رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«المقاطعة» قوة المواطن الخفية

أكملت حملة المقاطعة، فى المغرب، شهرها الثالث، وسط إصرار شعبى على المضى قدما فيها حتى تحقق أهدافها الرئيسية المتمثلة أساسا فى خفض الأسعار والالتفاتة لجيوب المواطنين البسطاء الذين لم تعد لهم طاقة على مواكبة الزيادات المستمرة فى الأسعار دون حسيب ولا رقيب.

فى 20 أبريل الماضي، انتشرت على صفحات فيسبوك دعوة، بدون قيادة واضحة، لمقاطعة ثلاث شركات رائدة فى قطاعات نشاطها وتسويق منتجاتها الاستهلاكية وهي: المياه (سيدى علي) والحليب (سنطرال) والمحروقات (إفريقيا). وبعدما قوبلت هذه الحملة، فى بدايتها، باستخفاف من طرف الحكومة والشركات المعنية، وتعرضت لحملات تشويه وتخوين من طرف بعض السياسيين والاعلاميين، إلا أن نجاحها فى جلب تأييد شعبى واسع، بل ومنقطع النظير، دفع الحكومة إلى مراجعة مواقفها، وذهب بإحدى الشركات، التى تكبدت، مع الوقت، خسائر كبيرة، الى الاعتراف بقوة الحملة ومحاولة التفاوض والدفع من أجل إيقافها قبل ان تصل هذه الشركة الى حد إعلان إفلاسها وإغلاقها.

لم تكن المرة الأولى التى يعيش فيها المغرب تجربة المقاطعة، ففى سبتمبر 2006م، كان له تجربة مماثلة، لكن بشكل ضيق ومحدود، ربما لغياب الاساليب والآليات التى تنشر افكار واهداف واسباب المقاطعة بين المواطنين، بحيث قرر سكان مدينة بوعرفة (شرق المغرب) بشكل محلي، مقاطعة استخدام ودفع فواتير الكهرباء، بسبب غلائها، وما تم اعتباره وقتها الجودة الرديئة للخدمة. ولجأ السكان، فى ذلك الوقت، إلى مجموعة من الاعتصامات والمظاهرات انتهت بجلوس الشركة المعنية إلى طاولة المفاوضات مع المواطنين. أما فى ابريل 2018م، فالوضع صار مختلفا، وربما أكثر نضجا لحملة مقاطعة شعبية موسعة، لا تستهدف أشخاصا ولا حتى شركات بعينها، بقدر ما تستهدف وضعا مأزوما يتجلى فى ارتفاع الأسعار مقابل انخفاض القوة الشرائية للمواطنين.

لقيت حملة المقاطعة الأخيرة رواجا كبيرا لأسباب عديدة من أبرزها، وجود دوافع موضوعية تدفع العديد من الناس للمشاركة فى الحملة، بينما ساهمت مواقع التواصل الاجتماعى فى تفعيلها ونشرها على أوسع نطاق. لكن، فى نفس الوقت، وعكس التجربة الأولي، أصبحت هذه المقاطعة أقل تفاعلا مع فكرة الاعتصام او التظاهر فى الشارع. فبعد سنتين من الحركات الاحتجاجية الشعبية التى شهدتها بعض المناطق المغربية (الريف وجرادة) والتى قوبلت بمواجهات، أحيانا، عنيفة مع السلطات الأمنية، ما دفع الى التفكير فى وسيلة احتجاج بديلة، تكون بعيدة عن احتلال الشارع العام او الاحتكاك مع السلطة، وتكون أكثر فعالية من حيث النتائج، وأكثر أمانا للمواطن وأكثر توحيدا لأهدافه، فجاءت فكرة المقاطعة التى جذبت قاعدة جماهيرية واسعة من المتضررين والمتعاطفين، واستطاعت أن تشكل ورقة ضغط على الشركات المعنية وعلى صناع القرار أيضا، واستطاعت أيضا ان تصمد أمام كل محاولات إفشالها او تبخيسها.

إن حملة المقاطعة التى يعيشها المغرب، وقبله تونس والجزائر وبعدها الأردن، هى نوع من أنواع الاحتجاج الناعم والسلمي. ونوع من التعبير عن الوعى الجماعى الذى وصل إليه المواطن، الذى يبقى من حقه أن يشترى ما يشاء، حسب قدرته الشرائية، ويقاطع ما يشاء، إذا ما تضررت هذه القدرة، لإيصال صوته للمسئولين دون المساس بأمن بلده واستقراره. لكن فى المقابل، غياب قيادة واضحة لحملة المقاطعة، تكون قادرة على الإجابة على الاسئلة العالقة وطرح الحلول والبدائل المناسبة، يشكل عائقا أمامها فى المستقبل. فالأمر يجب ألا ينحصر فقط فى دعوة مجهولة الى مقاطعة علامات تجارية معينة أو بعض المنتجات دون رؤية مستقبلية، بل يتعلق أيضا بتوضيح أسباب اختيار شركات دون غيرها، وتقديم او اقتراح بدائل للشركات المستهدفة، او للمنتج الاستهلاكي، لسد احتياجات المواطن، من ناحية، ولتأكيد وعى الحملة ومصداقية أهدافها كما تراها اغلبية المواطنين، من ناحية أخري، حتى لا نقع فى فخ المزايدات بين المقاطعين والشركات وربما المقاطعين والدولة، عندما تسعي، هذه الأخيرة، الى إنزال الاسعار ويقوم المقاطعون بالانتشاء بهذا الإنجاز فيعلنونالدخول فى معركة مقاطعة جديدة، وكلما حصل الفرد على مكتسب طالب بأكثر منه، وهنا ستفقد اداة الضغط هذه عنصر قوتها، وهو المصداقية، وستتحول إلى فوضى تكون سلبياتها، فى هذه الحالة، أكثر من ايجابياتها.

إن المواطن يمتلك قوة هائلة، أكثر بكثير مما يمكن أن يعتقده. والمقاطعة هى واحدة من ادوات قوته إذا ما أحسن استخدامها كأسلوب حضارى لإيصال صوته. وسلوك رقابى يمارسه كلما دعت الحاجة الى ذلك، أو كلما عجزت الحكومة عن إيجاد طرق فعالة لكبح جماح الشركات التى تقتات من عرق المواطن، وأداة لتعديل الأسعار التى يجد أنها فاضحة ولا تتماشى مع مستوى دخله. فالمقاطعة هى تعبير عن عملية بناءة وإيجابية، تجمع أكبر عدد من الأشخاص حول قضية منطقية وعادلة لدفع الشركات إلى تغيير سلوكها. فلا يعقل أن تتم زيادة أسعار بعض المنتجات الأكثر استهلاكا، دون مراعاة القدرة الشرائية للمواطن. ولا يجوز إفقار الطبقات الشعبية والوسطى او استفزاز حاجاتها وتحريض عجزها، فى الوقت الذى تنتظر فيه تحسين أوضاعها الاقتصادية، وهذا ما على الشركات وصناع القرار الحذر منه وأخذ تداعياته بعين الاعتبار.


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: 
كلمات البحث: