سقطت وسائل الإعلام الأجنبية المعادية للدولة المصرية - دون أن تشعر - فى «طوفان» من التناقضات فى تغطيتها للشأن الانتخابى المصري. فبعد عشرات التقارير التى بثتها وسائل الإعلام هذه مثل «رويترز» و»أسوشييتدبرس» وهيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي.» وشبكة «سي.إن.إن» الأمريكية على مدى أعوام كاملة عن تراجع، بل انهيار، شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتزايد موجة السخط الشعبى ضد سياساته الاقتصادية، ومن عشرات التصريحات من «معارضين» له، فوجئت هذه الوسائل بأن حديثها عن انهيار شعبية السيسى لم يكن سوى وهم صنعته بنفسها، بل اعترفت صراحة فى أكثر من تقرير جديد لها بأن شعبية أى من المرشحين المحتملين وغير المحتملين للانتخابات الرئاسية غير قادرة على الوصول لشعبية الرئيس الحالي، كما اعترفت بأن معظم المرشحين والشخصيات التى «نفخ» فيها الإعلام الغربى طوال الفترة الماضية، إما أنهم فشلوا فى استيفاء الشروط اللازمة للترشح، وإما زعموا تعرضهم للضغوط والاضطهاد، من أجل الابتعاد عن سباق أكبر منهم!
ومع بدء المعركة الانتخابية للرئاسة، اهتم الإعلام الغربى بأخبار «مرشحيه» بصورة مبالغ فيها، ولكن مع مرور الوقت، وتخاذل هؤلاء عن الترشح لأسباب واهية، بدأ هذا الإعلام فى التصعيد من تغطيته السلبية لمصر، تمهيدا للتشكيك فى جدية وشرعية هذه الانتخابات، وللتقليل من أهمية نتائجها، مع تضخيم حركة الدعوة لمقاطعتها بأى شكل، بالتوازى مع تصريحات وتحركات عناصر وقادة هذه الحركة على الأرض.
وبعد أن أصبح ترشح السيسى أمرا واقعا، والإعلان عن اسمى مرشحين للانتخابات، لجأت «رويترز» إلى حيلة أخري، حيث بدأت تشكك - عبر تقارير مطولة - فى مصداقية شعبية الرئيس السيسي، زاعمة أنها شعبية «مصطنعة»، مع الإقرار فى نفس الوقت بأن السيسى سيفوز فى هذه الانتخابات!
كما أسهبت «رويترز» فى تناول أكاذيب المرشحين المنافسين - المحتملين - له حول اضطهاد أجهزة الدولة لهم، ولكن مع اعتراف الوكالة أيضا فى الوقت نفسه بعدم توافر أدلة تؤكد صحة هذه الاتهامات! ونقلت «رويترز» عن تيموثى كالداس وهو زميل غير مقيم فى معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط قوله فى تقرير بثته يوم 19 يناير 2018 إن الرؤساء المصريين دائما ما يستخدمون مظاهر كاذبة للشعبية التى يتمتعون بها فى إطار أدوات الدعاية لهم، غير أنها لم تستطع إثبات ذلك بالأدلة أو بالأرقام.
كما بثت الوكالة فى اليوم نفسه تقريرا ثانيا بعنوان «بعد فشلها فى الانطلاق، المعارضة المصرية تواجه العقبات فى طريق الرئاسة» حول العقبات التى قال المرشح الرئاسى المنسحب محمد أنور السادات إنه واجهها، وأشارت أيضا إلى ما قاله أشرف الشريف أستاذ العلوم السياسية فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة من أنه حتى الهوامش المحدودة للمعارضة والنقد والحريات التى كان يتم السماح بها فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك لا يتم السماح بها الآن، وهو أمر مناقض لحديث شخصيات «المعارضة» وقادة «المقاطعة» يوميا لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية دون أن يتعرض لهم أحد!
فى الوقت نفسه، نشرت وكالة أسوشيتدبرس للأنباء وشبكة «بي.بي.سي» موضوعات سلبية أيضا حول الانتخابات المصرية، حيث استهدفت بدرجات متفاوتة التشكيك فى نزاهة وجدوى هذه الانتخابات، ولكن دون أن تتمكن أى منهما من تفسير أسباب اهتمامها الشديد ببث تقارير عن انتخابات لا تثقان فى نزاهتها إلى هذه الدرجة!
من جانب آخر، انفردت «أسوشيتدبرس» تحديدا بالسقوط فى تناقض غريب، ولكن من نوع آخر، فقد ألمحت إلى مواجهة السيسى ضغوطا حول موقفه من قضية مدينة القدس المحتلة خلال زيارة مايك بينس نائب الرئيس الأمريكى للقاهرة أخيرا، وهو ما نفته مختلف وسائل الإعلام الأمريكية لاحقا، حيث أكدت شعور نائب الرئيس الأمريكى بالإحباط من تمسك القيادة المصرية بموقفها المبدئى تجاه قضية القدس!
وهنا نطرح أسئلة مشروعة : هل شعبية السيسى انهارت، أم أنه ينافس نفسه؟ وكيف يتحدث المعارضون المقموعون بهذه الحرية فى الإعلام المحلى والعالمى عن تقنيات قمعهم؟ ومن قلب القاهرة؟ وهل صحيح أن شعبيتهم حقيقية، وشعبية الرئيس زائفة؟ إذن لماذا لم يترشح أى من أصحاب هذه الشعبية «الحقيقية» للانتخابات؟ وإذا كانت الانتخابات بعيدة عن النزاهة، لماذا الاهتمام الإعلامى بمرشحين منسحبين أو لم يستوفوا شروطها؟
وهل ترضخ مصر للضغوط الأمريكية أم ماذا؟ ولماذا اعترضت على موقف أمريكا من قضية القدس؟
إن وسائل الإعلام الأجنبية تتناسى قاعدة مهمة، هى أن المعلومات الكاذبة، والأفكار المسبقة، والعرض غير الموضوعى للأحداث، كلها عوامل تؤدى فى النهاية إلى السقوط المستمر فى هذا الكم الهائل من التناقضات، بما يؤثر على سمعتها ومصداقيتها.
رابط دائم: