رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نموذج مُشرف

انتصف النهار، وتجاوزت الساعة الثانية عشرة بقليل، وكانت حرارة الجو شديدة، حيث تشير إلى تجاوزها الأربعين درجة، وكنت أسير فى طريقى صوب أحد الأماكن لقضاء أمر.

وفاجأتنى مجموعة من الشباب، تقف فى الشارع، تردم حفرة حتى لا تؤذى مرتاديه، كانوا ثلاثة من الفتيان ومعهم فتاتان، وضعوا بعض العلامات التحذيرية حتى يكملوا مهمتهم التى قرروا إنهاءها بهدوء.

استوقفنى المشهد، وأخذت أتأمله، حتى انتهوا من ترميم الحفرة بمكونات اشتروها من مالهم الخاص، وهذا ما علمته حينما اقتربت منهم، مستفسرا عن عملهم. فعلمت أنهم قرروا أن يكون لهم دور فاعل فى تنمية البيئة المحيطة، بعد أن ملوا السلبيات، آثروا أن يبدأوا بأنفسهم، قناعة منهم أنهم جزء من الواقع الذى يعيشون به.

وهم جزء من مجموعة أكبر، قسموا أنفسهم لمجموعات صغيرة، كل واحدة تختار تنفيذ مهمة، من خلالها تكون أسهمت بشكل عملى فى ردم حفرة من حفر الشوارع.

فقلت لهم وما العائد الذى تنتظرونه؟ فقالوا إننا فى وقت فراغنا قررنا أن نكون نافعين، فردم هذه الحفرة وغيرها من شأنه أن يقى الناس مخاطرها، هذا من جانب، أما الآخر، فعند ردمها شعرنا بأن لنا قيمة مفيدة، ولا ننتظر تقديراً من أحد، ويكفينا تقديرنا لأنفسنا. جملة يتكرر صداها فى أذنى مرارا وتكرارا، يكفينا تقديرنا لأنفسنا، كم واحد يستطيع تقدير نفسه، وقانع بما يعمله، وراض بطريقة أدائه؟!

قراءة مشاهد السلبية فى بلدنا، تنذر بعواقب كبيرة، مشاهد تتكرر كل يوم، حتى أصبح رؤياها أمراً معتاداً، بدءا من نزولك من منزلك وقضاء يومك حتى العودة إليه.

تعاملنا مع الشارع تغير، كما تغيرت نظرتنا له، وجود حفر، ومطبات عجيبة، الغالبية منها تفتقد معايير السلامة، وجزء منها وضعه الأهالي، ظناً منهم أنها تؤمن مرورهم، ولم تحرك المحليات ساكنا، وأضحت قيادة السيارات تحكمها الرعونة والاستهتار واللامبالاة، واختفت قواعد المرور التى تربينا عليها، فالالتزام بها يعنى التقيد بمبادئ بالية.

حتى استعمال إشارات السيارات قبل التوجه يمينا أو يسارا بات موضة قديمة، ليتحول الشارع إلى ما يشبه السيرك، حابل يختلط بالنابل، دون أدنى مسئولية تُذكر، وتوك توك تجرأ وبدأ يسير فى شوارع رئيسية بأريحية، ورعونة مطلقة، تعامل أجهزة الدولة معه يختلف من بقعة لأخري، ففى إحدى المحافظات، تجد حزما مفاجئا لحصاره، سرعان ما يخفت دون معرفة الأسباب، أما المفاجأة الأكبر، فهى طريقة تعامل الدولة معه، السماح باستيراده وإنتاجه، ومنع ترخيصه! ليرتع التوك توك فى شوارع مصر قاطبة دون رقيب أو حسيب، ليكون وضعه الأكثر غرابة فى تاريخ مصر!

وحينما تسأل متى يتم التعامل مع هذا الوضع المستفز، تتوه الإجابة، رغم أننا نطالب الناس بالالتزام، واحترام قواعد المرور، وتجنب مخالفتها، حتى لا نقع تحت طائلة القانون، وفى المقابل نسمح بوجود ملايين مركبات «التوك توك» تسير فى الطرق غير مُرخصة، تخالف كل قواعد المرور، تسبب كل درجات الإزعاج، والتوتر والقلق، وأحيانا التعدى على ممتلكات الغير، فهى أحد أسباب السرقة والنشل، وأحيانا الخطف، كل ذلك يحدث، ولم نتحرك نحو تصويب هذا الوضع الغريب قيد أنملة!

درجات السلبية وأشكالها متفاوتة، تظهر بوضح جلى فى طريقة التعامل مع منظومة القمامة، فوضعها فى غير مكانها المخصص، يرجع لسببين، أولهما، يرتبط بثقافة البعض، الذى يقبل بوجود هذا المشهد القميء، فأكوام القمامة، لا يُعتبر مصدرا للقلق بالنسبة له، والثاني، عدم انتظام رفعها من مكانها، بما يجعلها تتراكم، أى أن المسئولية مشتركة فى الواقع بين المواطنين و الحكومة.

فإذا أردنا توعية الناس بضرورة التعامل مع القمامة بشكل سليم، علينا أولاً تفعيل منظومة جمعها بشكل دقيق، فلا يُعقل مطالبة الناس بالالتزام، دون رؤية المنظومة منضبطة.

مثال آخر يبين أن اللامبالاة أمست سمة للمسئولين أيضاً، طريقة تعامل الأحياء مع المقاهي، معظمها تخالف اشتراطات البيئة بشكل واضح، تعمل دون ترخيص، تسبب الإزعاج، مقارها، تمثل نقاط مرورية خانقة، جزء بسبب السيارات المكدسة أمامها، وجزء آخر بسبب اقتطاع جزء للطريق لمصلحة المقهي، وحينما يئن الناس ويضجون بالشكوي، تنزل الحملات، التى غالبا ما يعلم بها المخالفون قبل تحركها، لتغلق أحدها، وسرعان ما يعاود المخالف كرته سريعا فور انصرافهم، ليلازم الأنين الناس، يقلق مضاجعهم، وهم لا يملكون من أمرهم شيئاً. لتكسو كل مظاهر الدهشة وجوههم، لماذا السماح بوجود مقاه بلا ترخيص تربح و تستعمل الكهرباء و المياه دون وجه حق، وفى المقابل هناك ملايين من الناس، يتم تحصيل الضرائب المستحقة عليهم قبل صرف رواتبهم!

بل الأمر يمتد لتحريم التهرب من دفع الضرائب لأهميتها، فهى الرافد الرئيسى للموازنة العامة للدولة، ومن خلالها ننفق على التعليم و الصحة .. إلخ.

أى منطق هذا، الذى يطالب الناس باحترام القوانين، وسداد مستحقات الدولة، وهم يشاهدون ملايين آخرين من أصحاب التوك توك والمقاهي، يعملون دون ترخيص، ويربحون ولا يدفعون الضرائب المستحقة عليهم!

إن النموذج المُشرف الجميل الذى أشرت إليه فى بداية المقال، يحتاج إلى استثماره وتعميمه وتثمينه والاقتداء به، على كل الأصعدة، فهو يؤكد أن هناك من يرغب بالفعل فى بذل جهد لمشاهدة بلده ينمو، فهل من مقتد؟

[email protected]
لمزيد من مقالات ◀ عـماد رحـيم

رابط دائم: 
كلمات البحث: