رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بين أكتوبر 73.. وأكتوبر 2018

قبل أن يمضى الشهر، احكوا لأولادكم عن أكتوبر. حدثوهم عن ذكرياتكم فى ذلك اليوم، كيف كانت مصر مهزومة منكسرة، طائرات العدو «بتتفسح» فى سماها. اشرحوا لهم أن الهزيمة فى ماتش كورة شيء، والهزيمة فى حرب حقيقية شيء آخر، وكيف كانت مصر تنتظر لحظة العبور وتحلم بها لسنوات.

فهموهم كيف ظل المجندون فى الجيش من 1967 حتى 1973 دون انقطاع أو عودة أو إنهاء خدمة، إلى أن «فشوا غلهم» فى أكتوبر.

احكوا لهم كيف كان رمضان فى 73، وماذا كنا نأكل، وكيف كنا نعيش.

قولوا لهم كيف استقبلنا بيان العبور الأول، وكيف كان المصريون يلتفون حول الإذاعة بشغف فور صدور بيان جديد.

فهموهم أن مصر لم تسجل جريمة واحدة طوال فترة الحرب، فلم يظهر بلطجى ولا قاطع طريق ولا مخالف بناء ولا مخرب ولا محرض، بعكس أيام سوداء أخرى شهدتها مصر لاحقا، الله لا يعيدها.

حدثوهم عن ابتهالات النقشبندى فى الراديو لحظة الإفطار، وقت أن كانت بيانات الحرب هى «الفطار» الحقيقى للمصريين.

حدثوهم عن بليغ حمدى ووردة وشادية وعبد الحليم، وكيف كان دور الفنانين الحقيقيين فى زمن الحرب، لا فى زمن الشمامين والعرايا والسكارى ونجوم التوكتوك.

ارووا لهم ماذا كنا نفعل عند سماعنا أصوات الغارات وأجراس الإنذار، وكيف كانت لقاءاتنا فى المخابيء، علموهم كيف كنت نتبع التعليمات الصادرة عن القوات المسلحة بكل دقة وبكل أمانة، ودون أى تذمر ولا مناقشة.

حدثوهم عن مشاهد استقبال جنودنا لدى عودتهم من الجبهة، وردود أفعالنا لدى سماعنا خطاب السادات الأسطورى فى مجلس الشعب، وبخاصة عندما وجه التحية بيده إلى قواتنا المسلحة وقيادتها التى خططت، ليقف المشير أحمد إسماعيل مؤديا التحية العسكرية للسادات وللأمة كلها فى مشهد مهيب.

اشرحوا لأبنائكم معنى «عبارة مرارة الهزيمة وآلامها، وحلاوة النصر وآماله» التى قالها السادات فى خطابه. علموا أبناءكم كيف أن الحرب لم تكن يوم 6 أكتوبر فقط، بل كانت حرب استنزاف وإعداد وتخطيط وخداع إستراتيجي، وقرارا شجاعا وعملا جماعيا.

فهموهم بأن الحرب لم تستمر طيلة أكتوبر فحسب، وإنما كانت نتيجتها «الواقعية» ونهايتها السعيدة فى كامب ديفيد، المفترى عليها، وحتى استعادة سيناء، ثم طابا.

اقرأوا لهم ما كتبه الإعلام الإسرائيلى والبريطانى والفرنسى والأمريكى عن الهزيمة المنكرة التى تلقتها إسرائيل فى «يوم كيبور» بدلا من السقوط فى براثن أكاذيب جبهة الصمود والتصدي، ومارينز إعلام الجزيرة وبى بى سي، ممن صدعونا بأحاديث ومقالات تافهة عن النصر غير المكتمل وعن ثغرة شارون التى اعترف شارون نفسه بحقيقتها لاحقا. اشرحوا لأولادكم كيف أن دول الصمود والتصدى والتطاول على مصر كانت هى ذات الدول التى سقطت بعد ذلك فى بالوعة «الربيع» بسبب خيبتهم الثقيلة، بينما بقيت مصر قوية منتصرة مرفوعة الرأس تملك يوما مجيدا فى صفحات تاريخها لا تملك دول أخرى ربعه ولا ثمنه.

اصطحبوا أبناءكم إلى الإسماعيلية ودعوهم يشاهدوا على الطبيعة كيف عبر جنودنا القناة وكيف دمروا خط بارليف، وكيف ارتوت سيناء بدمائهم، لعلهم يدركون أن الحفاظ على الأوطان يكون بالبذل والتضحية، لا بالجلوس على النت للتنظير والاستظراف واصطناع البطولات الزائفة وتمجيد شهداء وهميين.

علموهم معنى الحرب، ومعنى الكرامة، ومعنى الزى العسكري، ومعنى البيادة.

حدثوهم عن الجمسى وباقى وعبد العاطى وعمارة وغيرهم من الأبطال الحقيقيين.

فهموهم بوضوح أن من كانت مهنته عبارة عن تعهد بالموت فى سبيل الدفاع عنك وعنى يستحق التكريم والإعزاز والتبجيل، لا السخرية والتطاول والهمز واللمز على راتبه وامتيازاته.

علموهم كيف أن الحفاظ على الوطن من السقوط والانهيار حرب أيضا، ولا تقل ضراوة عن محاربة إسرائيل واستعادة أرض محتلة، وقولوا لهم إن محاربة خائن الداخل أصعب بكثير من عدو الخارج، وأن بقاء الوطن مستقرا بأى حال أهم بكثير من أى شعارات أخرى عن الحقوق والحرية والديمقراطية والتعددية و»المهلبية»، فلا ديمقراطية بدون وطن.

علموهم أن مصر لا تخون، ولا تبيع، ولا تستسلم، وإنما من يتهمها بذلك هو المدان!

أكتوبر لم ينته، ولن ينتهي، ويجب ألا ننساه أبدا، ولا أن ننسى أيامه ودروسه وعبره، وما نحن فيه هذه الأيام ليس سوى أكتوبر جديد وعبور جديد، وسننجح فيه رغم كيد البعيد، وغدر القريب، ومرضى الداخل.


لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل

رابط دائم: 
كلمات البحث: