رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المشروعات المتوسطة والصغيرة

هناك صيحات كثيرة عند الاقتراب من الاقتصاد المصري، سواء من قبل المتخصصين أو الأصداء الصادرة عن الإعلاميين منها ضرورة تحويل القطاع غير الرسمى إلى قطاع رسمي؛ ومنها حتمية تنمية الصعيد لتعويضه عما فات؛ ومنها أن هدفنا الأسمى هو الوصول إلى معدل نمو يتجاوز 7% حتى نصل إلى العلا الاقتصادى وتبدأ عملية الإصلاح فى إتيان الثمرات التى من كثرتها سوف تصل إلى المواطن «العادى»؛ ومنها أيضا أن التقدم يرتبط بالاهتمام والتركيز على المشروعات المتوسطة والصغيرة. فى كل واحدة من هذه الصيحات هناك بعض الشواهد على الأرض، ومعها بعض من القوانين والقواعد، ولكننا لن نعرف أبدا عما إذا كنا نتقدم فى هذا الاتجاه أو أننا نتحرك فى المكان، أو حتى نتراجع بفعل الزيادة السكانية وتغير الظروف فى الداخل والخارج. وببساطة لا يوجد تقرير دورى يراجع كل صيحاتنا والتى تبدو أنها موضع للتوافق العام، ولا أحد يعارضها أو يحتج عليها، بحيث يعرض لنا ما تقدم وما تأخر فى كل هذه التوجهات. مثل ذلك لا يترك للمراقب إلا أن يرصد ما يجرى على الساحة التشريعية من قوانين، ولكى تكون المصداقية كاملة لابد من رصد المجال المالى للتعرف عما إذا كان هناك رصد للموارد المالية للدفع فى هذا المجال أو ذاك.

مثل ذلك جرى فيما تعلق بالمشروعات المتوسطة والصغيرة، وقامت الحكومة بالفعل برصد 200 مليار جنيه لتشجيع هذه المشروعات بالقروض ذات الفائدة المنخفضة وقيمتها 5% وفقط لا غير. مثل ذلك يبدو مغريا للغاية ومشجعا جدا لهذه المشروعات لكى تدخل السوق الاقتصادية لكى تبدأ مشروعات جديدة أو تتوسع فى مشروعات قائمة. ومع ذلك فإنه بسؤال البنوك عن المدى الذى وصل إليه استخدام هذه القروض فإن الإجابة فيها بعض من صمت، وبعض من تنهد، وحينما يحين وقت الكلام «بصراحة» فإن الحكم هنا أن قليلا فقط من المشروعات التى استفادت من هذا الكم الهائل من المال. فى هذه الحالة لا تصدر أرقام ولا أعداد، ولا شيء عما صرف، ولا شيء عما تبقي، ومن الممكن بعد بعض من الإصرار أن تعرف حالة المتقدمين للقروض بأنهم فى العادة لا يملكون الضمانات الكافية للبنوك لسداد هذه القروض. هنا لا توجد مادة كثيرة للبحث، فمن الطبيعى أن الساعى لمشروع متوسط أو صغير لابد وأن يكون متهافت الأصول الاقتصادية التى تصلح لكى تكون الضمان لقروضه. ولكن هناك أمورا أخرى توضع فى الحسبان مثل التاريخ البنكى للشخص، ومنها مدى جدارة المشروع ذاته ودراسته السوقية، ومنها دراسات البنوك نفسها عن السوق ومدى الحاجة فيه لسلعة أو منتج بعينه، ومنها مدى الابتكار الذى قد يقود إلى ثروات كبيرة للبلاد، ومنها أن هناك قدرا من المخاطرة لدى البنك ذاته لكى يشجع على الاستثمار المتوسط والصغير فى مقابل المخاطرة بالاحتفاظ بهذه الأموال، بينما تتراجع قيمتها الحقيقية فى السوق.

الاهتمام بالمشروعات المتوسطة والصغيرة ليس جديدا على توجهات التنمية المصرية، ومن ثم كانت هذه الصيحة حولها تتردد فى كل العصور استنادا إلى ضرورات اقتصادية تقول إن نهضة دول كثيرة فى المقدمة منها اليابان والصين قامت على مثل هذه المشروعات. ومن القراءات والمعرفة الشخصية فإن ما نعرفه الآن عن بيل جيتس وشركة مايكروسوفت، وستيفن جوبز وشركة آبل، والكثير غيرهم يقول بوضوح إن كل هؤلاء بدأوا كمشروع صغير أو متوسط وجد فيها مستثمر جاد ما يستحق المخاطرة. ومن هذه القراءات أيضا نعرف أن مثل هذه النوعية من المشروعات هى الأساس الذى تقوم عليه الطبقة الوسطى فى المجتمعات المختلفة وهى التى على أساسها تتقدم البلاد أو تتراجع. فعلى عكس ما يعتقد كثيرون فإن الطبقة الوسطى فى العالم ليست الموظفين فى الحكومة حتى لو كانوا شريحة منها؛ وإنما هى جماعة المستثمرين فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، سواء كانت ورشا تنتج الأثاث أو تصنع قطع غيار للسيارات أو تبنى بيتا أو تفتح مطعما أو تنقل بشرا أو تصنع منتجا زراعيا. وعندما شرفت بإدارة مؤسسة الأهرام العريقة كان واحدا من الأرقام المهمة والصارخة عن توزيع الصحيفة هى أن الصحف لا تصل إلى ثلثى عدد المواطنين. تخرج الصحف من المطابع عادة إلى القاهرة والإسكندرية وعواصم المحافظات ومنها إلى عواصم المراكز، ولكنها لا تصل إلى القرى والنجوع، وعلى من يريد القراءة أن يذهب بنفسه إلى الحواضر لكى يحصل عليها. استنادا إلى هذه المعرفة جاءت الفكرة كما أذكر من الأستاذ/ محمد العزبى مدير توزيع المؤسسة القدير حول إقامة شبكة من المواصلات ونقاط التوزيع تصل بالصحف إلى كل قرية ونجع. عرضنا الأمر على صندوق التنمية الاجتماعية والاقتصادية فتحمس لتمويل الفكرة حيث كانت كل وسيلة نقل مقدمة لمشروع صغير، وكل نقطة توزيع مشروعا متوسطا لأنه لن يوزع الصحف فقط وإنما أيضا المجلات والكتب وأمورا أخري. وبالاتصال بالزملاء فى مؤسسات الأخبار والجمهورية وجدنا حماسا كان كافيا لكى نبدأ تحويل الفكرة إلى واقع ولكن ما حدث أن ثورة قامت فى البلاد فى شهر يناير 2011.

لا أدرى ما الذى جرى فى تنفيذ الفكرة بعد ذلك، وعما إذا كانت لا تزال عملية فى الظروف الراهنة، ولكن أصل التوجه ساعتها كان ترجمة ما كان شائعا فى الفكر التنموى المصرى إلى واقع حيث تسعى المؤسسات العامة بالتعاون مع المؤسسات المالية إلى ترجمة الأفكار إلى حقائق. الآن فإن الدولة رصدت بالفعل 200 مليار جنيه مصرى، ولا بد أن أحدا يعرف كيف تتحول هذه الأموال إلى استثمارات فى المشروعات المتوسطة والصغيرة التى هى العمود الفقرى للطبقة الوسطى المصرية. الحادث الآن هو أن هذه المشروعات تتعرض لخطر بالغ والخروج من السوق نتيجة الضغوط الواردة عليها من التضخم، ومن التفضيل الذى تحظى به المؤسسات الكبرى العامة والخاصة من البنوك والمؤسسات المالية. اللهم قد بلغت.


لمزيد من مقالات ◀ د. عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: