رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العنف لن يولد إلا عنفا

احتفل العالم، الأحد الماضى (25 نوفمبر)، باليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة، فى وقت لا تزال فيه نسبة من نساء العالم يعانين من مختلف اشكال العنف اللفظى والجسدي، بينما أغلبهن يصرخن فى صمت، فى ظل غياب قوانين تجرم العنف الأسرى ضد المرأة، او مخافة الفضيحة والعار، او بسبب عدم اثبات ما تتعرض له النساء من ممارسات مشينة خلف الأبواب المغلقة، لا لشيء سوى لكونها أنثى.

إن المرأة فى المجتمعات الشرقية والغربية، على حد سواء، معرضة للعنف من الأشخاص المحيطين بها سواء من الأب او الأخ او الصديق او الزوج او حتى الزميل والمدير فى العمل. ويشمل العنف فى هذه الحالات: الضرب، زواج القاصرات، الإساءة النفسية والاغتصاب، والعنف والمضايقات الجنسية، والاتجار بالبشر وأحيانا يصل الامر الى القتل. فرغم ما شهدته وضعية المرأة على مستوى الأنظمة القانونية والاتفاقيات الدولية من تطورات، الا ان العنف ضدها مازال يلطخ جبين الإنسانية ويسجل وصمة عار فى سجل هذا العالم الذى نعيشه.

وتشير تقديرات عالمية،إلى أن واحدة من كل 3 نساء (35%) فى أنحاء العالم كافة يتعرضن فى حياتهن للعنف والعنف الجنسي. وان نسبة جرائم قتل النساء من قبل أزواجهن وشركائهن تصل إلى 38%. كما سجلت دراسات أن حوالى ما يقرب من 20% من النساء كن عرضة للاعتداء الجنسى عندما كن أطفالا.

ورغم فداحة هذه الأرقام, فإلى الآن هناك الكثير من البلدان، فى جميع أنحاء العالم، لاتزال تعفى مرتكبى الاغتصاب من المحاكمة إذا كانوا متزوجين بالضحية، أو مجبرين على الزواج منها لتسقط عنهم أى متابعة. كما ان بلدانا اخرى لا توجد فيها قوانين تحمى النساء من العنف المنزلي. وحتى فى البلدان التى أصدرت قوانين للحد من ظاهرة تعنيف النساء، واخرها المغرب الذى دخل قانون محاربة العنف ضد المرأة حيز النفاذ منذ سبتمبر الماضي، فوتيرة تعنيف النساء لا تزال مرتفعة، كون هذه القوانين غالبا ما تصطدم بالبعد الثقافي، الذى يركز على سلطة الرجل، فى مقابل خضوع المرأة.

أضف الى ذلك حالات الاغتصاب والعنف الجنسى فى بؤر الحروب والصراعات، حيث يكون العنف هنا كنوع من الاضطهاد، وإرهاب السكان، وفرض واقع جديد مبنى على تغيير التركيبة العرقية للأجيال القادمة. وقد جاء تنظيم داعش ليتفنن فى هذا النوع من العنف، بعدما أحل الاغتصاب بفتوى دينية، وشرّع ممارسة الاستعباد الجنسي، ما يعنى أن العنف الجنسى سيستمر، بعدما تكيف رجال كثيرون نفسيا ودينيا مع ممارسته. 

يجب أن ندرك أن تداعيات وتأثيرات العنف ضد المرأة وخيمة، وهى لا تقتصر فقط على المرأة او الفتاة المعنّفة، بل تطول أيضا الاطفال والاسرة والمجتمع واقتصاد الدول؛ بحيث تشير دراسات الى أن العنف يكبد الدول خسائر مادية ضخمة، وتكلف الإصابات الناجمة عن العنف ما لا يقل عن 4% من الناتج المحلى الإجمالي؛ وذلك بالإضافة إلى المعاناة الجسدية والنفسية للمرأة التى تصاب غالبا بالصدمة والإحساس بالظلم الذى يبقى أثره لمدة طويلة، ويمكن أن يقود بالنهاية الى الرغبة فى الانتحار او الانعزال عن العالم والاستسلام للأفكار المتطرفة، وربما الالتحاق بجماعات إرهابية، حيث أكدت مجموعة من دراسات حالة أن نسبة كبيرة من النساء اللاتى التحقن بتنظيم داعش، كن يعانين من مشكلات شخصية وظروف نفسية مضطربة، كأن يهربن من أب أو زوج سكير عنيف لا يطاق.

كما أن شعور المرأة بالفشل فى حماية نفسها بعد تعرضها لعنف جسدى او اغتصاب يؤدى الى تعزيز القلق الاضطهادى لديها. وأن مشاعر الإحباط الناتجة عن تراكم الفشل والخيبة، وتبخيس الذات هى عوامل ودوافع سيكولوجية لا شعورية تتراكم عند الفتاة التى تعيش مضطهدة فى أسرتها ومحيطها وتعجز عن توفير الأمن النفسى لها، مما يدفعها إلى البحث عن بديل.

والبديل فى هذه الحالة يمكن ان يكون التنظيمات العنيفة التى تجد فيها المرأة المعنّفة ضالتها للانتقام من المجتمع الذكورى الذى ظلمها وآستباح ادميتها. هذا بالإضافة إلى ما يعانيه الاطفال والفتيات اللاتى يتعرضن للعنف أو مشاهدة العنف فى منازلهم وهم صغار من اختلالات نفسية يمكن ان يتم التعبير عنها بسلوكيات عنيفة قد يتبعونها فى المدرسة والشارع، أو يمكن ان يقعوا هم ايضا ضحية للعنف فى مرحلة لاحقة من حياتهم.

لا يمكن أن ينصلح حال العالم الا بالقضاء على مظاهر العنف بداخله، وخاصة العنف الموجه ضد النساء. فالعنف لن يولد الا عنفا. والمرأة التى تعرضت للعنف هى معرضة أن تمارسه على غيرها، او أن تنقله إلى أبنائها الذين سيتحولون بدورهم الى أشخاص عنيفين.

أما أولئك اللاتى تجاوزن محنتهن وتميزن بالشجاعة والإرادة فى مواجهة مصابهن، وابعدن خطره عن أطفالهن وعن مجتمعهن، فلهن منا ألف تحية وسلام.


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: 
كلمات البحث: