رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«الإرهاب النسائى».. إلى أين؟

ضرب الإرهاب، الإثنين الماضي، قلب العاصمة تونس، وشارعها الرئيسى الأكثر نبضا وحيوية، والمنفذ امرأة لقيت حتفها بعد تفجير حزامها الناسف.

حادث إرهابى جبان يزيد من متاعب دولة تونس المكلومة، ويعيد إلى الواجهة قضية الجهاد النسائى الذى طالما لم يلق الاهتمام الكافى من طرف الباحثين والمختصين فى مكافحة الإرهاب وصناع القرار، على اعتبار ان المرأة دائما ما تكون ضحية، وبالتالي، يتم التغاضى عن جرائمها، وأولادها جريمة الانتماء لتنظيم إرهابي، بل ويتم التمييز لصالحها والتعامل معها كـمغرر بها، ولا يتم تجريمها ولا معاملتها بذات الحيطة والحذر، اللذين يتم التعامل بهما مع نظرائها من الرجال.

عندما فتح تنظيم القاعدة الباب امام تجنيد النساء ومشاركتهن فى عمليات قتالية، ربما لم يكن يعلم ان فتوى يوسف العييرى وبعده رسائل وفتاوى ابو مصعب الزرقاوى وقبلهم القيادى الجهادى سامر سويلم، سوف تلاقى هذا القدر من الترحيب من طرف العنصر النسائى مع الجيل الجديد للإرهاب.

وعندما ظهر تنظيم الدولة الاسلامية كرس من هذا الدور وعزز من قوة المرأة داخل التنظيم بعدما طلب منها القتال فى الصفوف الأمامية، ودربها على استخدام السلاح، ومنحها دورا فى الحرب الدعائية على الإنترنت، وألقى بها كانتحارية أمام القوات العراقية والسورية، بعدما نجح فى استقطاب ما لا يقل عن 10 آلاف امرأة من كل انحاء العالم.

إن السؤال المحير والمقلق كثيرا هو: كيف لتنظيم دموي، ينتهج سياسة تؤسس لمجتمع ذكورى يستعبد المرأة ويسبيها، ولا مكان فيه للمساواة ولا الحريات، أن يستقطب نساء من مختلف البيئات والثقافات، ويدفعهن إلى التضحية بالرفاهة والحياة المستقرة والمتحررة، من أجل التقيد بأحكام متشددة، وتحمل مخاطر جمة فى سبيل الالتحاق بالتنظيم او تنفيذ عمليات قتالية لحسابه؟

هناك من يربط العنف النسائى بدور المرأة كـمنجبة ومربية لأجيال من المتطرفين. وهناك من يربط عنفها بكونها تتحكم فيها العاطفة وحلم الارتباط بفارس آخر الزمان. او أنها حاقدة راغبة فى الانتقام بسبب ظلم عاشته او بسبب فقدان أحد الاقارب (الأب او الزوج او الأخ او الابن) بسبب حرب تراها غير عادلة. وهناك من يربط عنفها بميول جنسية عنيفة.

وبهذا توصف النساء اللاتى انضممن إلى تنظيم داعش، او اللاتى تبنين فكره وقدمن أنفسهن كبش فداء لمطامحه وجشعه، كأنهن أمهات الخلافة، أو فتيات ساذجات او أرامل سوداء او عرائس الجهاد.

ورغم أن هذه التصنيفات تبقى غير كافية ولا تعبر عن عمق أسباب تطرف النساء؛ مادام هناك شبه غياب لأبحاث ميدانية ودراسات حالة، تخرجنا من فخ الاستنتاجات السطحية / الجاهزة، التى تزيد من غموض الظاهرة وتعقيداتها المختلفة؛ الا أن الشيء الأكيد هو أن التنظيمات الإرهابية المختلفة باتت تعتمد على النساء من أجل جذب الاهتمام الإعلامى والتأثير على الرأى العام العالمي، كنوع من إضفاء المشروعية على مشروعها وإثبات أن أيديولوجيتها تجلب النساء كما الرجال.

إن ظاهرة اعتناق النساء الفكر المتطرف والإرهابي، هى أشد خطورة وفتكا ببنية مجتمعاتنا، خاصة فى ظل توجه النساء المتزايد وبشكل غير مسبوق للعنف، ورغبتهن فى تحقيق ذواتهن والتمكين من لعب دور قيادى لم تستطع ممارسته داخل عائلتها ومجتمعها الذكوري، وبحثهن عن أن يكنّ قرة عين الجهاد، من خلال الانتساب لجماعة إرهابية او حمل السلاح فى وجه المجتمع.

بالإضافة الى سعى بعض النساء (الغربيات تحديدا) الى الشعور بالانتماء، والعيش وسط مجتمع متجانس، وفى بيئة تمارس فيها معتقداتها الاكثر تشددا بحرية دون تمييز أو إقصاء.

وما يزيد من خطورة الظاهرة هو تعامل السلطات معها باستخفاف فى الوقت الذى تحتاج فيه إلى وعى ونهج سياسات استباقية، مادامت الظاهرة فى تزايد، ومادامت استراتيجية الإرهاب باتت تعتمد على المرأة ليس فقط للتسويق لنفسه أو الضغط على المجتمع الدولى بوضع النساء فى الصفوف الامامية لمعاركه الخاسرة، ولكن أيضا بات يستخدمها كأداة قتالية وكقنبلة قابلة للانفجار فى كل مكان وفى أى زمان، كما وقع فى حادث تونس الإرهابي.

لابد من تحديد أسباب تطرف النساء وتحليلها ومعالجتها ومنعها مستقبلا. ولابد من مجابهة العوامل النفسية والاجتماعية التى تركز عليها الجماعات المتطرفة لجذب النساء.

ولا بد من رفع الظلم عن النساء وتمكينهن من ممارسة حقوقهن وأداء أدوارهن داخل المجتمع دون تمييز أو إقصاء، حتى لا يتكرر سيناريو انتحاريات القاعدة، أو مقاتلات داعش، اللاتى انتهى بهن المطاف إما قتيلات، او أسيرات او لاجئات فى مخيمات دون وثائق شخصية، وبأكثر من طفل، وكل طفل من أب، وكل أب من دولة!، أما دولهن الخاصة فترفض استعادتهن لما يشكلنه من خطر على أمنها القومي، فيما لا ترغب الجهة المستقبلة لهن، سواء فى العراق أو سوريا، الاحتفاظ بهن، لأنهن لا يشكلن بالنسبة لها سوى عبء أمنى وتهديد إضافى.


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: 
كلمات البحث: