رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حديث المجانية!

الحديث عن مجانية التعليم، دائما يفتح شهوات الناس، للخوض فى هموم التعليم، معبرين عن سخطهم مما آل إليه حاله، فهل نحن فى حاجة لزيادة هذه الهموم، من خلال العبث بمجانيته!. لسنا بحاجة لسرد تاريخ التعليم فى مصر، كما لسنا بحاجة لتأكيد مدى تدهوره، لاسيما عبر العقود الأخيرة، فلم يكن فى أولويات الدولة تنميته و تطويره، بقدر ما كان الاهتمام بتأكيد مجانيته، باعتبارها الحل لكل مشكلاته!. لذلك استفحلت أزماته، بشكل مُوجع، حتى تذيلت جودته القائمة الدولية، وهو الأمر الذى استلزم التدخل الحاسم، صوب تطويره، وإلا قبعنا فى ظلمات التخلف عقودا لا يمكن حصرها.

من هنا كان طرح فكرة تطوير التعليم محل اهتمام الجميع بلا استثناء، ولأننا اعتدنا على نظامه البالى لفترات طويلة، ظهرت أصوات تندد بالتطوير، الذى رغم أهميته وضرورته، وبراقة فكرته، إلا أنه كان يحتاج لوقت قبل البدء فى تنفيذه، لاسيما وأن البنية الأساسية للتعليم قبل الجامعى، خاصة الحكومية، تقريبا مهترئة.

بما يعكس صعوبة التنفيذ فى الوقت الحالى وإصلاح البنية الأساسية، أمر مكلف للغاية، فعدد المدارس الرسمية الحكومية 43223 مدرسة، كثافة الفصول فى كثير منها كبير للغاية، بشكل لا يمكن التلميذ من تحصيل علومه بجودة منضبطة، وتبدأ الرسوم المقررة من 100 جنيه تقريبا، وتصل إلى400جنيه فى نهاية الصف الثالث الثانوى، عام أو فنى. أما عدد المدارس الرسمية لغات، 2454، رسومها تدور حول 1000 جنيه، فى جميع السنوات الدراسية، تستوعب المدارس الحكومية تقريبا، 18 مليونا و608 آلاف تلميذ، أما المدارس الخاصة، فتستوعب، مليونين و32 ألف تلميذ. ويتضح لنا أن نسبة المتعلمين فى مدارس خاصة بالنسبة للحكومية هى 10% تقريبا من إجمالى عدد التلاميذ، والـ 90 % الباقية، 5% منهم تقريبا يتلقون تعليمهم فى مدارس رسمية لغات، والتى تتراوح مصاريفها حول الألف جنيه سنويا.

من السرد السابق نكتشف أن 18 مليون تلميذ تقريبا، يتلقون تعليمهم فى مدارس حكومية، وهم الفئة الأقل دفعا للرسوم، لذلك حديث إلغاء مجانية التعليم، يمثل هماً ثقيلا على قلوبهم، لا قدرة لهم به، لا سيما فى ظل توجه الحكومة فى إلغاء الدعم عن عدد من الخدمات الحكومية، بعد التأكد من عدم وصوله لمستحقيه. قد يكون من المهم الآن توضيح أن التقديرات المنشورة، حول الإنفاق على الدروس الخصوصية، تخطت 45 مليار جنيه فى العام السابق تقريبا، النسبة الأكبر منها، أنفقته الفئة الأقل دفعا للرسوم الحكومية. وهنا أقدم مثالا حيا لإحدى الأسر البسيطة، والتى تمثل السواد الأعظم من الشعب، أحد أبنائها كان فى الثانوية العامة فى العام الماضى، وليتمكنوا من دعمه بالشكل اللائق، حتى يستطيع الحصول على مجموع يؤهله للالتحاق بالجامعة، كان يُكلف هذا الطالب أسرته ما يعادل 2000 جنيه شهريا لمدة 9 أشهر، مع بعض المصروفات الأخرى شاملة الرسوم المدرسية، وصلت التكلفة لـ 20000 جنيه!. وللأسف لا توجد بيانات رسمية توضح العدد الحقيقى لمثل هذا الطالب، حتى نتمكن من معرفة شرائح الإنفاق على الدروس الخصوصية، ويجب ألا ننسى أن أوائل الثانوية العامة لسنوات متتالية كانوا من أبناء الأسر البسيطة، ولنا فى ابنة البواب، وبائعة أنابيب البوتاجاز عبرة، بما يؤكد الأهمية الكبيرة للتعليم عند البسطاء. كل ذلك يؤكد أن مجانية التعليم واهية، وغير حقيقية، لأن هناك تعليما موازيا يدفع فيه الأهالى مبالغ باهظة، لضمان حصول أبنائهم على جودة مقبولة فى تحصيل دروسهم، بعد أن أصبحت غالبية المدارس تعانى لتوفير بيئة جيدة للدراسة. فما العمل؟

هل نظل على نفس الوتيرة، نمطا تعليميا سطحيا، لا يسمن ولا يغنى من جوع، يستنزف من قوت الناس بلا طائل، أم ندعم فكرة التطوير، التى تهدف لوجود منظومة تعليمية قوية، هادفة، ترتكز على الفهم، وتُعمق الاستفادة من كل الإمكانات المتاحة، للوصول لمستوى تعليمى راق، ومن ثم ولوج أبنائنا لعالم متميز يمكنهم من مواكبة العصر بكل تطوراته.

وبالتالى، تظهر أهمية البحث فى كيفية الاستفادة من الإنفاق الباهظ على التعليم الموازى، وتحويله للتعليم الرسمى، يكون أمرامقبولا، شريطة ضمان الحصول على جودة تعليمية، إضافة إلى عدم المساس بقدرات الطبقات محدودة الدخل، ولصعوبة الأمر، فنحن نحتاج لحوار مجتمعى بنَاء وهادف، يبحث بجدية نفتقدها، حول ضرورة تحديث البنية الأساسية لمنظومة التعليم قبل الجامعى، بالكفاءة التى تمكن من تطبيق تطوير التعليم بشكل عادل على كل المدارس الحكومية، وكلنا نعلم أن بند تخفيض كثافة الفصول فقط، يتكلف أكثر من 100 مليار جنيه! فما بالنا ببقية بنود منظومة التعليم، من رواتب المعلمين، وتطوير المناهج.. الخ.

لذلك، يجب التأكيد أن تطوير التعليم، وكذلك تطوير بنيته الأساسية، ليست مسئولية وزارة التربية والتعليم وحدها، ولكنها مسئولية المجتمع بالكامل، عليه أن يبذل الغالى والنفيس، بكل طاقاته، من أجل الحصول على مستوى تعليمى محترم، يكوم معولا قويا، لبناء قادة المستقبل، بآلية سليمة ومنضبطة، هذا إن أردنا مستقبلا متميزا لأبنائنا، ولبلدنا.

[email protected]
لمزيد من مقالات ◀ عماد رحيم

رابط دائم: 
كلمات البحث: