حسنا فعلت وزارة السياحة بإصدار الضوابط الجديدة لرحلات العمرة، حتى وإن جاءت هذه الضوابط متأخرة لسنوات، بل لعقود.
وحسنا ستفعل الوزارة أيضا إذا أصرت على موقفها للنهاية، ورفضت ضغوط وابتزاز أصحاب الشركات و«محترفي» الحج والعمرة والمتاجرين بالدين وباللوبياالذى يساندهم فى البرلمان والإعلام.
الضوابط المعلن عنها لا يرفضها عاقل أو غيور على اقتصاد هذا البلد، فهى تتضمن فرض رسوم إضافية «فقط» على كل معتمر سبق له أداء العمرة خلال السنوات الثلاث الماضية قدرها 2000 ريال سعودي، أى ما يعادل 10 آلاف جنيه مصري، على أن يتم سداد هذا المبلغ بواسطة المواطن فى حساب خاص فى البنك المركزي، وتستثنى من هذه الرسوم بعض الفئات.
لا أفهم، أى خطأ فى هذا؟ وأى تجاوز فى هذا؟ ولماذا الاعتراض، والغضب، وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة، ولماذا تحويل الدين إلى وسيلة ابتزاز للدولة وإهدار لحصيلتها من النقد الأجنبي؟ ولماذا إلصاق تهمة ارتفاع الأسعار بالدولة والحكومة، رغم أن هذه قضية وتلك قضية أخري؟
بالتأكيد، الله أعلم بما فى نفوس عباده وضمائرهم، ولكن إحنا مش ها نضحك على بعض!
هل كل المصريين يسافرون للحج أو العمرة فعلا أم لأغراض أخرى؟
ألم تعد رحلات الحج والعمرة الآن سلعة فاخرة وحكرا على الأثرياء؟ وحلما بعيد المنال على الفقراء والبسطاء والمهمشين، الذين لم يعد أمامهم سوى «القرعة»؟
ألم يعد الحج كل عام، والعمرة «عشرميت» مرة فى السنة، أحد أبواب التباهى والتفاخر والبذخ الذى نهى عنه الإسلام؟
ألم تتحول رحلات «السعودية» إلى فرصة ذهبية بالنسبة لكثيرين للاتجار فى العملة وإهدار الأموال فى شراء الملابس والأجهزة والموبايلات وخلافه، وكله من «اللحم الحي» لاقتصاد بلدنا؟!
ألم يتحطم حلم كثيرين بأداء الحج والعمرة ولو «بتحويشة العمر» على صخرة ارتفاع الأسعار، من قبل صدور هذه الضوابط، والسبب تحرير سعر الصرف،، فضلا عن تفوق الطلب على المعروض؟
ألم يعد هذا «الطلب» مقتصرا على فئة معينة، وهى الفئة التى تشترى الحج والعمرة «بفلوسها»، وترفض توجيه هذه «الفلوس» إلى أغراض خيرية محلية أكثر إلحاحا، وربما أعلى ثوابا؟
هل أصبح التدين والتقرب من الله سلعة تباع وتشترى على هذا النحو؟ ووسيلة لإرهاق اقتصاد الدولة، وتكبيد عملتها الوطنية مزيدا من الخسائر، وبعد ذلك نشكو ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة؟
بل، هل انعكست العمرات المتكررة على أخلاقيات المصريين؟!
طبعا، فور صدور قرار الضوابط، «أطلق» أصحاب شركات السياحة الجماعة بعض الإعلاميين على الحكومة والوزيرة من أجل لى ذراعها والتراجع عن القرار، ظنا منهم أننا مازلنا نعيش حقبة بلطجة و«فئويات» ما بعد 25 يناير 2011، وتعمدت صفحات «مجهولة» على السوشيال ميديا «فبركة» أخبار وفيديوهات تزعم أن الوزيرة تراجعت عن قرارها، وفيديوهات مماثلة عن السعودية، وهو ما لم يحدث، ولن يحدث.
فى البداية، روجوا إلى أن الرسوم على الحج والعمرة «عامة»، وادعوا أن قرار الوزارة غير دستوري، وأن مش عارف كام ألف عامل ها يتشردوا، ثم لجأوا بعد ذلك إلى «الموشحات» المعتادة عن ضرورة خفض نفقات التسلح والإنفاق الحكومى والمشروعات القومية والعاصمة الإدارية، باعتبار أن الحج كل عام، والعمرة كل أسبوع، أولوية قومية، وحق لكل مواطن، وكأننا يجب أن «نعمل لدنيانا كأننا نموت غدا، ونعمل لآخرتنا كأننا نعيش أبدا»، وليس العكس! ثم دخل «إخواننا» على الخط، فاتهموا الدولة بأنها تحارب الإسلام والمتدينين، و«استظرفوا» قائلين إن الخطوة التالية ستكون فرض رسوم على الصلاة فى المسجد!
ومن أتفه ما تردد فى وسط «الزحمة» أن رسوم العمرة المتكررة ستذهب من البنك المركزى «إجباريا» إلى صندوق «تحيا مصر»، علما بأننى شخصيا أرى «بصراحة» أن التبرع لـ«تحيا مصر» يجب أن يكون إجباريا بالفعل لبعض الفئات، وعلى رأسها أصحاب العمرات المتكررة، ومن قبلهم هواة «الحج» إلى دبى وتركيا وفرنسا!
الأرقام تقول إن 14 مليار دولار هى فاتورة إنفاق المصريين على رحلاتهم الخارجية، بما فيها رحلات الحج والعمرة، يعنى حوالى 250 مليار جنيه، يعنى المسألة كلها مجرد سفه ومنظرة وأنانية و«استعباط» وتجاهل مؤسف لأوضاع البلاد والعباد، فى وقت تضحى فيه أسر بأرواح أبنائها لكى يبقى هذا الوطن عزيزا مصانا، لا مذلولا مديونا!
.. «برافو» وزارة السياحة .. ونقول لـ«لوبي» الاعتراض والتهديد والفبركة : «اختشوا بقى»!
لمزيد من مقالات ◀ هانى عسل رابط دائم: