من الوهلة الأولي، تشعر بأن الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأمريكية جاء إلى القاهرة لإصلاح ما أفسده بعض السياسيين وكثير من الإعلاميين، فى الجانب الأمريكى بطبيعة الحال!
«فوتيل»قائد عسكرى و يعد الرجل الثالث تقريبا فى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، بعد وزير الدفاع ورئيس الأركان، بل هو بالنسبة لدول الشرق الأوسط الشخصية العسكرية الأمريكية الأكثر تأثيرا وأهمية، من الواضح أنه جاء فى مهمة محددة للقاهرة، هى توصيل رسالة مفادها بأن العلاقات المصرية الأمريكية ذات طبيعة استراتيجية، وستبقى كذلك، وأنه لا يمكن لأى من البلدين الاستغناء عن هذه العلاقات، مهما تكن درجة الخلافات والأزمات التى يثيرها بين الحين والآخر بعض الساسة، من رجال الكونجرس، ويغذيها عدد غير قليل من أصحاب الأقلام فى «الميديا» الأمريكية.
التقيت بالجنرال جوزيف فوتيل فى حوار صحفى بمقر إقامته بأحد فنادق القاهرة، وكان الرجل قد عاد للتو من محادثات مع كبار رجال الدولة والقوات المسلحة، فى حضور فريق كبير من السفارة الأمريكية بالقاهرة، يتقدمهم القائم بأعمال السفير .
ظل فوتيل هادئا طوال الحديث، حتى عندما تلقى أسئلة صريحة من التى تشغل بال الرأى العام المصرى عن علاقة أمريكا بداعش، وأين ذهب الدواعش بعد الرقة والموصل!
فى البداية، كان السؤال : لماذا زيارة مصر الآن، وما أهم الموضوعات التى بحثتموها خلال لقاءاتكم بالمسئولين المصريين؟
أحاول أن أجعل من زيارة مصر أمرا منتظما، صحيح أننى لا أزور مصر كل شهر مثلا، ولكننا نحاول أن تتكرر الزيارات لكى نضمن دائما أن نحافظ على ثبات علاقاتنا ومشاركتنا، وبالتأكيد زيارتى هذه تأتى فى توقيت مهم للغاية، خاصة بعد الزيارة التى قام بها وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ومن قبله مايك بينس نائب الرئيس الأمريكي، ومن قبلهما جاء وزير الدفاع جيمس ماتيس فى ديسمبر، لذا، أعتقد أن هذه الزيارات المتعاقبة يجب النظر إليها كمؤشر مهم لمصر يوضح مدى أهمية علاقاتنا بها.
كيف تقيمون التعاون العسكرى بين مصر والولايات المتحدة حاليا، خاصة فى مجال محاربة الإرهاب؟
فوتيل : التعاون بيننا جيد جدا فى هذا المجال، وأعتقد أننا حافظنا دائما على علاقات عسكرية جيدة، وبالتأكيد نتفق فى وجود مخاوف مشتركة لدينا بشأن الإرهاب، ولذلك، أرى أنه من الطبيعى أن يكون بمقدورنا التعاون فى هذا المجال بشكل دائم.
هل تأثر هذا التعاون بقرار الإدارة الأمريكية تعليق بعض المساعدات لمصر؟
لا أظن ذلك، بل أرى أننا نمضى قدما للأمام، خاصة فى مجال تبادل المعلومات، والعمل معا فى هذا المجال، وفى الوقت الذى نتعاون فيه، مهمتى هى ضمان ألا يتأثر هذا التعاون بقرار كهذا، وأن يستمر على نحو إيجابي.
ولكن، إذا كان الأمر كذلك، ما تعليقك على تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى من قبل بأن مصر تحارب الإرهاب بمفردها؟
بالتأكيد، لا يمكننى التعقيب على تصريحات السيد الرئيس، ولكننا بالفعل تحدثنا معه حول ضرورة وجود تعاون قوى بيننا، خاصة أننا نحتاج إلى تحالف عسكرى طويل الأمد فى سوريا، أو تحالف عملياتى فى أفغانستان، مع التركيز على محاربة الإرهاب، لأنها مشكلة دولية تقلقنا جميعا.

الجنرال جوزيف فوتيل خلال حواره مع الأهرام
صرحتم فى يناير الماضى بأن تنظيم داعش لم ينته بعد، رغم الإعلان عن هزيمته فى الرقة والموصل، أين ذهب مقاتلو داعش إذن؟
حسنا، ما زالت هناك مناطق فى سوريا بقيت فيها عناصر التنظيم لفترة، ولذلك، واصلنا محاربتهم فى تلك المناطق بالتعاون مع شركائنا على الأرض، وما زلنا نفعل ذلك، وقد حاولت عناصر داعش الهرب إلى مناطق أخرى يمكنهم السيطرة عليها أو استخدامها كركيزة للعودة إلى الموصل، ومهمتنا هى منعهم من القيام بذلك، ومحاولة عزلهم، ونتبع معهم طريقة «القتل أو الأسر».
ما تعليقك على الاتهامات الموجهة إلى القوات الأمريكية من بعض الأطراف، وفى بعض وسائل الإعلام، حتى الغربية نفسها، بأنها تتعاون مع تنظيم داعش أو تقوم بتسليحه؟
أعتقد أن هذا كلام سخيف، فكل ما يعتقد بأن الولايات المتحدة، الحكومة أو الجيش الأمريكي، يدعم داعش، يقول كلاما سخيفا، ونحن نقوم فقط بجهد كبير فى سوريا والعراق لمحاربة داعش والقضاء عليه، وأعتقد أن الحقائق تتحدث عن جهدنا فى هذا المجال.
هل فقدت أمريكا أوراق اللعبة فى سوريا على حساب أطراف أخرى مثل روسيا وتركيا وإيران؟
مهمة قواتنا فى سوريا هى التركيز على هزيمة داعش، ولكن ربما تكون هناك أطراف ما على الأرض لديها الهدف نفسه، وقد تكون لديها أهداف أخري، ولكن الحقيقة أن مهمتنا تتركز على داعش أكثر من أى شيء آخر، وأعتقد أننا لم نفقد السيطرة على أى شيء، وتحدثنا عن ذلك من قبل بكل وضوح.
هل معنى ذلك أنه يوجد تنسيق كاف بين القوات الأمريكية والجيش الروسى على الأرض فى سوريا؟
لا ننسق، أو نتعاون معهم، لكن ما نفعله حاليا مع الروس هو التركيز على «تجنب الصدام»، بتنسيق التحركات العسكرية لمنع أو تقليل مخاطر المواجهات بين طائرات أو قوات الطرفين أثناء عملها»، وهذا الأسلوب أثبت فاعلية فى السابق، وسنواصل القيام به بالتأكيد، ولا نسعى لتوسيع نطاق مهمتنا هناك، فمهمتنا هى هزيمة داعش.
وما دور القوات الأمريكية على الأرض هناك فى الفترة القادمة من وجهة نظرك؟
بعد نهاية عملياتنا ضد داعش، وبعد تحرير الأرض التى استولوا عليها، علينا أن ننتقل إلى المرحلة التى نسميها فى العسكرية «إعادة الاستقرار»، أى تقوية الانتصار الذى حققناه، وهذا يعنى أنه يتعين علينا ضمان الأمن، والتأكد من أن المناطق التى يوجد فيها شركاؤنا مؤمنة بشكل جيد، والأهم من ذلك التأكد من أن داعش غير قادر على العودة من جديد إلى تلك المناطق، وعلينا أن نخلق الظروف التى تسمح بتوصيل المساعدات الإنسانية، ودعم الأنشطة الأخرى التى تعيد الاستقرار، وتساعد أكبر عدد ممكن من الناس على العودة إلى مدنهم وقراهم.
هل لديكم أى معلومات عن انتقال عناصر داعش من سوريا والعراق إلى دول أخرى فى المنطقة، ربما إلى ليبيا، وهل انتقلوا عبر دول وسيطة مثل تركيا مثلا؟ هل لديكم أى معلومات بهذا الشأن؟
بالتأكيد، ينبغى علينا أن نهتم كثيرا بمحاولات مسلحى داعش للانتقال من منطقة عمليات إلى منطقة أخري، ومنهجنا فى التعامل مع هذه المشكلة هو أننا نحاول جاهدين منع حدوث ذلك قدر المستطاع بكل الإجراءات الممكنة، ومن بين أهداف عملياتنا العسكرية على الأرض هى منعهم من التحرك من مكان لآخر، وربما البعض منهم نجح بالفعل فى التسلل والهرب، ولكننا نحاول تقليل حدوث ذلك، خاصة أننا متفهمون لمخاوف دول المنطقة من هذا الانتقال إلى مناطق أخري.
زرتم قطر قبل مجيئكم القاهرة، كيف ترون مستقبل قاعدة «العيديد» الأمريكية فى قطر بعد سنوات من العمل؟ وهل هناك أى تفكير فى نقلها إلى مكان آخر فى ضوء الاتهامات الموجهة لقطر بدعم وتمويل ورعاية الإرهاب؟
لا توجد لدينا أى خطط لنقل أو تغيير مكان قاعدة «العديد» فى قطر، ونقوم بأنشطتنا بشكل جيد من هناك منذ فترة طويلة.
حالة من القلق سادت العالم قبل شهر أو شهرين من الآن بسبب تصريحات نسبت إلى مسئول عسكرى أمريكى كبير، هو قائد قوات المارينز فى النرويج، قال فيها لجنوده إن عليهم أن يستعدوا لحرب قادمة؟ هل صحيح توجد حرب فى الطريق؟ ومع من يمكن أن تكون هذه الحرب؟
مهمتنا فى الجيش الأمريكى الدفاع عن أمتنا وعن مصالحنا، ولذلك فلدينا دائما مسئولية أن نكون فى حالة استعداد دائم، ولذلك نحفز قادتنا وجنودنا وبحارتنا وقوات المارينز على أن يكونوا دائما مستعدين لكل ما هو غير متوقع، ولمواجهة أى مواقف، أو حل أى مشكلة، ولا يشترط أن يكون ذلك معناه أننا سنحارب.
هل صحيح ما يقال عن أن الجيش الأمريكى يجب أن يخوض حربا كل عشر سنوات لتجديد خبراته وقدراته وتجربة أسلحة جديدة؟
لا بالطبع، أيضا، هذا سخف، فنحن لا نخوض الحروب فقط لتجربة أسلحة جديدة، بل نخوضها دفاعا عن بلدنا.
قيل هذا بالفعل فى الإعلام الأمريكى نفسه بعد حرب العراق تحديدا.
نعم، ولكن هذا غير صحيح، فليست هذه الطريقة التى ندير بها الأمور.
وما تعليقك على ما ذكره السيناتور لينزى جراهام مؤخرا عن أن الجيش الأمريكى لا يمكن أن يخوض حربا ضد خصم قوي، بمثل إيران أو كوريا الشمالية؟
لم أقرأ ما قاله السيناتور جراهام حقيقة، لأننى كنت خارج الولايات المتحدة.
نشر هذا أيضا فى الإعلام الأمريكي.
لا أستطيع التعليق على ذلك أيضا.
أخيرا، هل تابعت العمليات العسكرية التى تقوم بها قوات الجيش المصرى فى شمال سيناء تحت عنوان «سيناء 2018»؟
هذه عمليات مهمة جدا، وأعتقد أن القوات المصرية تقوم بدورها فى حماية الشعب المصرى ومصالحه، ونحن نتمنى لها التوفيق دائما.
-------------------------------------------------
عيد الميلاد الـ60 فى القاهرة!
هو أحد كبار قادة الجيش الأمريكي، ممن يطلقون عليهم «جنرالات الـ4 نجوم»، وهو يشغل الآن منصب رئيس القيادة المركزية منذ مارس 2016.
خدم فوتيل قبل ذلك فى أكثر من منصب، فكان قائدا لقيادة العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي، قبل أن يتم تعيينه رئيسا للقيادة المركزية.
ولد فوتيل فى 14 فبراير 1958، أى أنه احتفل بعيد ميلاده الستين خلال زيارته القاهرة، وفى حديثه لـ «الأهرام»، أعرب عن سعادته البالغة باحتفاله بعيد ميلاده فى مصر.
فوتيل من مواليد سان بول فى ولاية مينيسوتا، وهو متزوج منذ عام 1980، ولديه ثلاثة أبناء : «آن»، وشقيقاها «تيري» و«ديك».
رابط دائم: