رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عن الحاجة إلى التسامح

فى الوقت الذى يستعد فيه العالم، يوم 16 نوفمبر، الذى يصادف يوم غد الجمعة، للاحتفال باليوم العالمى للتسامح الذى تنص أحد مبادئه على احترام وتقدير التنوع الغنى فى ثقافات هذا العالم وأشكال التعبير وأنماط الحياة التى يعتمدها الإنسان، فإن طبول الحرب لا تزال تقرع فى عالمنا بسبب رفض الحق فى الاختلاف، بينما لاتزال لغة التعصب والقبلية والطائفية تسود بين ثقافاتنا المختلفة، ولاتزال أجواء الشحن والتوتر والقطيعة والتنافر تخيم على سلوكنا اليومي.

اليوم يشهد العالم موجة تصاعد سياسات الانغلاق والانقسام، ورفض الحق فى الاختلاف والتنوع، مع تمجيد خطابات التمييز والاقصاء، وسيطرة الأيديولوجيات المتطرفة على غيرها من الأفكار، مع انتشار الاسلاموفوبيا فى الغرب والتطرف الدينى فى الشرق وما تمخض عنهما من هجمات إرهابية دموية زعزعت العالم بأسره، وزرعت الخوف بين أبنائه، والهدف من كل ذلك تفكيك لحمة العيش المشترك.

وإذا كان التسامح فى أكثر تعريفاته رواجا يعنى احترام حرية الآخر وطرائق تفكيره وسلوكه وآرائه السياسية والدينية، وقبول الرأى المختلف، دون أن يعنى ذلك اعتناق هذا الرأى المخالف أو التنازل عن الرأى الشخصي، فإن ما نعيشه اليوم من مظاهر عنف وكراهية ورفض الآخر هو ناتج أساسا عن غياب هذا التسامح.

وأسباب هذا الغياب متعددة؛ وربما مقصودة مادام هناك فى العالم من يسعى دائما الى تأجيج بؤر التوتر وخلق الصراعات؛ يمكن ان نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر، احتكار السلطة والرغبة فى التسيّد والهيمنة. فمن يمتلك السلطة والقوة والمال اليوم يسعى إلى فرض اعتقاداته وقناعاته وسياساته على أنها وحدها الصحيحة ووحدها الصالحة والمشروعة.

هناك، أيضا، احتكار الحقيقة من خلال الادعاء بامتلاك الدين والعلم والتفسير مع التعصب للرأي. ومع هذا الاعتقاد المطلق تختفى الحدود بين ما هو مجرد رأى او اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ وبين الحقيقة المطلقة، مما يبرر لدى البعض اقصاء الآخر وارتكاب العنف ضده. وهذا ما نراه اليوم متمثلا فى صورة الجماعات المتطرفة والارهابية التى تشرع القتل على أساس الاختلاف الدينى أو المذهبي، وفى صورة الفرز الفكرى الذى يحول المختلفين إلى أعداء وكفار يجوز فيهم حد السيف.

وهناك شيوع الجهل وغياب الوعى المعرفى الذى يسمح للفرد بالاطلاع على الآراء المختلفة والمقارنة بينها واختيار ما هو منطقى وعقلانى منها مع الاحتفاظ بحق الآخر فى الاختلاف. ثم هناك غياب العدالة وغياب المساواة بين المواطنين التى تكفل لكل مواطن كامل الحق فى العيش كما يريد واعتناق الدين الذى يريد مع ضمان الحرية فى ممارسة المعتقد دون تضييق أو اقصاء أو تمييز مبنى على الدين أو الشكل أو اللبس.

وهنا، مسألة الموقف من «الحجاب الإسلامى» فى الغرب مثلا، يعكس غياب التسامح الذى يمكن ان يقود، فى المقابل، إلى نتائج وخيمة تدفع اوروبا ثمنها اليوم. إن من يعكس صورة العالم اليوم ليس هم صناع التسامح والتعايش المشترك والسلام، بل هم الاقلية من مروجى التطرف والكراهية والعنصرية المقيتة والارهاب الاسود ومن يقتات منهم جميعا، بعدما ارتكنت الأغلبية المعتدلة والمتسامحة الى الهامش وتخلت عن دورها ومسئولياتها فى نشر وتعزيز صور التسامح والسلام، الذى يحتاجه العالم وقبول الآخر مهما يكن مختلفا.

أمام واقع التنافر والصدام والاقصاء، وأمام مظاهر التعدى على حقوق الغير والترهيب والقتل مرة باسم الدين ومرة باسم امتلاك الحقيقة أو امتلاك السلطة أو الشرعية، فقد أصبح لزاما على صناع القرار فى هذا العالم والمسئولين بدرجاتهم المختلفة، وعلى من يتولى مهام التربية والاسرة، إشاعة روح التسامح والتعايش فى العلاقات بين الدول عبر إثراء قنوات التواصل والتفاهم والحوار والتعاون، وتقوية روابط الاحترام المتبادل بين جميع مكونات المجتمعات المحلية والإقليمية والدولية، ومواجهة الاختلاف بالتسامح. والتسامح الذى نتحدث عنه هو قبول الآخر بكل ما يحمله من أفكار مختلفة، أو ما يؤمن به من آراء متباينة، وما يتبناه من مواقف ومعتقدات خاصة.مع ضرورة إخراج هذا المفهوم من إطاره النظرى وتنزيله إلى الواقع عبر منهج ثابت وراسخ فى المجتمع بمختلف مؤسساته ومكوناته، ومن خلال رسالة ثقافية وحضارية واضحة، تحمل فى مضامينها رؤية لشكل العلاقة بين البشر على أساس التسامح والتعايش والاحترام.

إن التسامح بهذا المفهوم وبهذه الروح الايجابية، سيمثل شريان الحياة وسيكون السبيل الوحيدة لتخليق الحياة العامة وتحقيق العدالة والحرية، ومداواة الجروح التى خلفتها الحروب والصراعات السياسية، والظلم والقهر الذى عانته شعوب العالم المختلفة فى فترات معينة. فالتسامح وحده كفيل بتضميد جراح الإنسانية وإعادة الكرامة إليها. والتسامح هنا ليس منة من أحد، لكنه حق من حقوق الانسان، به يكتمل بناء المجتمع الديمقراطى العادل الذى يحظى فيه الجميع باعتراف كامل واحترام متبادل. فكل عام وكل العالم بتسامح وسلام.


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: 
كلمات البحث: