قديما، كان الصحفيون الشبان «يتعلمون» أصول الصحافة والترجمة والتحرير الصحفى من وكالات الأنباء العالمية المرموقة مثل «رويترز».
واليوم، وتحديدا منذ سنوات «الربيع العربي» الكئيبة، خلعت الوكالة وغيرها من وسائل الإعلام العالمية ثياب المهنية والمصداقية، واكتست بأثواب التسييس، والنضال، و«التثور»، لتتحول تقاريرها وأخبارها عن دول بعينها إلى نشرات موجهة، ومنصات للترويج للأفكار الإرهابية والمتطرفة، ولتضخيم العناصر الرافضة لفكرة «الدولة» و«المؤسسات»، فصنعت أبطالا من ورق، وأهانت قادة ورموزا، وساهمت فى الوقيعة بين دول وأخري، بل بين شعوب الدولة الواحدة.
فى لغز اختفاء الصحفى السعودى جمال خاشقجي، سلمت «رويترز» ذقنها تماما منذ بداية الأزمة إلى التسريبات القطرية والتركية، و»تخاريف» السوشيال ميديا، حول مسئولية السعودية عن قتل خاشقجي، بنفس الصورة الرديئة التى ساهمت بها «رويترز» نفسها فى قضية مقتل الباحث الإيطالى جوليو ريجيني.
سبق أن حذرنا مرارا فى «الأهرام» من تكرار اعتماد رويترز وغيرها من وسائل الإعلام فى مصادر أخبارها «المسيسة» و«الموجهة» على أناس وجهات لا يمكن الوثوق بها، وأيضا حذرنا من خطورة «توجيه» التغطية الإخبارية عن بلد بعينه، بحيث يتم تجاهل أى خبر إيجابى أو حقيقى عن الدولة المقصود استهدافها، وتكثيف نشر كل ما هو سلبى وسييء عن هذه الدولة.
الساعة 2:22 دقيقة بتوقيت القاهرة، بثت وكالة «رويترز» خبرا عنوانه «مستعجل جدا : بيان رسمى على صحيفة سبق : إعفاء القنصل السعودى فى تركيا من مهامه ووضعه تحت التحقيق بسبب انتهاكات»، وفور بثه، ونظرا لفقدان رويترز مصداقيتها منذ زمن للأسف الشديد، تجاهلت معظم الصحف ووسائل الإعلام المحلية إعادة بث الخبر، لغرابة مضمونه، ولحين التأكد منه، خاصة لما هو معروف من أن «سبق» موقع إخبارى سعودى لا يعقل أن ينشر خبرا كهذا فى ظل استمرار التحقيقات فى قضية خاشقجي، وأيضا لأن رويترز لم تعتد نقل أخبارها فى لغز خاشقجى من مصادر سعودية، رغم أنها بالفعل تنقل طوفانا من الأخبار عن مواقع داعش والتنظيمات المتطرفة أو المنظمات الحقوقية أو بعض الخارجين عن القانون، أو مصادر أمنية تزعم أنها «مجهولة»، بل وأحيانا تنقل من تغريدات المراهقين عبر السوشيال ميديا!.
سقطت رويترز فى المحظور، فبثت بعد ساعة تقريبا تصحيحا للخبر السابق، قالت فيه بالحرف الواحد «يرجى سحب المستعجل جدا بعنوان ....... نظرا لأن الخبر لم يرد على موقع صحيفة سبق»!!.
والمقزز حقا أن سحب الخبر جاء بدون أى اعتذار!
وكانت رويترز قد ارتكبت عشرات الأخطاء المماثلة فى نقل تصريحات مجهلة أو من مصادر غير موثوق فيها، ولعل من أبرزها أخبار هجوم الواحات الإرهابى الذى بالغت فيه جدا فى نقل أرقام شهداء الشرطة، وهو ما دفع هيئة الاستعلامات لاحقا إلى مطالبة الوكالة بذكر أسماء ضحايا الشرطة إن كانت لديها أى مصداقية، ولكن الوكالة لم تفعل.
وكان الخطأ الأشهر للوكالة ما فعلته فى معركة «الشيخ زويد» الشهيرة قبل سنوات، والتى بثت فيها سلسلة من الأكاذيب على مدار عدة ساعات نقلا عن مصادر مجهولة عن احتلال الإرهابيين لمدينة الشيخ زويد ورفع علم داعش فوق المدينة، قبل أن يتضح أن كل ما بثته الوكالة غير صحيح.
وقبل بضعة أشهر، سقطت مصداقية الوكالة فى الحضيض عندما بثت خبر انفجار طائرة فى مطار القاهرة، وتوقف النقل الجوي، وإلغاء رحلات سياحية، ليتضح بعدها أن كل هذا لم يحدث!
ومن جانبها، ردت «سبق» على ما حدث بتوجيه توبيخ شديد اللهجة لرويترز قالت فيه إن سبق تؤكد لقرائها أنها تستقى أخبارها من مصادرها الموثوقة، مشددة على أنها ليست لها علاقة بالمتداول على رويترز، ووصفت ما فعلته رويترز بأنها «سقطة مهنية وأخلاقية»، وقالت إن الوكالة الشهيرة وقعت فى فخ التضليل ونشرت خبرا مزورا منسوبا إليها.
والمخجل فى الأمر أن بعض «تلاميذ» رويترز فى الإعلام المصرى الخاص هرعوا لنشر مبررات سقطة رويترز، زاعمين أن «أحدهم» فى الإسكندرية أنشأ موقعا باسم «سبق» وبث الخبر المغلوط، ومنه استقت رويترز مصدر المعلومة أو الكذبة الكبيرة، دون أن تعرف أن هذا ليس موقع «سبق» الحقيقي، وهو عذر أقبح من ذنب!.
.. هل ما زالت «رويترز» فى حاجة إلى مزيد من الفضائح لتصحيح مسارها؟!.
رابط دائم: