رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«الحريات الدينية فى العالم».. بين التنظير والواقع

قبل اسبوعين عقدت الخارجية الامريكية فى واشنطن مؤتمرا وزاريا، هو الأول من نوعه، حول الحريات الدينية فى العالم، بمشاركة ممثلين لنحو ثمانين دولة، بالاضافة الى رجال دين ومنظمات المجتمع المدني، اجتمعوا فى اليومين السابقين على المؤتمر الوزاري. وقد ناقش هذا المؤتمر، على مدى أيام انعقاده الثلاثة، قضايا من قبيل: «التحديات التى تواجه الحريات الدينية، وتطوير إجابات مبتكرة للاضطهاد على أساس الدين، وبلورة التزامات جديدة لحماية الحريات الدينية للجميع». أما الهدف من المؤتمر فهو، كما أوضح وزير الخارجية الامريكي، مايك بومبيو، نشر أهمية الحريات الدينية التى ينبغى أن يتمتع بها كل فرد فى العالم، وأن أتباع جميع الديانات ينبغى أن يتمتعوا بالحق فى ممارسة شعائرهم الدينية كما يرون ذلك ملائما. وقد اوضح نائب الرئيس الامريكى بنس ووزير خارجيته بومبيو فى كلماتهما الافتتاحية ان نحو 83% من سكان العالم يعيشون فى دول تعانى انتهاكات للحريات الدينية سواء من قبل حكومات او اطراف غير حكومية او ضغوط مجتمعية. واكد المسئولان الامريكيان ان الولايات المتحدة بصدد قيادة حملة دولية لحماية الحريات الدينية حول العالم، وأعلنا إطلاق عدد من المبادرات وآليات التمويل لهذا الغرض، داعيين باقى الدول للانضمام لهذه الحملة وعقد مؤتمرات مماثلة فى مناطق العالم المختلفة بل وداخل الدول ذاتها. وقد سمى المسئولان عددا من الدول التى اتهماها بممارسة اكبر الانتهاكات فى مجال الحريات الدينية، وهى بالاساس روسيا والصين وميانمار وايران، كما هددا تركيا بعقوبات قاسية ان لم تفرج عن قس امريكى يحاكم لديها ظلما، على حد قولهما، بتهمة التجسس، بينما هو بريء. اللافت ان الكلمات التى ألقيت فى المؤتمر من قبل ممثلى الحكومات تطرقت الى معاداة السامية وحماية مسيحيى الشرق الاوسط فى مواجهة ارهاب «داعش»، بينما تجاهلت التشريع الاسرائيلى حول يهودية الدولة، الصادر قبل ايام معدودة من المؤتمر، والذى يمثل نموذجا صارخا للتمييز على اساس الدين والعنصرية البغيضة. كذلك تجاهلوا ما يتعرض له المسلمون فى الغرب من ظاهرة الاسلاموفوبيا ومن خطاب الكراهية والتمييز والقيود على السفر وعلى ممارسة الشعائر، بل وعلى الزى وبناء دور العبادة. ان هذه الانتهاكات التى تناساها او تجاهلها ممثلو الحكومات الغربية انما تولد لدى الرأى العام العربى والاسلامي، لاسيما الشباب، شعورا بالنقمة على أنظمة غربية تمارس الديمقراطيّة الانتقائية، مما يدفعهم إلى الانغلاق، وسلك طريق التطرف بحثا عن حاضنة اجتماعية بديلة.

إن قضية الحريات الدينية مرشحة للتصاعد ضمن اولويات الاجندة الدولية فى المرحلة المقبلة، وهى لا شك تمثل حقا إنسانيا اصيلا ينبغى الحفاظ عليه وكفالة احترامه، الا انه من الاهمية بما كان ان يكون ذلك من خلال مدخل دولى شامل، يبتعد عن الانتقائية ويتناول كل مظاهر الخلل الموجودة حول العالم. فعلى الرغم مما شهده القرن العشرون من تقدم فيما يخص الاعتراف بحرية الدين او المعتقد، حيث تم النص عليه فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى اعتمد عام 1948، والعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذى اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1966، ثم اعلان الجمعية العامة عام 1981 بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، فإن هذه الحرية لا تزال بعيدة المنال فى كثير من انحاء العالم. وفى عالمنا العربي، وعلى الرغم، فى الغالب، من عدم وجود نصوص دستورية او تشريعية تقيد حرية الدين او المعتقد، بل وجود نماذج مضيئة للتعايش بين الاديان وتأكيد حقوق المواطنة المتساوية فى دول اذكر منها كلا من مصر، التى طالما كانت بوتقة تعايش بين الاسلام والمسيحية واليهودية، والمغرب، حيث تشكل امارة المؤمنين (وليس المسلمين) الضامنه لحرية الممارسات الدينية ولحماية أمن وسلامة الأفراد المعتنقين لديانات أخرى غير الاسلام الذى يعتنقه مجمل المغاربة؛ فإن ما أنتجه العديد من الأدبيات الدينية والفقهية حول حقوق غير المسلمين، وحول أحكام الردة، وعدم الاعتراف بالديانات غير السماوية التى تشكل اغلبية سكان المعمورة، شكل تقييدا لهذه الحريات. ولم يقتصر الامر فى الدول الإسلامية على التقييد على اصحاب الديانات الاخري، بل تعداه ليشمل الطوائف المختلفة داخل الديانة الواحدة، من قبيل الخلاف بين السنة والشيعة، مما أوجد صراعات طائفية وأعمال عنف جسيمة ترتكب ظلما باسم الدين. يأتى كل ذلك بينما ما اكثر الامثلة التى تضمنها تاريخ الاسلام والتى تحض على احترام حرية العبادة وتعترف بالاختلاف والتنوع. وفى النهاية، لابد من التذكير بأن من يشكلون اغلبية دينية فى بلدانهم هم اقلية فى دول اخري، والعكس صحيح. وبالتالى لا بديل عن احترام الحريات الدينية فى كل مكان. ولسنا، فى هذا الخصوص، بحاجة الى ان يذكرنا الغرب بذلك، بل ينبغى ان نكون نحن القادرين على تذكيره بما يدعيه من ملكية حصرية لقيم انسانية نبيلة لا يمارسها.ا


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: