والله مصر دى ليها الجنة!
كل من هب ودب يتطاول عليها، ويتدخل فى شئونها، ويلقى عليها المحاضرات.
فى الأسبوع الماضي، كان موعدنا مع الست باتشيليه، مفوضة حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة، التى استهلت يوم عملها الأول فى المفوضية بتوجيه اللوم لمصر على أحكام الإعدام ضد إرهابيين.
واليوم تأتى التدخلات من جهتين، الأولى متوقعة، وهى الأمانة العامة للأمم المتحدة، والثانية غير متوقعة، وصادمة بالنسبة لكثيرين.
باتشيليه احتست أول كوب شاى بالحليب فى المفوضية، وأصدرت تقريرها المتسرع عن أحكام الإعدام، وردت عليها الخارجية فى حينه بما تستحق.
وقبل أيام، خرج علينا البرتغالى أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة بتقرير من عالم آخر يشجب فيه 38 دولة من بينها مصر لاتخاذها إجراءات وصفها التقرير بـالمخزية، بينها القتل والتعذيب والاعتقالات التعسفية، ضد أناس تعاونوا مع المنظمة الدولية فى مجال حقوق الإنسان.
وعلى الرغم من أن التقرير تحدث عن دول تشهد انتهاكات حقيقية لحقوق الإنسان، مثل إسرائيل وتركيا وميانمار، يرقى بعضها لأن يكون جرائم حرب، فإن إقحام اسم مصر كان مستفزا، باعتبار أن مصر هى الدولة الوحيدة من بين الدول الوارد ذكرها فى التقرير التى تخوض حربا علنية واضحة شرسة، وباعتراف وعلم الأمم المتحدة نفسها، ضد الإرهاب، بل إنها الدولة الأولى فى العالم التى طالبت من على منبر الأمم المتحدة نفسه بضرورة التطبيق الشامل لمفهوم حقوق الإنسان، كى لا يقتصر على حقوق المعتقلين، بل يمتد ليشمل حق الإنسان فى العيش بأمان، ودون تهديد أو ترهيب، وحقه فى السكن، والمأكل، والملبس، والرعاية الصحية.
وقبل أيام أيضا، فوجئت، وفوجئ كثيرون غيرى من المصريين، وبخاصة أولئك الذين يكنون كل الاحترام والتقدير والإعجاب بفرنسا، قيادة وحكومة وشعبا وتاريخا وحضارة وثقافة، ببيان مريب يصدر عن أنييس فاندر مول المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية يطالب صراحة بـتعليق أحكام الإعدام فى قضية رابعة نفسها، بدعوى أن فرنسا تعارض عقوبة الإعدام فى أى مكان وتحت أى ظرف، وتؤكد من جديد التزامها بضرورة الإلغاء العالمى لهذا العقاب غير العادل وغير الإنسانى وغير المجدي، بحسب تعبيرها، طب واحنا مالنا؟!
ربما يكون التفسير الوحيد لتقرير جوتيريش هو أنه يريد إنقاذ ماء وجه المفوضة باتشيليه بعد الدش البارد الذى تعرضت له من جانب القاهرة فى بيان الخارجية، وبخاصة ما تضمنه من اتهام صريح لها بعدم المهنية والموضوعية وتجاوزها صلاحيات منصبها بالتدخل فى الشئون القضائية والقانونية للدول الأخري.
ولكن الذى لا يوجد له تفسير هو أن تقرير الأخ جوتيريش لم يتضمن إشارة من قريب أو بعيد لدولة قطر الديمقراطية التى تنعم بالحريات والتعددية وتداول السلطة وتحترم حقوق الإنسان، الأمر الذى يثير كثيرا من الريبة حول نزاهته ومقاصده والجهة التى دفعت لإصداره بهذه الصورة.
أما بيان فاندر مول التى تقمصت شخصية خالتى فرنسا، فربما يكون قد صدر فقط كتأدية واجب من جانب فرنسا التى لا تطبق عقوبة الإعدام، خاصة أن المتحدثة لم تذكر شيئا عن ظروف وتفاصيل القضية موضع الذكر، ولكنه فى الوقت نفسه تعارض مع مبدأ مهم فى السياسة الخارجية الفرنسية يقضى بعدم التدخل فى الشئون الخاصة للدول الأخري، وهو ما عبر عنه ماكرون نفسه خلال زيارة الرئيس السيسى لباريس فى أكتوبر الماضى عندما رفض تلقين مصر دروسا فى حقوق الإنسان، وهو ما أغضب الدكاكين الحقوقية الفرنسية ودفعها لتوبيخ الحكومة الفرنسية على تعاونها المستمر مع الحكومة المصرية بدعوى القمع. والأهم من ذلك أن بيان المتحدثة الفرنسية لم يضع فى الاعتبار العلاقات القوية التى تربط بين القاهرة وباريس، التى تسمح بمناقشة أى قضايا من هذا النوع فى الغرف المغلقة، إذا لزم الأمر، وهى العلاقات التى تتجلى من خلال الزيارات المتكررة التى يقوم بها وزير الخارجية جان إيف لدوريان للقاهرة بين الحين والآخر لبحث تقوية العلاقات والتعاون فى مجالات اقتصادية وثقافية مختلفة، فضلا عن التنسيق فى قضايا دولية مهمة، أبرزها قضية الهجرة، وأمن المتوسط، وبالطبع قضية الإرهاب، الذى تتعرض فرنسا له يوميا، وإن كان هذا الإرهاب لا يمثل واحدا على المليون مما تعرضت له مصر وواجهته بمفردها.
.. يا عالم .. فضل مصر عليكم لا يعد ولا يحصي، بدءا من الحضارة والتاريخ، ومرورا بنداء السلام، ونهاية بالحرب على الإرهاب، فاشكروها، بدلا من هذه السخافات.
لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل رابط دائم: