فى بريطانيا، يناقشون هذه الأيام تشريعا يضع ضوابط للوقت الذى يمكن أن يقضيه الصغار أو المراهقون على الإنترنت أو الألعاب الإليكترونية.
أما عندنا، فالأولاد والبنات ضائعون وضائعات، غائبون وغائبات، وبعضهم صار من «عبدة» هذا الكائن الأسطورى الذى تسبب فى انفصالهم التام عن دينهم وعاداتهم وتقاليدهم وأوطانهم، وحولهم إلى كائنات شيطانية ناقمة ثائرة أغلب الوقت على الشيء ونقيضه، وفى أفضل الأحوال كائنات سلبية غير قادرة نفسيا ولا صحيا على ممارسة حياة طبيعية.
فى بريطانيا، دقوا ناقوس الخطر مبكرا، ولا أحد يعرف كيف سيكون شكل التشريع الجديد الذى يتحدثون عنه، ولكنهم سيحاولون، أما نحن، فى مصر، فالأب والأم لهما الله، فالشكاوى واحدة، والصغار يريدون قيادة المجتمع، وهم غير مؤهلين لذلك، ويرهبون كل من تجرأ وحاول الاقتراب من عالمهم الافتراضي، من أب أو أم أو حكومة أو مجلس نواب، والنتيجة :
الواد جاله «صرع» .. البنت جالها «توحد» .. الولد مش بيصلى .. البنت مش بتذاكر، الواد نظره ضعف بدرى أو «إحول»، أو مش عارف يحفظ آية قرآنية على بعضها .. البنت بتكلم ولاد، النت والموبايل والكمبيوتر والتاب أهم من بابا وماما، ومن الصلاة، ومن المذاكرة، ومن صلة الأرحام.
عايشين معانا، ومش معانا، ينزوون فى الغرف المظلمة بالساعات، الموبايل أنيسهم وجليسهم فى كل «خروجة»، وفى كل مكان، لا يفارق أيديهم حتى وهم فى طريقهم ولا مؤاخذة إلى الحمام!
رؤوسهم «منكفئة» على أجهزتهم اللعينة طوال اليوم، تخاطبهم فلا يردون، تكلمهم، فلا يجيبون، لا تسمع لهم إلا أصوات «طرقعة» الكيبورد أمامهم، وبعض أصوات وصيحات غريبة!
أحيانا تجد الواحد منهم يضحك بصوت مرتفع، وأحيانا يصرخ لسبب لا تعرفه، وأحيانا أخرى يضع يديه فوق رأسه وكأنه ارتكب مصيبة، وربما تجده يلوح فى الهواء بقبضة يده، وكأنه انتصر فى معركة!
لو انقطعت خدمة النت أو «باظ» الموبايل، فهذه مصيبة، ربما تفوق مصيبته عند وفاة عزيز لديه، فالنت هو الماء والهواء، والويل كل الويل لأى حكومة أو وزير أو مسئول يفكر مجرد التفكير فى تقنين أى شيء له علاقة بالفضاء الإليكتروني.
أليس هذا هو حال أبنائنا هذه الأيام بالضبط؟!
أليس هذا هو جيل النت والفيسبوك وتويتر واليوتيوب الذى لا يعجبه جيل الكبار، ويسموننا «جيل النكسة» و«بتوع الاستقرار»، ولكنهم لا يعترفون بأنهم أنفسهم «خربوها» وجابوها الأرض عندما قادوا وطنا بأكمله من وراء الشاشات؟
لا أتحدث عن قلة شاردة من أبناء هذا الجيل، بل عن أغلبية ساحقة منهم، وانظروا لأبنائكم وبناتكم وأنتم تدركون ما أقول.
أتحدث عن جيل لا يقرأ كتابا، ولا صحيفة، ولا يشاهد نشرة أخبار، ولا برنامجا وثائقيا، فكل هذه الأشياء فى نظرهم عيب وحرام، و«أولد فاشوند»، ولذلك تجد معلومات الواد والبت عن أى قضية أو أى موضوع غلط فى غلط، لأنها تكون فى الغالب قائمة على «بوست» مفبرك، أو «كوميكس» ممنتج، أو خبر ومعلومة مصدرهما أحد مواقع «بير السلم»، أو صفحة مجهولة النسب على فيسبوك، والشائعة بالنسبة لهم حقيقة، حتى وإن تم نفيها مائة مرة!
والمصيبة أن بعض الكبار أدمنوا أيضا هذا «المخدر»، فانقطعت الأوصال، وخربت البيوت، وازداد الجهل والغباء تجاه القضايا العامة، وحتى مكان العمل تحول إلى «سايبر كافيه» مجانى ومكبر!
أما الألعاب الإلكترونية المتداولة على النت، التى قضت على جيل الألعاب اليدوية، فتلك مصيبة أخري، وعن علاقتها بالمرض والإدمان والسرقة والألفاظ النابية والانضمام لجماعات وتنظيمات مشبوهة أو متطرفة، فحدث ولا حرج، ويكفى ما تم الكشف عنه مؤخرا من أن بعض الألعاب علمت صغارنا أن مقاومة السلطات بطولة، وإحراق سيارات الشرطة عمل يستحق «النقاط»، ولا ينسى الأوروبيون أن الدردشة على صفحات لعبة إلكترونية شهيرة كانت تستخدم كقناة مشفرة بين إرهابيين!
وكالة «رويترز» نقلت قبل فترة عن وزير الصحة البريطانى جيريمى هانت قوله إن شركات السوشيال ميديا لا تبذل جهدا لحماية مستخدميها صغار السن من ظاهرة «التوحش» الإلكتروني، برفضها التحكم فى مدة جلوس الصغار على النت، وتزامن كلام الوزير مع بدء الحكومة البريطانية فى مراجعة حول تأثير مواقع مثل فيسبوك وتويتر على الصحة النفسية للأطفال، ومع احتدام الخلافات بين الدولة وشركات الإنترنت حول قضايا أخرى مثل التهرب الضريبي، والسماح بنشر الأخبار الكاذبة، و«الاستعباط» تجاه المحتوى المتشدد، واستخدام الشركات للبيانات الشخصية.
أما عندنا، فالفوضى الإلكترونية لا تنتهي.
.. وللحديث بقية.
لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل رابط دائم: