفق تارات متعددة، فى إقناع متابعيه بوجهة نظره، ولكنه قد ينجح فى إحداها، وقتها اللوم لن يقع عليه، لأن توجهه معروف. ولكنه يقع علينا، لأننا تركنا بملء إرادتنا ناسنا يذهبون إليه، مدعومين بثقة مفرطة، فى وعيهم بمصالحهم و لكننا نسينا، أنهم يفتقدون لإعلام مبدع متنوع، جذاب، شيق، رشيق، يقدم كل الألوان.

وما قيل عن الإعلام، أزيده بحال السينما، فلم تعد كما كانت، ويجب أن تعى الدولة أن السينما المصرية بتاريخها الكبير، كان لها الفضل فى صياغة المفاهيم بكل أطيافها، لكل العرب. وعليها أن تحافظ على ذلك و تنميه. وأخيراً، من الصعب أن تبنى تاريخاً، فهو يحتاج لسنوات بلا عدد، ولكن من السهل أن تسىء إليه، بل و تخسره بشكل يصعُب تعويضه، إن لم تحافظ عليه و تطوره وتحميه.

[email protected]
لمزيد من مقالات ◀ عمــاد رحيم

رابط دائم: 
كلمات البحث: