على الرغم من أن قانون مكافحة جرائم الإنترنت الذى تم إقراره أخيرا فى مصر بناء على ضغوط شعبية حقيقية، وبهدف الحد من ظاهرة انتشار فوضى الشائعات والأخبار المفبركة وظاهرة «التنمر» الإلكتروني، وعلى الرغم من أن كل دول العالم لديها قوانين تتعامل مع جرائم الإنترنت، مثل التحرش والتشهير والتحريض على العنف ومثل معاداة السامية، فإن وسائل إعلام غربية لم تجد فى القانون الجديد الذى صادق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى سوى أنه وسيلة جديدة لقمع الحريات فى مصر.
ففى تقريرها الذى بثته بتاريخ 18 أغسطس 2018 تحت عنوان «الرئيس المصرى يصدق على قانون يفرض قيودا على الإنترنت»، ذكرت وكالة أسوشيتدبرس للأنباء أن التشريع الجديد «يمنح الدولة سيطرة شبه كاملة على وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية»، وهو التعليق الذى أصدرته منظمة العفو الدولية التابعة للأمم المتحدة على صدور هذا القانون الجديد، ونقلته الوكالة كما هو دون فحص أو تمحيص أو مراجعة.
وخلال التقرير، أصرت الوكالة الأمريكية على عرض وجهة نظر واحدة فقط فى الموضوع، فنقلت عن منظمات حقوقية قولها إن القانون من شأنه «تمهيد الطريق أمام فرض رقابة على وسائل الإعلام الإلكترونية».
وأضافت الوكالة أن القانون الذى تم نشره فى الجريدة الرسمية يمكن السلطات من حجب المواقع الإلكترونية التى تنشر محتوى يتم النظر إليه على أنه يشكل تهديدا للأمن القومي، وأشارت أيضا إلى أنه سيتم الحكم بالسجن لمدة عام على المتابعين الذين يحاولون الوصول إلى المواقع التى تم حجبها أو تغريمهم مائة ألف جنيه.
واختتمت الوكالة تقريرها بالإشارة إلى أن منظمة العفو الدولية سبق أن حذرت من صدور هذا القانون منذ يوليو الماضي، زاعمة أن التشريع يمنح الدولة سيطرة شبه كاملة على وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية والتى يتم بثها، وكأن العفو الدولية هى الجهة التى يجب الرجوع إليها قبل تشريع أى قوانين فى مصر! وبتاريخ 23 أغسطس 2018، بثت فضائية «بي.بي.سي.» العربية حلقة من برنامجها «بتوقيت مصر» ناقشت فيه قانون مكافحة جرائم الإنترنت من جانب واحد تقريبا، زاعمة أن القانون سيؤثر على حرية التعبير عبر الشبكة، واستضاف البرنامج مدونا تقنيا يدعى محمد عادل انتقد وجود مصطلحات مطاطة فى القانون ــ بحسب وصفه ــ مشيرا إلى أنه لم يوضح من الذى سيحلل البيانات الشخصية التى تبث عبر الشبكة، حيث لا توجد جهات مختصة بذلك فى مصر.
وكنا نتمنى أن يتضمن البرنامج أى عرض لوجهة النظر الأخري، وهى وجهة نظر الغالبية العظمى من المصريين، لا وجهة النظر الرسمية فقط، والتى تبدى منذ سنوات تذمرا من انتشار الأخبار المغلوطة والمحتوى المفبرك والمواد التى تمس الأمن القومى والأديان والعقيدة والأخلاق العامة عبر الشبكة، دون أن تجد قانونا يضع حدا لهذه المهزلة التى يسمونها حرية تعبير، وهى فى واقع الأمر «حجة» سخيفة حولت الشبكة إلى منصة للإرهاب وتجنيد المتطرفين وبث الفتنة والشائعات. وكانت «بى بى سي» قد بثت أيضا بتاريخ 19 أغسطس خبرا بعنوان «قانون الإنترنت فى مصر .. محاربة الجريمة أم تضييق على حرية التعبير»، عرض القضية أيضا من وجهة نظر واحدة، زاعما أن السلطات فى مصر حظرت ما يقرب من 500 موقع إلكترونى منذ مايو الماضي، دون أن يجرؤ كاتب الخبر على نشر أى جزء من محتوى هذه المواقع التى تم حظرها، لنرى ما إذا كانت تستحق الحظر حقا أم لا، علما بأن معظمها مواقع تمجد الإرهاب، وهى نفس التهمة التى تتسبب فى غلق مواقع كاملة أيضا فى دول غربية كبرى ترفع شعار حرية التعبير!
وأدلت «سى إن إن» الأمريكية كذلك بدلوها حول هذا القانون من خلال تقرير بثته بتاريخ 19 أغسطس عن تصديق الرئيس السيسى على القانون الجديد، تضمن تصريحات نجية بونعيم المسئولة بـ«العفو الدولية» تزعم فيها أنها تتلقى شكاوى بشأن حجب مواقع ومواد منشورة على الفيسبوك، بما فيها مواد فنية وتدوينات شخصية، لا تعرف «نجية» بالطبع أن معظمها مواد إرهاب وتطرف وإباحية وشتائم.
إلا أن التقرير ـ وللحق أيضا ـ حرص على عرض مبررات الدولة والمجتمع فى مصر لصدور هذا القانون، بجانب نظرية «نجية»، مثل محاربة أفكار التطرف والإرهاب، والحد من نشر معلومات عن التحركات الأمنية والعسكرية، وغير ذلك من المبررات التى دفعت دول العالم كلها إلى سن قوانين مماثلة، بل أكثر شدة، للحد من جرائم المعلومات.
رابط دائم: