مما لاشك فيه، أن مصر قطعت أشواطا شاقة ومرهقة، لإعادة البناء على أسس قوية و منضبطة، ظهرت ملامحه فى قطاعات متعددة، مثل الكهرباء والطرق، والإسكان، وتطوير العشوائيات واقتراب القضاء عليها فى كل ربوع مصر، واستصلاح الأراضى، وتحديث واستكمال البنية التحتية لشبكات مياه الشرب وكذلك الصرف الصحى، ونجاحات أخرى كثيرة.
ولأن البناء مرهق و شاق، فطبيعى أن يشعر المواطن بإرهاقه كلما شاهد ارتفاعه، لذا كلما تُحدث الناس عن كم الإنجازات التى تمت، تسمع من الكثير منهم، عن كم المعاناة التى يواجهونها جراء بضعة أمور على رأسها ارتفاع أسعار السلع والخدمات!
وعند توضيح سبب زيادة أسعار الكهرباء والغاز والبنزين وما شابه، وتفسير سبب ذلك برفع الدعم، وتحويله من دعم لا يصل لمستحقيه، لدعم منظومة الصحة و التعليم وغيرها، وها قد بدأنا نشاهد بشائرها فى حملة القضاء على فيروس سى مجاناً، لأول مرة فى مصر، كأحد عناصر منظومة جديدة للتأمين الصحى الشامل لكل المصريين.
تجد من يحدثك عن زيادة أسعار الغذاء من خضراوات و فاكهة، ولحوم بكل أنواعها، فبعض أنواع الخضار مثل البطاطس وصل سعرها لـ 14 جنيها، وهو ثمن باهظ مقارنة بسعرها منذ بضعة أسابيع، وهذا صنف واحد، فما بالك ببقية الأصناف!
فى الحقيقة أى سوق تخضع للعرض والطلب، بما فيها أسواق الخُضر والفاكهة، ويجب ألا ننسى عناصر الإنتاج من النقل والتوزيع، وصولا للمستهلك النهائى، ولكن هل يُعقل أن يكون سعر كيلو البطاطس من على الأرض جنيهاً واحدا وتصل للمستهلك بهذا الرقم؟!
ودون الدخول فى دحض مبررات ارتفاع الأسعار، سنجد أن الخاسر الحقيقى هو الفلاح، فهو يرزع ويجتهد لرعاية زراعته، ثم يجنى غيره ثمرة كفاحه!
لذا لابد من إعادة التفكير بعقلانية وهدوء، فى كيفية إعادة الفلاح ليكون منتجاً مرة أخرى، بعد أن نجح الفساد المُمنهج فى العقود السابقة لتحويله لمستهلك، وبات كغيره من الناس يشترى غذاءه وخبزه، بعد أن كان ينتجه!
وفى هذا الشأن، أقترح عمل مشروع، ترعاه وتنظمه الدولة بكل إمكاناتها، يتم من خلاله الاستفادة القصوى من قدرات الفلاح، والعمل على إيجاد كوادر إنتاجية وتعظيم قدراتها.
بداية يجب التعامل مع كل فلاح كوحدة إنتاجية مستقلة، يتم تزويده بعدد من رءوس الماشية، حسب المساحة التى يمتلكها وتستوعب هذا العدد، على أن تكون الماشية فى سن صغيرة، يكون الفلاح مسئولا عن تسمينها وتربيتها، وتُنشىء الدولة الكوادر اللازمة لرعايتها بيطريا، ومن ثم متابعتها، ثم بيعها، وفق نظام شفاف وواضح، يضمن للفلاح ربحا معقولا، وفى المقابل يصبح هناك وفرة فى المعروض من اللحوم، بما ينعكس أثره فى انخفاض سعرها.
التخطيط الجيد لهذا المشروع من خلال تكاتف قطاعات البنوك ووزارة الزراعة بأجهزتها، من شأنه خلق مئات الآلاف من فرص العمل، من خلال إنشاء شركات تكون معنية باستيراد الماشية، ومتابعة تسليمها للفلاح و كذلك معنية بشرائها و تسويقها بعد تربيتها. وهنا يمكن الاستفادة من دعم المائتى مليار جنيه للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر لتمويل هذا المشروع القومى.
ولنا أن نتخيل ما يمكن أن تحققه، إدارة هذا المشروع بنجاح وعزيمة حققت الكثير على مر السنوات الأربع الماضية.
أولا، سيعود الفلاح منتجا مرة أخرى، وسيسعى لتعظيم مكاسبه من خلال الاعتناء الكامل بالماشية التى يربيها، بخلاف ما يجنيه من بيعه لمنتجاتها.
ثانيا، ستحقق مصر الاكتفاء الذاتى من اللحوم، بما يعود بالتبعية على انخفاض أسعارها، وما يمكن أن يؤثر ذلك على أسعار منتجات أخرى بالتخفيض.
ثالثا، سيقل عدد المستهلكين فى مصر، بعد أن يتحول الفلاح لمنتج مرة ثانية، وسيبدأ فى نهج سياسة تنمية رأس ماله، بما يُعظم الناتج القومى المصرى فى النهاية.
سيقول أحدنا، إنه كان هناك مشروع مشابه منذ عدة عقود ولكنه فشل، أقول له، لابد من البحث فى أسباب الفشل التى يأتى على رأسها بروز مافيا مستوردى اللحوم، وعلاج هذا الخلل، تأسيساً لنجاحه.
والأمر يمكن أن يشمل أشياء أخرى مثل تربية الأغنام بأنواعها المختلفة، والاستفادة من منتجاتها ، مثل الصوف، فقط يلزمنا وضع رؤية تعمل على تغيير نمط الاستهلاك لدى فئة مهمة من الناس و تحويلها للإنتاج.
إننا نملك الإمكانات، وكذلك القدرات، ولكن كل ما ينقصنا التنظيم الجيد للحصول على المخرجات التى نتمناها. لا أملك إحصائية واضحة لعدد الفلاحين فى مصر، كما لا أعرف من منهم يستطيع أن يستهويه المشروع، ويرغب فى الدخول فيه حال البدء فى تنفيذه، لكن ما أعلمه أن هناك رغبة حقيقية لدى الكثير فى المشاركة فى البناء والتنمية، إضافة إلى السعى نحو تحسين مستوى المعيشة.
نحن فى حاجة ملحة للتفكير بعمق خارج الصندوق وصولا لتقليل الفجوة بين ما ننتجه و نستهلكه، و النجاح فى تحقيق هذا الهدف يحتاج لأفكار جديدة، تأخذ فى اعتبارها ما نملكه من إمكانات، وما نستطيع تحقيقه من مكتسبات، وبقليل من التدبير يمكن أن نغير الكثير.
ولنعتبر هذا الطرح نواة لمشروع القرن، ليكون مؤسسا لإيجاد كوادر إنتاجية ف مجالات متعددة .
[email protected]لمزيد من مقالات ◀ عماد رحــيم رابط دائم: