يعتبر ملف السلفية الجهادية فى المغرب أحد الملفات الشائكة التى اثارت الكثير من الجدل؛ خاصة مع الحديث عن انتهاكات شابت متابعات العديد من أفراد هذا التيار منذ سنة 2001، بعد احداث 11 سبتمبر، والاختلالات التى طالت محاكماتهم فى ظرفية دولية وإقليمية اتسمت بالحرب على الإرهاب, وتطرح العديد من التساؤلات ذات أبعاد امنية وفقهية واجتماعية، خاصة بعد توالى قرارات العفو التى صدرت فى حق عدد من رموز السلفية واعضائها، على مدى السنوات الست الاخيرة.
فقد صدر، قبل أيام، وبمناسبة عيد الاضحي، عفو ملكى عن 22 سلفيا، بينما تم العفو عن 13 منهم فى عام 2017، و37 فى عام 2016. وقد تم العفو عن عدد من رموز السلفية الجهادية فى عام 2012 (الشيخ حسن الكتانى والشيخ محمد رفيقي، (الملقب بأبى حفص) والشيخ عمر الحدوشي. وفى مارس 2014، ظهر الملك محمد السادس مأموما، فى صلاة الجمعة، بالشيخ محمد الفيزازي، أحد رموز السلفية الجهادية الذى حكم عليه بالسجن 30 عاما، وصدر عنه عفو ملكى فى العام 2011.
وقد ارتبط ظهور حركة السلفية الجهادية بالمغرب، باندلاع الحرب السوفيتية فى افغانستان، بعدما التحق عدد من المغاربة؛ على غرار مجاهدين من جل الدول العربية؛ بصفوف المقاتلين فى افغانستان حيث تشبعوا بالفكر الجهادي.
ومع ظهور تنظيم القاعدة وإعلان عدائها لأمريكا والغرب، تفاعل عدد من رموز السلفية الجهادية بالمغرب مع خطابات التنظيم، وتبنوا التوجهات ذاتها التى كان يتبناها زعيمه اسامة بن لادن، ومنها الخطاب التكفيري، الخروج على الحاكم، والسعى إلى إقامة الدولة الإسلامية.
وفى اطار الدعوة إلى خوض الصراع ضد أمريكا وحلفائها، حاول بعض المنتمين فكريا للتنظيم، شن هجمات بالمغرب، من خلال ما يعرف بمجموعة يوسف فكرى (31 عنصرا)، التى تم تفكيكها فى مارس 2002.
وبعدها بسنة واحدة، وتحديدا فى 16 مايو 2003، قام مجموعة من الشباب بهجمات انتحارية بالدار البيضاء، والتى راح ضحيتها 45 قتيلا وعشرات الجرحي، بينما تم اعتقال المئات من السلفيين الذين حملتهم الدولة مسئولية هذه الهجمات.
على غرار هذه الاحداث، حوكم العديد من معتنقى السلفية الجهادية بمدد سجنية مختلفة، تراوحت بين السنة الواحدة والمؤبد. وفى الوقت الذى تعددت فيه المبادرات الحقوقية والمدنية لحل ملف هؤلاء المعتقلين، الذين أكد الكثيرون منهم أنهم أبرياء من تهمة الإرهاب، سلكت الدولة المغربية، فى السنوات الاخيرة، سياسة الإفراج عن بعضهم، كنوع من المصالحة مع التيار السلفى فى المغرب، حيث استفاد عدد من المعتقلين من العفو من إتمام المدة أو تخفيضها، ويختار العاهل المغربى فى كل مناسبة دينية كانت او وطنية العفو عن افراد منهم، خاصة، ممن أعلنوا تشبثهم بثوابت الأمة، ومراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، ونبذهم للتطرف والإرهاب.
وللتأكد من سلامة المنهج العقدى للمعتقلين وانخراطهم فى المجتمع واحترام مؤسساته الرسمية والدينية، شارك مسبقا، كل المستفيدين من العفو الملكي، فى برنامج مصالحة، الذى تم إقراره داخل المؤسسات السجنية. ويقوم هذا البرنامج على ثلاثة محاور رئيسية، وهي: المصالحة مع الذات، والمصالحة مع النص الديني، والمصالحة مع المجتمع. ويستند البرنامج على التأهيل الدينى وما يتصل به على مستوى فهم واستيعاب النص الدينى بالشكل الصحيح المكرس لقيم التسامح والاعتدال التى تقوم عليها استراتيجية المملكة لمواجهة التطرف، فضلا عن البعد الحقوقى والقانوني.
يسعى المغرب من خلال سلسلة قرارات العفو إلى استكمال فصل آخر من فصول المصالحة مع تيار السلفية، وإنهاء الصراع القائم بين الدولة وبين هذه الحركة الدينية.
وبالعفو الأخير تكون الدولة قد التزمت بما اتفقت عليه مع السلفيين، مقابل قبولهم مراجعة أفكارهم وأيديولوجياتهم المتناقضة مع قناعات أغلبية المجتمع. لكن مشروع المصالحة، بمعناها العام، لا يزال يطرح مجموعة من التحديات، أهمها التأكد من حقيقة المراجعات الفكرية التى أعلنها المعتقلون السلفيون، والتأكد مما اذا كانت مراجعات حقيقية تستهدف تجاوز الماضى والاستفادة من اخطائه وغلوه، أو مجرد رغبة فى الخروج من اسوار السجن.
ثانيا، ضرورة التفكير فى آليات عملية لإعادة ادماجهم فى الحياة العامة، وما يتطلبه ذلك من تغيير نظرة المجتمع لهم باعتبارهم متهمين أساسا فى قضايا الارهاب، وادماجهم فى الحياة السياسية لتفادى عودتهم إلى أنشطتهم الراديكالية، مع ضرورة اعادة ادماجهم اجتماعيا لمنعهم من الوقوع فى شر الفراغ، وسد الباب امام محاولات اعادة استقطابهم من قبل التنظيمات المتطرفة، كما حدث بعد 2013 بعدما التحق العشرات من المفرج عنهم بجبهات الصراع فى سوريا وانضموا إلى مختلف التنظيمات المتطرفة، مما تسبب فى حالة جديدة من «التوتر» بين الدولة والتيار السلفى اتضحت معالمه بشكل بارز داخل السجون، حيث تحدثت اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين عن عشرات الانتهاكات داخل بعض السجون ما بين 2013 و 2015، هذا فى الوقت الذى لا تزال بعض التقارير الأمنية تحذر من وجود علاقات بين بعض الفارين من سوريا وسلفيين مغاربة.
لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى رابط دائم: