رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تحديات الدخول السياسى فى المغرب

اذا كان الدخول السياسى فى الأنظمة الديمقراطية يعكس مؤشرات عن قضايا لها تأثير مباشر على حياة المواطن الخاصة والعامة، وتحديدا نظام التربية والتعليم، والنظام الضريبي، والاتفاقيات الدولية، والجانب القانونى والتشريعى والمؤسساتي، فإنه فى المغرب لا يعنى سوى العودة للعمل العادى للمؤسسات الدستورية، خاصة البرلمان، بعد إجازة صيف طويلة. ويأتى افتتاح السنة التشريعية الجديدة، التى دشنها العاهل المغربي، الجمعة الماضية، فى ظل ظروف دقيقة مرتبطة، أولا، بسياق سياسى مشحون بين مكونات الأغلبية الحكومية التى لم تعد تستطيع إخفاء خلافاتها التى حولتها الى تراشق كلامى يشتد حينا ويخمد حينا آخر، ولم تستطع تقديم مرشح يمثل الأغلبية فى انتخابات رئيس مجلس المستشارين، بل وصوتت كل فرق الأغلبية ضد مرشح حزب العدالة والتنمية (قائد التحالف الحكومي) مما يعكس واقع التمزق المكتوم الذى تعانيه الأغلبية الحكومية، والذى يمكن ان يكون سببا فى انفجارها من الداخل فى الأشهر المقبلة.

ثانيا، وضعية اجتماعية متسمة بالاحتقان والإحباط وفقدان الامل فى المستقبل بسبب ارتفاع مستويات البطالة بين صفوف الشباب، واتساع رقعة الفوارق الاجتماعية، ما أدى الى تفشى ظاهرة الهجرة، وتزايد الاحتجاجات الشعبية التى من شأنها أن تهدد السلم الاجتماعي. ثالثا، وجود احتقان اقتصادى يظهر من خلال تراجع الثقة فى مناخ الأعمال، وشح فرص الشغل المستحدثة والتراجع الحاد للاستثمارات الأجنبية بالمغرب. والمتابع لمختلف الازمات التى يمر بها المغرب يشعر بأن سكة البلاد خرجت عن مسارها بعدما انشغل المسئول والسياسى والحزبى عن أدوارهم وانغمسوا فى صراعات ثانوية وحسابات شخصية، وهذا ما نبه له العاهل المغربى فى خطابه أمام البرلمانيين، عندما دعا الى التعبئة العامة والعمل الجماعي، وقيام كل واحد بدوره كاملا، فى ظل احترام القناعات والاختلافات.. فالمصلحة الوطنية واحدة، والتحديات واحدة، ويبقى الأهم هو نتيجة العمل الجماعي. وهى نفس الرسالة التى عبر عنها الملك محمد السادس فى خطاب العرش الأخير عندما دعا المسئولين إلى الانكباب على القضايا الحقيقية للمواطن بدل الدخول فى نقاشات واهية، معتبرا المغرب: الوطن والبيت المشترك، الذى يجب على الجميع أن يحافظ عليه ويسهم فى تنميته وتقدمه. ومن أجل تحقيق التنمية المرجوة وتصحيح المسارات، فقد أعطت خطابات جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، وذكرى ثورة الملك والشعب، وأخيرا افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، دينامية وآفاقا جديدة للعمل السياسى الجماعي، ورسمت خريطة طريق لبلورة مشروع تنموى جديد يستجيب لنبض الشارع ومطالبه، وتسريع المشاريع الاجتماعية والاقتصادية الكبرى، والتى يتعين على الحكومة بلورتها وترجمتها على أرض الواقع سواء على المستوى التشريعي، وأساسا عبر مشروع قانون المالية أو مشاريع القوانين التى ستعرض على أنظار المؤسسة التشريعية للمصادقة عليها. ومن أجل مواجهة بطالة الشباب وفتح آفاق جديدة للشغل، فقد أمهل العاهل المغربى رئيس الحكومة ثلاثة أسابيع، من أجل إعداد خطة لتأهيل عرض التكوين المهني، وتنويع وتثمين المهن، وتحديث المناهج البيداغوجية. وطالب الملك الحكومة بإحداث جيل جديد من مراكز تكوين وتأهيل الشباب، وإقرار مجلس التوجيه المبكر نحو التخصصات المهنية، وتطوير التكوين بالتناوب، وتعلم اللغات، وكذلك النهوض بدعم إحداث المقاولات من طرف الشباب فى مجالات تخصصاتهم. وأعطى الملك توجيهاته قصد بلورة تكوينات مؤهلة قصيرة، تناهز مدتها أربعة أشهر، تشمل وحدات لغوية وتقنية مخصصة للأشخاص الذين يتوافرون على تجربة فى القطاع غير المهيكل (غير الرسمي)، وذلك من أجل منحهم فرصة الاندماج فى القطاع المهيكل (الرسمي)، ومن تم تثمين خبراتهم وملكاتهم.

إن الدخول البرلمانى لهذه السنة ليس كغيره من السنوات، فهو يفرض على البرلمان بمجلسيه التفاعل مع الظرفية الراهنة، غير المسبوقة، وتفعيل توصيات خطابات الملك، التى تبقى الأكثر حرصا على مصالح المواطن البسيط. وهذا يستدعى الحاجة الى توافر الإرادة السياسية لدى الأحزاب والمسئولين فى مختلف المواقع. كما يقع على عاتق ممثلى الأمة داخل غرفتى البرلمان إيصال صوت المواطنين والتعبير عن همومهم وتطلعاتهم، وطرح أسئلة عن كل ما يرتبط بحالة القلق العام التى أصبحت سائدة فى المجتمع، والإسهام فى الاجابة العملية عنها بعيدا عن لغة الخشب، وذلك فى إطار مناقشات قانون المالية، وفى الدور الرقابى الذى تمارسه المؤسسة التشريعية على العمل الحكومي. أما الحكومة، فهى امام اختبار حقيقى فهى مطالبة، من ناحية، بالعمل على تنزيل خريطة الطريق العاجلة التى رسمها ملك البلاد، مع التخطيط الاستراتيجى الكفيل بتنفيذ المشاريع التنموية التى اقترحها، والعمل على مواكبتها بشكل مستمر. ومن ناحية أخرى، هى مطالبة بتجاوز صراعاتها الداخلية والتفاعل الإيجابى مع صوت الشارع، الذى وصل إلى حد النفور من السياسة والسياسيين، والالتفات لمطالب المواطن التى انتبهت إليها أعلى سلطة فى البلاد وتجاوبت معها، فى انتظار ان تنفذ الحكومة ما وصل إليها من تعليمات مباشرة أو إشارات لا تزال تنتظر من يلتقطها وينفذها.


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: 
كلمات البحث: