رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سوتشى.. قمة الشراكة الإستراتيجية

تفاصيل صغيرة لكنها تكشف عن مدى الاحترام والتقدير الذى تكنه شعوب وقادة الاتحاد الروسى لمصر، ومنها دعوة الرئيس السيسى إلى إلقاء كلمة أمام مجلس الفيدرالية الروسى كأول زعيم أجنبى، وقد لمحت الفرحة فى عيون قادة الفيدرالية الروسية عندما دعاهم الرئيس إلى تحية ذكرى مرور 75 عاما على العلاقات المصرية – الروسية. ولفت انتباهى وأسعدتنى رؤية هذا المزيج من الود الحقيقى مع الحفاوة النابعة من القلب للرئيس السيسى والوفد المرافق له، التى امتزجت مع لقاءات تبحث فى تفاصيل برامج وخطط التعاون الإستراتيجى الشامل بين البلدين، والتى تؤكد أن ما يجمعهما كثير وعميق، وأن الرئيسين السيسى وبوتين عازمان على المضى بالعلاقات بين البلدين إلى آفاق أرحب، على أرضية من الثقة المتبادلة والاحترام والتقدير المستند إلى تاريخ طويل من العلاقات البناءة بين البلدين، لكنها أخذت تشق طريقا أكثر اتساعا فى السنوات الأخيرة، ويمكن أن نلمس ذلك فى العدد الكبير من اللقاءات التى جمعت بين الرئيسين السيسى وبوتين خلال السنوات الخمس الماضية، والتى بلغت تسعة. وفى اللقاء الأخير كان حجم الملفات وتنوعها يفوق التصور، ولم يقتصر على الملفات الخمسة الرئيسية التى تشمل مشروع المفاعل النووى فى الضبعة، وهو المشروع المشترك العملاق الذى يذكرنا ببناء السد العالى، وتبلغ استثماراته 25 مليار دولار، بتمويل روسى على مدى 13 دفعة سنوية، ومن المقرر أن يبدأ التشغيل التجريبى لأول مفاعل نووى فى المشروع فى عام 2022، ويكتمل الإنجاز فى عام 2028.

وتعود السياحة إلى الازدهار مع اندحار الإرهاب، واتفاق الرئيسين على إزالة المخاوف أمام السياح الروس، وباتت عودة رحلات الطيران الروسى قريبة جدا إلى شرم الشيخ والغردقة وباقى المنتجعات التى طالما أحب الشعب الروسى رمالها ومياهها، لتواصل عجلة السياحة نهوضها السريع.

وبعد انتعاش التجارة بين البلدين وتجاوزها 6٫5 مليار دولار، تدخل المشروعات الصناعية الروسية إلى شرق بورسعيد على مساحة خمسة كيلو مترات مربعة، وباستثمارات تبدأ بسبعة مليارات دولار، وتسعى نحو 130 شركة روسية إلى إقامة خطوط إنتاج لها فى المنطقة الصناعية، وهو ما يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل فى عدد كبير من الصناعات المتطورة ، لتشارك روسيا فى المنافسة القوية بين الاستثمارات الدولية فى هذه المنطقة الحيوية، التى ستصبح إحدى أهم القلاع الإنتاجية الناشئة فى العالم، على أن تمنح روسيا تسهيلات للمنتجات المصرية، لإحداث التوازن فى حجم التبادل التجارى المتزايد بين البلدين، الذى سيتعزز بتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والاتحاد الأوراسي، الذى يضم إلى جانب روسيا كلا من أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزيا، وهو ما سيفتح الباب واسعا أمام انتعاش التبادل التجارى وفتح أسواق جديدة للسلع والمنتجات المصرية.

وكان ملف التعاون العسكرى حاضرا كالعادة بين الرئيسين، سواء فيما يتعلق بتزويد مصر بالأسلحة الروسية الحديثة، أو فى مجال التدريب والمناورات العسكرية المشتركة، وهو تعاون زادت وتيرته فى السنوات الأخيرة، فى إطار حرص مصر على تعزيز قدرات الجيش، ورفع جاهزيته القتالية، وتنويع مصادر تسليحه.

وتعمق التفاهم بين مصر وروسيا فى سبل حل أزمتى سوريا وليبيا، فحول الملف السورى اتفق الزعيمان على ضرورة حماية وحدة الأراضى السورية، والسعى إلى التسوية السياسية بدلا من الاحتكام للقتال، وتجنيب المدنيين مخاطر الحرب، وأن تدعم روسيا الجهود المصرية والعربية لبسط الأمن فى ليبيا على كامل أراضيها، والتوصل إلى تسوية سياسية تضمن استقلال ليبيا ووحدتها، وإنهاء ظاهرة الميليشيات المسلحة، لتعود الحياة الطبيعية فى كل المدن الليبية، تحت حماية جيشها الموحد.

وشملت مباحثات الرئيسين مجمل القضايا الإقليمية والدولية، خاصة القضية الفلسطينية التى تصدرت الاهتمام، واتفقا على أن أى حل للقضية الفلسطينية يجب أن يستند إلى القوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن لقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وهو الطريق الوحيد لتكريس السلام العادل والشامل فى المنطقة.

وبينما أنا فى طريق العودة من سوتشى كنت أتذكر الزيارتين السابقتين للرئيس السيسى لكل من الصين والولايات المتحدة، وكيف كنت مبتهجا عند العودة من الصين بحجم الاتفاقيات الاقتصادية مع تلك الدولة العملاقة، وعند العودة من الولايات المتحدة كنت فخورا بمكانة مصر السياسية التى لمستها فى قاعات الأمم المتحدة، أما أثناء العودة من روسيا فقد زادت قناعتى بقرب استعادة مصر مكانتها اللائقة، ووجدت من الصعب أن أتناول تلك الملفات الضخمة والمتعددة، التى شملت الاقتصاد والسياسة والتسليح والثقافة، وتيقنت من قدرة الرئيس السيسى على تجاوز الخلافات بين تلك الدول الكبرى الثلاث، وكيف أن مصر قادرة على نسج علاقات قوية مع هذه الأقطاب الدولية مجتمعة، رغم خلافاتها وتعارض سياساتها، ووجدت أن مصر كانت وستظل ملتقى الحضارات.


لمزيد من مقالات بقلم ــ عـــلاء ثابت

رابط دائم: