رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

القطة السوداء فى غرفة مظلمة!

هذه محاولة للبحث عن قطة سوداء فى غرفة مظلمة. القطة السوداء هى ما بات معروفا بصفقة القرن، أو الصفقة «المثالية»، التى تزمع الولايات المتحدة إطلاقها لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط بين العرب والإسرائيليين. أما الغرفة المظلمة فهى تفاعلات وعلاقات وشبكات ونظم منطقة الشرق الأوسط بعد «الربيع العربى» وسلسلة الحروب الأهلية وصعود وسقوط دولة الخلافة ومحاولات الإصلاح الاقتصادية والاجتماعية فى أكثر من دولة عربية. القطة جاءت فى شكل إشارات وعناوين أطلقها دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية، وبعد عام ونصف عام فى الحكم فإنه لا يزال يطلقها؛ ومعها أرسل بعثات للبحث عن السلام مكونة من جاريد كوشنر زوج ابنته، ومعه دبلوماسى سابق هو جيسون جرينبلات، وبالطبع محامى الرئيس الأمريكى ديفيد فريدمان الذى بات سفيرا لأمريكا فى إسرائيل. الثلاثة باتوا رأس الحربة فى تحقيق أمر ما له علاقة بالسلام العربى الإسرائيلي. وإذا كان الرئيس الأمريكى قد وضع أساسا للسلام فى شبه الجزيرة الكورية بعد لقائه مع الرئيس «أون» فى جزيرة «سنتوزا» فى سنغافورة؛ ويحضر لأسس السلام العالمى فى لقاء مع فلاديمير بوتين فى هلسنكى يوم 16 يوليو الحالى، فإن طرح مشروع للسلام فى الشرق الأوسط يكمل دائرة السلام فى الدنيا كلها.

وفى غرفة الشرق الأوسط المظلمة فإنه لا يوجد إلا نوعان من رد الفعل العربي، أولهما فيه كم هائل من الارتعاد يصاحب دوما كل التحركات الدبلوماسية نحو السلام فى المنطقة على أساس أن مشروعات السلام ما هى إلا محاولة أخرى لتصفية القضية الفلسطينية. حدث ذلك منذ مبادرة روجرز عام 1969 والتى عندما قبلها عبد الناصر كان الاتهام له بتصفية القضية الفلسطينية. وجرى ذلك مع كل محاولات السلام بدءا من تلك المصرية وحتى الفلسطينية والأردنية خلال العقود التالية. وثانيهما استدعاء اقتراح مركز بحوث إسرائيلى فى الثمانينيات من القرن الماضى بمد قطاع غزة داخل سيناء حتى حدود العريش على أن تقدم إسرائيل ما يقابله فى صحراء النقب لكى يكون شكل القطة التى يبحث عنها الجميع. كل القوى الراديكالية العربية على اليمين واليسار تفضل الأوضاع الراهنة من انقسام فلسطينى بين الضفة والقطاع، وزواج شعبى فلسطينى إسرائيلى فى العمل والعملة والتجارة والأمن والصحة، وحروب دورية فى غزة تنتهى دوما بتدخل الأمم المتحدة والدول الكبرى وعقد مؤتمر لإعمار غزة مرة أخري. الإخوان المسلمون فى محطاتهم التليفزيونية، ومواقعهم الإلكترونية، وصفحاتهم الفيسبوكية، يعصرون أعصابهم، وينزفون دموعهم على ضياع أجزاء من سيناء لم تقبل مصر الحديث عنها قبل ثلاثة عقود، ولا يوجد إسرائيلى يجرؤ على طرحها اليوم. والحقيقة أنه لا توجد إشارة واحدة فى الخطب والأحاديث الصحفية والمقابلات الدبلوماسية التى أجراها الوفد الأمريكى فى المنطقة أخيرا وقبل ذلك، لها علاقة بالأراضى المصرية التى انتهت قصتها بعد معاهدة السلام وتحكيم طابا الذى جعل الحدود المصرية الإسرائيلية نهائية.

القطة إذن ليس لها علاقة بالحكاية الزائفة للوطن البديل، ما يمكن رصده هو أن الإطار الكلى للصراعات فى الشرق الأوسط قد تغيرت؛ وفى الجوهر أن الصراع العربى الإسرائيلى بات أقل فى الأهمية بكثير من صراعات إقليمية وأهلية وعقائدية سقط فيها مئات الألوف من العرب بأياد غير إسرائيلية، ودمرت فيها عشرات المدن بيد مسلمين وليس اليهود. تغيرت خريطة الصراعات والأحقاد التاريخية باختصار، وتغيرت أحجامها، وباتت الأولويات كما التحالفات مختلفة. وفى حديث جاريد كوتشنر إلى صحيفة «القدس» الفلسطينية فإنه ذكر متحدث للفلسطينيين أنه بينما كان العالم يتقدم كنتم «باقين فى الخلف»، ونصحهم بألا يجعلوا صراعات الأجداد تحدد «مستقبل الأبناء»، والاختيار الفلسطينى هو ما بين الواقع التعس والخاسر الحالى أو يكونون جزءا من العصر الصناعى القادم، و«وادى سليكون الشرق الأوسط». «الصفقة» التى تريد أمريكا عرضها على الفلسطينيين تقوم على تغيير الواقع الاقتصادى والمعيشى والأمنى حيث تزيد فرص العمل والاستثمار. قال زوج إيفانكا فى الحديث «سوف نطلق الخطة وسوف يجد الفلسطينيون فيها ما يحبونه لأنها سوف تقود إلى فرص لهم فى حياة أفضل». كيف يحدث ذلك؟ بعث مشروعات قديمة مثل المطار والميناء فى غزة، وزيادة عدد العاملين فى إسرائيل (أعطت إسرائيل 7500 تصريح عمل أخيرا للفلسطينيين من الضفة الغربية بالإضافة إلى ما يترواح بين 100 و150 ألفا فى الوقت الحالى وهناك طابور طويل من الراغبين فى العمل)، وفتح الباب لاستثمارات ضخمة فى الضفة الغربية، أما عن غزة فما ورد عنها من تسريبات بالإضافة إلى مشروعات البنية الأساسية فإن محطات للطاقة وتحلية المياه سوف تكون فى مصر وهى التى تمد القطاع بالكهرباء والماء. ليس معنى ذلك أن حل الدولتين سوف ينتهى وإنما حالة الحرب والعداء هى التى سوف تصل إلى نهاية، وسوف يكون الطريق إليها هو إقامة دولة فلسطينية وفق الحدود الحالية فى الضفة والقطاع وفى المنطقتين «A وB» وأجزاء منتقاة من المنطقة «C»، وما غير ذلك سوف يكون موضوعا لتفاوض طويل الأجل بين الدولتين، مع العلم بأنه فى فترة التفاوض هذه سوف تكون المسئولية الأمنية بين نهر الأردن والبحر المتوسط فى يد إسرائيل، أما فى القدس فإن السيطرة فى الأماكن الإسلامية المقدسة سوف تكون موزعة بين الأردن والفلسطينيين، أما اللاجئون الفلسطينيون فيجرى توطينهم حيث يقيمون. كل ذلك هو ما يخص الفلسطينيين فى القصة، ولكن القطة الأمريكية لها أبعاد أكثر من ذلك لأنها سوف تخص الإقليم كله الذى عليه أن يطبع الحالة الإسرائيلية فى إطار من الأمن الإقليمى الذى يحقق الاستقرار ويواجه الإرهاب والتطرف والتوسعات الإيرانية والقوى المحلية الموالية لها. السؤال الآن هو هل مثل هذه الصفقة يمكن القبول بها، أم أنها سوف تكون نقطة انطلاق لتطبيق مبادرة السلام العربية، أم أنها مرفوضة فى الشكل والجوهر ومن ثم استمرار الأمر الواقع على ما هو عليه؟ كلها أسئلة تحتاج إجابات تأتى من التفكير الرشيد والهاديء فى أمور كل خياراتها مرة ؟!.


لمزيد من مقالات ◀ د. عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: