جاء الاعلان عن تشكيل قيادة عسكرية للفضاء الخارجى كفرع سادس للجيش الامريكي فى السابع من أغسطس الحالى، ليطرح قضية أمن الفضاء الخارجي، وطبيعة الصراع الدولى على مقدراته، وتأثير ذلك على الامن العالمى وما يشهده المجتمع الدولى الراهن من ثورة علمية وتكنولوجية غير مسبوقة تدفع بالمزيد نحو العسكرة فى ظل تحول الفضاء لساحة للبحث عن المكانة والقوة والنفوذ والتعدد فى الفاعلين والتصاعد فى التأثير.
وكان السباق نحو الفضاء اثناء الحرب الباردة قد بلغ ذروته بعد إطلاق الولايات المتحدة برنامج حرب النجوم الذى كان له دور فى استنزاف الاتحاد السوفيتى السابق وانهياره. ومنذ ذلك أصبح الفضاء مجالا للتنافس الدولى من اجل الاستحواذ على القوة الفضائية. وتسابقت العديد من الدول فى تبنى مشروعات وطنية للفضاء الخارجى او بالتعاون مع القوى الكبرى الحليفة وحظى الاستخدام العسكرى للأقمار الصناعية باهتمام كبير بالنظر إلى دورها فى حماية الامن القومى وفى اتخاذ قرار الحرب وفى وضع التكتيكات القتالية والتجسس وتأمين نظام الملاحة الجوية،والإنذار المبكر حول التهديدات العسكرية المختلفة. وأصبح للأقمار الصناعية أهمية قصوى فى الاستخدام السلمى فى مجال التنمية التكنولوجية، ودعم النمو الاقتصادي، وفى مجال الاتصالات وبخاصة الانترنت، والبث الإذاعى والتليفزيوني، والاستشعار عن بعد، والأرصاد الجوية،والملاحة عبر نظام تحديد المواقع العالمية. واحتمال تعرض أى قوة فضائية للهجوم فى الفضاء الخارجى أو تصبح هدفا لهً فى حالة النزاع المسلح، يكون لذلك تأثيرات ليس فقط على القدرات الفضائية لطرفى الصراع بل باصابة دول اخرى ليست ذات علاقة، وايضا كافة الأنظمة المرتبطة بها من الاستخدامات السلمية، مما سيكون له تأثيرات ذات طبيعة سياسية واقتصادية وأمنية على المجتمع الدولى قاطبة. ولإدراك خطورة ذلك كانت هناك جهود مبكرة لاتخاذ اجراءات وتدابير وقائية، وكان من اهمها القانون الدولى للفضاء الخارجى والأجرام السماوية عام 1967 لتنظيم الاستخدام السلمى والرحلات الفضائية ومرور المركبات الفضائية فوق أجواء الدول ومياهها الإقليمية، ونصت اتفاقية 1967 فى المادة (1) على أنه لكافة الدول حرية استكشاف واستخدام الفضاء الخارجى بما فى ذلك القمر والأجرام السماوية دون تمييز وعلى قدم المساواة وفقا للقانون الدولي. ونصت المادة (2) على أنه لا يجوز التملك القومى للفضاء الخارجى بما فى ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى بادعاء السيادة أو عن طريق الاستخدام أو وضع اليد أو الاحتلال أو بأى وسيلة أخري. ورغم ذلك لم تشر اتفاقية 1967 إلى دور البعد الأمنى فى التنظيم القانونى للفضاء الخارجي، ولم يرجع ذلك لعدم أهميته وإنما لارتباطه بالتجسس عبر الفضاء، ولذا أى نشاط سيتم فى الفضاء الخارجى تشعر الدولة المضارة انه يخل بأمنها إلى الدرجة التى تعده نشاطا غير مقبول فالمرجح أنها ستعارضه، وان مبدأ قبول الدول لحرية الفضاء الخارجى وتنازلها عن مبدأ السيادة لم يصاحبه تنازل مماثل عن حقوقها الثابتة فيما يتعلق بالحفاظ على أمنها.
وتتربع الولايات المتحدة على عرش القوة الفضائية بامتلاكها ما يزيد على 50% من الاقمار الصناعية، وهو ما دفع القوى الكبرى الأخرى الصاعدة فى النظام الدولى الى الاهتمام بزيادة قوتها الفضائية وكسر الهيمنة الامريكية على الفضاء، خاصة مع معاناة الولايات المتحدة من نقطة ضعف استراتيجية تتمثل فى عدم امتلاكها منصات لحماية أقمارها فى الفضاء من اى اعتداء او هجوم، وتأكيدها بالرد بقوة ضد إى محاولات لإعاقة أنشطتها الفضائية من قبل دول منافسة، ويأتى هذا مع رفضها بدء مباحثات حول التسلح فى الفضاء تحت رعاية الأمم المتحدة. وتزداد خطورة التصعيد العسكرى فى الفضاء مع التطور فى مجال ابحاث تطوير ونشر واستخدام الاسلحة الفضائية، وعدم وجود اتفاق دولى يمنع ذلك صراحة والاختبارات العسكرية للقدرات الصاروخية فى الفضاء مثل تجربة الصين عام 2007 لتوجيه ضربة صاروخية لاسقاط قمر صناعى خاص بها. وزيادة عدد الدول المالكة للأقمار الصناعية وأثر علاقتها العدائية أو التحالفية فى طبيعة نمط الاستخدام الفعلى لتلك الأقمار وذلك مع صعوبة الفصل بين الطابع السلمى والعسكري. ويكشف ذلك عن اتجاه غير مسبوق فى العسكرة وتحول الهدف من السيطرة على القمر أو استكشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية الى مجال لممارسة الهيمنة والسيطرة من جانب الدول الكبرى او بتحول الفضاء الى منصة للصراع والتنافس الدولى بدلا من ان يكون مجالا للتعاون والتكامل لخدمة الانسانية.
وهو ما يفرض ضرورة البحث عن حلول وبدائل لمنع عسكرة الفضاء، والتوصل الى معاهدات لمنع مضادات الأقمار الصناعية، والأسلحة المنشورة فى الفضاء، وضمها الى اتفاقيات الحد من التسلح, وتفعيل اتفاقية عام 1967، ودور منظمة الامم المتحدة والمجتمع المدنى العالمى والرأى العام والاعلام لفرض قيود على مثل ذلك التطور المدمر لأمن واستقرار المجتمع الدولى.
لمزيد من مقالات ◀ د. عادل عبد الصادق رابط دائم: