ولو أنك يا أمة الله إذا غبت عن حضور الصراع اليوم، غبت وحدك لكان الأمر هينا فلنا فى الرجل عوض!، ولكنك اليوم إذا غبت عن حضور الصراع أو الإعداد له فإن الأمة كلها تغيب معك، فمن يربى الشباب لتلك المعركة؟، ومن يقف وراء الرجال لخوض تلك المعركة؟، ومن يعد أمهات الجيل القادم ليكملن الطريق بعدك؟، إن أجوبة هذه الأسئلة ومعها عشرات الأسئلة الملحة مثلها، تبين أمرا واحدا وهو أن المرأة عنصر مهم فى الصراع اليوم يجب حضورها وبكل إمكاناتها وعواطفها، وحضورها يعد ركيزة من ركائز النصر ومواصلة الطريق.
كانت هذه رسالة يوسف العييري، مؤسس الفرع السعودى لتنظيم القاعدة، فى كتابه دور النساء فى جهاد الأعداء، حيث حث المرأة على المشاركة فى العمل الجهادي، مسجلا بذلك التحول الذى حصل فى الفكر السلفى الجهادى تجاه قضية المرأة، بشكل عام، والجهاد النسائي، بشكل خاص.
فقد بدأ الاهتمام بتجنيد النساء، وكان تنظيم القاعدة أول من بادر بذلك، دون أن يحقق نجاحا بالشكل المطلوب، فحجم مشاركة المرأة لم يصل للمستوى الذى خطط له رموز التنظيم منذ مطلع الألفية الثالثة، عندما صدرت عدة فتاوى وبيانات تحث على إشراك المرأة فى جميع أنواع العمليات، سواء كانت فكرية أو ميدانية.
لكن عندما ظهر تنظيم داعش، تغيرت الأمور تماما، وتحولت المرأة من زوجة المجاهد الى الجهادية.
فقد عرف التطرف النسائى ازديادا، فى الفترة الأخيرة، من خلال انخراط المرأة بعمل المنظمات الإرهابية، ليس فقط فى إطار الإيثار الإنسانى (تقديم الرعاية والمساعدات الطبية للمقاتلين) أو الخدمات اللوجستية، سواء من خلال جهاد النكاح، او تبعية الرجل وخدمته، بل أصبحت التنظيمات الارهابية تستخدمها لما هو أكبر، من خلال المنازلة الميدانية والدور القتالى بل والانخراط فى الصفوف الأمامية.
وتؤكد بعض الإحصائيات ارتفاع وتيرة تجنيد النساء داخل تنظيم الدولة الاسلامية لسد النقص فى عدد مقاتليه، خاصة بعد الهزائم المتتالية التى مني، سواء بمقتل عناصره أو فرارهم.
وهناك تقارير تشير إلى أن ثلث أفراد التنظيم تقريبا الآن هم من النساء. ففى المغرب، مثلا، أرقام رسمية تؤكد أن عدد النساء اللائى ينشطن فى مختلف التنظيمات الارهابية بلغ 284 امرأة و333 طفلا.
وفى بلاغ للداخلية المغربية، تمكنت السلطات الامنية المغربية قبل سنة، من القبض على خلية تتضمن 10 نساء مواليات لتنظيم الدولة الاسلامية، كن يعملن على تجنيد نساء بهدف تعزيز صفوف هذا التنظيم بالساحة السورية العراقية، تماشيا مع استراتيجية هذا التنظيم التى تهدف إلى توسيع دائرة الاستقطاب داخل مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية، لتعزيز دولة خلافته المزعومة.
ووفق تقديرات رسمية تونسية، فإن أكثر من 700 سيدة تونسية انضمت إلى ذات التنظيم، حيث التحقن بكتائب مثل الخنساء، وهى كتيبة شرطية أنشأها التنظيم فى مدينتى الرقة السورية والموصل العراقية، بينما تشير تقارير الى أن هناك ما يزيد على 300 امرأة تونسية فى صفوف تنظيم الدولة فى ليبيا.
ويعتبر استخدام المرأة من طرف التنظيم ميزة استراتيجية تتجاوز أهميتها مشاركة الرجال أنفسهم، فالمرأة،
أولا، كانت تستطيع التهرب من إجراءات التفتيش والأمن.
وثانيا، هى عامل جذب اعلامى عالمي، فمجرد اكتشاف ان المرأة مسئولة عن عملية ارهابية او مشاركة فيها، سيكون ذلك محط اهتمام وتضخيم اعلامي، كما حدث مع حسناء آيت بولحسن، قريبة العقل المدبر لهجمات باريس 2015، والتى لقيت مصرعها فى احداث سان دونى بفرنسا، حيث وصفها الاعلام بأنها اول جهادية فى اوروبا.
إن المرأة مؤثرة فى التطرف ومتأثرة به؛ فلها وحدها القدرة على إنشاء أجيال منخرطة فى التطرف والعنف، ولها القدرة أيضا على مواجهته. فالمرأة عندما تتطرف تكون أخطر بكثير من الرجل؛ لأنها الأم والحاضنة والمربية، وهى الحاضنة الذى يتشرب الفرد من تربيتها إما الطبع المعتدل أو الطبع العنيف، واذا ما تم تدجينها بالأفكار المتطرفة فستنقلها مباشرة إلى ابنائها ومحيطها ومجتمعها؛ فتسقيهم التطرف وتربيهم على الفكر التكفيرى والجهادي.
والعكس، عندما تكون المرأة محصنة ضد كل فكر متطرف، فهى تربى ابناءها على الاعتدال والحوار والنقد، وتعلمهم كيفية حل مشكلاتهم وخلافاتهم مع الآخر بالنقاش والإقناع، مما يجعلها صمام أمان لأبنائها ولمستقبل مجتمعها.
ولكى تتمكن المرأة من لعب هذا الدور الاستباقى فى المواجهة، هناك مجموعة من الإجراءات يجب اتخاذها، ومنها تمكين الخبراء والباحثين الى جانب منظمات المجتمع المدنى والجمعيات النسائية من مواجهة التطرف والإرهاب.
فهذه المنظمات تمثل الرأى العام الشعبي، وهى لسان حال المجتمع، وإذا ما صب اختصاصها على تنوير النساء بمخاطر التطرف، وسبل الوقاية منه، وكيفية كشفه وطرق التعامل معه، إذا ما ظهرت علاماته على أفراد الأسرة، فستكون تلك أداة فاعلة للحد من ظاهرة التطرف العنيف والحيلولة دون سقوط أبنائنا فى شباكه السامة.
لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى رابط دائم: