حالة من الندم الشديد والشعور بخيبة الأمل تجدها عند عدد كبير من الآباء والأمهات حزنا على أبنائهم، فالولد عندما يصل لسن البلوغ ويشعر بصوته الخشن وأنه أصبح رجلا، وكذلك البنت عندما تشعر أنها أصبحت "عروسة" وعلى "وش جواز" تبدأ مرحلة التمرد على الآباء والأمهات، ورفض أغلب طلباتهم، بداية من إحضار كوب ماء للشرب مرورا برفض شراء طلبات من السوبر ماركت، أو السفر مع الأسرة في المصيف، نهاية بالكلية التي يرغبونها أو إبداء الرأي ـ مجرد رأي ـ في اختيار شريك الحياة، لتجد شعور أى أب أو أم هو الخذلان من الأبناء، فبعد كل هذه التضحيات التى قدمها كل أب وأم يعلن الولد أو البنت العصيان المدني رافضين تقديم أى خدمة أو قبول أى نصيحة من الوالدين.
والحقيقة أن السبب الحقيقى فى فساد سلوكيات الأبناء هو الأب والأم، فمنذ البداية تجد بابا وماما يبحثون لابنهم أو بنتهم عن مدرسة متميزة، وعندما يفشل فى إلحاقه بها يبدأ فى البحث عن واسطة يستطيع بها دخول ابنه المدرسة على حساب طفل آخر كان أحق منه فى دخولها.
وبعد دخوله المدرسة بالواسطة تبدأ مرحلة أن يكون الابن أو البنت هو أفضل تلميذ فى الفصل، فيتم البحث عن أفضل مدرس ليأخذ "عين بابا وماما" درس خصوصى، بداية من سن الحضانة حتى تخرجه من الجامعة مرورا بمراحل كثيرة من المدرس الخصوصى في البيت لمجموعات المدرسة، وحجزها من الساعة 5 صباحا لضمان اختيار أفضل مدرس، نهاية بالدرس الخصوصي في السنتر. المهم أن يكون الولد أو البنت "نمبر وان" في الدراسة دون النظر لفساد منظومة الدروس الخصوصية أو دخول المنافسة مع أشخاص قد لا يملكون تكلفة الدرس الخصوصى.
وقمة الفساد من بابا وماما يكون في الرياضة، فيتم اختيار رياضة أو أكثر ليمارسها الابن سواء برضاه أو غصبا عنه في مدارس صيفية بالأندية الرياضية، ليتم البحث بعد أيام قليلة عن واسطة ليدخل "ولي العهد" الفريق الرسمي للنادي حسب سنه، وبمجرد دخوله يتم البحث عن درس خصوصى في الرياضة "برايفت" خاصة عند مدرب الفريق، ليكون الابن هو الأفضل، ويضمن بذلك دخوله جميع البطولات دون الدخول في تصفيات مع زملائه، المهم أن الابن أو البنت يكون هو "نمبر وان" في الرياضة.
ويستمر مسلسل الفساد من أجل حصول الابن على "نمبر وان" فى أشياء كثيرة جدا، فأنت أيها الأب أو أيتها الأم تبحثان له عن واسطة ليستخرج رخصة القيادة، وقد تكونا سببا فى أذيته ـ لا قدر الله ـ فى حالة استخراج الرخصة دون إتقانه لفن قيادة السيارة، وأيضا البحث عن واسطة لحصوله على وظيفة بعد التخرج، وقد يكون غيره أحق بها ولكن ابنى أولى من الغريب.
هذا قليل من مسلسل فساد كل أب أو أم يرغبون في تحقيق الأفضل لأبنائهم، ولكن بالطرق غير الشرعية أو الملتوية، ويتوقعون بعد كل هذا الفساد أن يكبر الأبناء دون أن يكون هذا الفساد قد تأصل في نفوسهم وحياتهم لتنتهى حياة بعض الآباء والأمهات دون حضور مراسم توديعهم، والسبب كان بدايته هو فساد بابا وماما.
لمزيد من مقالات عادل صبري رابط دائم: