رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سقط الإخوان.. فمتى تسقط أفكارهم؟

فى 30 يونيو، قبل خمس سنوات، قام الشعب المصرى بثورة سوف يذكر التاريخ أنها كانت أهم ثورة فى العصر الحديث. ثورة لم تسقط حكم جماعة الإخوان فى مصر فقط، بل أسقطت مشروعهم فى المنطقة ككل، وأجهضت حلمهم التاريخى بإقامة «دولة إسلامية»، ربما لم تكن لتختلف كثيرا عن الدولة التى أعلنها أبو بكر البغدادى فى سوريا فى 2014م. فالفكرة من بنات أفكار الجماعة، من الأساس، وهى التى أسست لها وهيأت إطارها المرجعي، ومن جاء بعدها قام فقط بإضفاء لمسته الخاصة ثم نفذ.

عندما ظهرت جماعة الإخوان فى عشرينيات القرن الماضى قامت فى سبيل تحقيق مشروعها السياسى بإقحام الدين فى معترك الصراع السياسي، وأخضعت الإسلام لعملية تسييس كبيرة، وغلبت جانبه الدنيوى على جانبه العقدى والاخلاقي، وحولته من «عقيدة جامعة» للأمة، الى ايديولوجية سياسية مفرقة، منزلة إياه من إطاره المطلق إلى أضيق المساحات. فقد فهم حسن البنا، منذ البداية، أهمية الدين وتأثيره فى المجال السياسي، ونافس الدولة على هذا الرأسمال الذى طالما كان حكرا لها، منذ بدايات العصور الإسلامية مرورا بفترة سيادة الفكر التقدمى بمدارسه المختلفة، الى أن نجحت الجماعة فى الاستيلاء عليه وادعاء التعبير بإسمه، وتمثيله لدى الشعب والرأى العام.

قامت الجماعة على فكرة ان الاسلام دين ودولة، وكانت من أول الدعاة لإقامة الدولة الاسلامية؛ بعد سقوط الخلافة العثمانية (التى يسعى اردوغان الى استنساخ نسخة جديدة منها)؛ ونضجت الفكرة مع مفهوم الحاكمية التى أسسها أبو الاعلى المودودي، وأخذها وطورها سيد قطب. واعتمد الإخوان فى البداية على الوسائل السلمية من إصدارات ومراجع ومجلات ، وفتاوى ومحاضرات، وتوغلوا فى عمق المجتمع من خلال الأنشطة الاجتماعية والخيرية، وهدفهم فى ذلك الدفع بإسلمة حياة المجتمع، أما منهاجهم فكان: رجلا مسلما فى تفكيره وعقيدته، بيتا مسلما فى تفكيره وعقيدته، شعبا مسلما، حكومة مسلمة. لكن سرعان ما تخلى الإخوان عن السلمية ولجأوا الى العنف من خلال تشكيل جناح عسكرى النظام الخاص، بحجة أنهم إن لم يجدوا من يحكم بمنهاج إسلامي، فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدى كل حكومة لا تنفذ أوامر الله, وأن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن، وأن الجهاد ضرورة وفريضة، مؤسسين بذلك لأولى حركات الإسلام السياسى المسلحة، التى تلجأ الى العنف وتتخذ من السيف شعارا لها، وهو ما لخصه البنا فى رسالة المؤتمر الخامس للإخوان: قوله الشهير «إن الإسلام دين ودولة.. مصحف وسيف».

ومن عباءة الجماعة خرج تنظيم الجهاد، الذى أعاد صياغة أفكار سيد قطب وحولها إلى قنبلة موقوتة قابلة لتنفجر مرات عديدة دون ان تستنفد شحنتها الحارقة، من خلال كتاب محمد عبد السلام فرج الفريضة الغائبة، الذى يعتبر المرجعية الفكرية للعنف الذى تعتمده كل التنظيمات الجهادية، حيث دعا فرج إلى الانسلاخ عن المجتمع الذى وصمه بالكفر، وإقامة تجمع إسلامى جديد خارجه، وعندما يتمكن هذا التجمع ينقض على المجتمع الكافر ليدمره ويزيله ويقيم الدولة الاسلامية. ثم جاءت «جماعة التكفير والهجرة» التى دعت بقيادة شكرى مصطفى إلى مفاصلة المجتمع الكافر ومهاجمته بكل الطرق، ثم الجماعات الاسلامية الى باقى التنظيمات الارهابية، التى لا تزال تتناسل من رحم نفس الأفكار التى أسست لها الإخوان وجناحها القطبي.

على الرغم مما طبع مشروع الجماعة، منذ ظهورها، من كونها حركة تدعى أنها تسعى للإصلاح الاجتماعي، فإنها لم تقدم، ولا حتى فى السنة التى حكمت فيها مصر، بديلا يحل المشكلات التى واجهت المجتمعات العربية والإسلامية، بل كل ما فعلته أنها أعادت المجتمع للماضى عبر إعادة تمثيل هذا الماضى فى الحاضر، وعملت على تجريف الساحة الفكرية والسيطرة عليها، كما قامت بشحن الشباب العربى بأفكار انقلابية، وشرعنت العنف باسم الحاكمية، وكفرت الأنظمة والمجتمعات، مما كلفنا سنوات من الدم، وسيكلفنا، إن لم نستأصل هذه الأفكار من جذورها، سنوات اخرى من التطرف والارهاب باسم الدين (والدين بريء)، مما وضع هذا الأخير موضع اشتباه دائم، فإذا كان البعض ينظر إليه باعتباره يتساهل مع العنف، فهناك من يرى أنه يجسده.

قادت أفكار جماعة الاخوان، الى ادخال المجتمعات فى دوامة من الصراعات الدينية والفكرية والسياسية والاجتماعية التى قد لا تخرج منها الا بعد ردح طويل من الزمن. وبعيدا عما يردده البعض، والغرب تحديدا، من مقولات اسلام سياسى معتدل، وإسلام سياسى متشدد، فكل الحركات السياسية الاسلامية تنهال من نفس المنبع وتقتات من نفس أفكار الإخوان: الجهاد/ العنف، الحاكمية، الدولة الاسلامية، المجتمعات الكافرة. ومع تصدر أخبار التنظيمات الارهابية التى أفرطت فى استخدام العنف والقتل والترويع، يبقى السؤال: متى سوف تسقط أفكار الجماعة؟

ثار الشعب المصرى يوم 30 يونيو من أجل حماية هويته ودولته، وكانت أول خطوة على المسار الصحيح، ولن يكتمل نصابها الا باستئصال جذور هذا الفكر المتطرف الذى يسعى لاختطاف العالمين العربى والاسلامى الى المجهول.


لمزيد من مقالات ◀ وفاء صندى

رابط دائم: