رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مريم أمجون.. الطفلة التى لقنتنا درسا فى القراءة

توجت الطفلة المغربية مريم أمجون، الاسبوع الماضي، فى دبي، بجائزة تحدى القراءة العربي، بعد تخطيها فى المرحلة الثالثة 10 ملايين مشارك من التلميذات والتلاميذ من مختلف البلدان العربية، وبلوغها المراحل النهائية. مريم، التلميذة ذات السنوات التسع فى الصف الرابع الابتدائي، أصغر مشاركة فى المسابقة، وهى ابنة المغرب العميق؛ كما يحلو للبعض تسميته، حيث الطبيعة القاسية والبنى التحتية المحدودة؛ وأحد تلامذة المدرسة العمومية، التى استطاعت مريم، رغم صغر سنها، ان تعيد إليها الثقة، وان تذكرنا جميعا بأن الأمل فى المستقبل لايزال موجودا، وأن الرهان الحقيقى يبقى على التعليم وغرس المعرفة فى قلوب وعقول الأجيال القادمة.

فى أقل من سنة استطاعت مريم أن تقرأ قرابة مائتى كتاب، وتقدمت للمنافسة بستين منها؛ لأنها تضبطها وتملك ناصيتها، كما صرحت بذلك.وعندما سئلت عن قيمة القراءة بالنسبة إليها، أجابت مريم بعفوية الطفلة الشغوفة بالمعرفة: إن القراءة مستشفى العقول.. وأنها تطرد الجهالة والبلاهة والتفاهة.. وهى طوق نجاة للأمم والذاكرة الحية للإنسانية. بهذه الكلمات البسيطة وعميقة المعنى، استطاعت مريم، مرة أخرى، ان تعطينا درسا فى أهمية القراءة باعتبارها آلية للتخلص من كم الجهل الذى يغرق فيه شبابنا بعدما غابت الثقافة عن بنية المجتمع، وطغت المادة على التعليم، وسيطرة التفاهة على التفكير، وتكرست الرداءة على حساب القيمة.

وسط ضجيج أخبار الصراعات السياسية، والأخبار السخيفة، والكوارث الطبيعية، والجرائم الصادمة وأخبار بعض الفنانين التافهة.. إلخ، جاءت مريم بحضورها الساحر، لتواجهنا بتفاهة الموجة السائدة داخل مجتمعاتنا، وتلقننا درسا فى التحدى والأمل، وتذكرنا بأن القراءة هى الحل والخلاص من كم المشكلات والتناقضات التى نعيشها، وتنثر فى قلوب؛ كل من لامس شغفها بالعلم، وسمع ردودها المهذبة، بلغتها الفصحى الجميلة، أملا بأن الفجر آت لا محالة، وبأن المستقبل فى يد أجيال يجب ان نحسن الاستثمار فيها. وافضل استثمار هو العلم وغرس حب الاطلاع والمعرفة منذ الصغر. فليس وحدها كثرة الالعاب أو الهواتف الذكية بتطبيقاتها المختلفة، يمكن ان تشكل متنفسا لطفلك، لكن أيضا شراء قصص ومجلات وكتب، يمكن ان يكون مصدر متعة وثراء فكري، فى ذات الوقت، إذا ما تعود الطفل عليها ووجد من يشجعه، منذ نعومة أظفاره، على ممارسة هذه الهواية.

لا شك أن جل المشكلات التى تعيشها مجتمعاتنا تعود إلى غياب الوعى الناتج عن ضعف القراءة والمعرفة السطحية بالأمور. ففى تقريرها لعام 2016، خلصت لجنة تتابع شئون النشر، التابعة للمجلس الأعلى للثقافة، أن متوسط معدل القراءة فى العالم العربى لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنويا. وورد فى تقرير التنمية البشرية الصادر عن مؤسسة الفكر العربي، لعام 2011، أن المواطن العربى يقرأ بمعدل 6 دقائق سنويا، بينما يقرأ الأوروبى بمعدل 200 ساعة سنويا.

هذه الأرقام تكشف لنا كم الخواء المعرفى والثقافى الذى نعيشه فى عالمنا العربي، وتؤكد لنا سبب وجود تلك الهوة الثقافية الكبيرة بين ثقافة المواطن العربى وثقافة المواطن الغربي. وتعكس، فى الوقت نفسه، التباين القائم بين الرصيد الثقافى الحضارى الذى نملكه، وبين أسباب عدم قدرتنا على الإضافة إليه مما يجعلنا نتخبط فى الاجترار والنقل بدل الخلق والإبداع، مقارنة بشعوب أخرى حققت نتائج عظيمة فى استثمار رصيدها ومخزونها المعرفي. هناك عوائق وأسباب عدة ساهمت فى تدهور معدلات القراءة فى الوطن العربي، والتى لا يمكن فى أى حال ربطها فقط بالظروف الاقتصادية المتعثرة التى لا توفر للمواطن العربى الوقت والمال للقراءة، بل هناك أسباب أعمق من ذلك، منها عدم تشجيع المناهج الدراسية والتربية الأسرية على القراءة، وانتشار ثقافة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث بات المواطن العربى يقضى جل وقته على هذه المواقع، قد يصل الى ثمانى ساعات يوميا فى بعض الدول، مما يزيد من جهل هذه الامة ويزيد من متاعبها. هى أزمة حقيقية تهدد الوطن العربى ثقافيا وحضاريا وعلميا، وللخروج منها لا بد من توافر ارادة سياسية للرفع من وعى الشعوب من خلال وضع خطط استراتيجية ثقافية لغرس القراءة فى نفوس الصغار والشباب، واعتماد برامج تعليمية من شأنها تشجيع الطلاب على القراءة، إلى جانب تخصيص برامج ومسابقات خاصة بالشباب العربى لتشجيعهم على القراءة، وقد كانت دولة الامارات سباقة فى هذا المجال.

أتمنى أن تدوم هذه المبادرات وان تتوسع لتشمل دولا اخرى. وأتمنى ان تدوم شحنة الطاقة التى وزعتها مريم علينا جميعا، وأن تستطيع قوة تأثيرها ان تستمر طويلا، وان تكون نموذجا يحتذى به بين أبناء جيلها. الجيل الذى نتمنى ان يتنافس على شغف المعرفة وإعادة اكتشاف العالم من منظوره الخاص ومجهوده البحثي. فربما خلاص هذه الامة يأتى من أطفالها اذا ما تم حسن صناعتهم وتهذيب أفكارهم وتوسيع مواردهم المعرفية.


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: