من حق وسائل الإعلام الأجنبية التعامل مع الشأن المصرى كما تريد، ومن حقها تصوير الأوضاع التى تجرى على أرض مصر، أو فى أى بلد، وفقا لما تراه مناسبا، ولكن يبقى من حقنا نحن أيضا فضح الأخطاء، والمطالبة بالمهنية والموضوعية والحيادية، وكذلك النزاهة، فى التعامل مع قضايانا، وإبعاد الأمزجة الشخصية عن هذه التغطية، منعا للاستمرار فى تضليل الرأى العام العالمي.
الشواهد تقول إن الإعلام الأجنبى لديه شبكات مراسلين وجامعى معلومات فى مصر وغيرها قادرين على توصيل كل معلومة وكل رأي، مهما كانت صغيرة أو تافهة، ومع ذلك، يوجد إصرار «كريه» على نقل تغطية سلبية «بعينها» لمصر، وتسليط الضوء على أخبار شديدة التفاهة، وتضخيم شخصيات وفئات هامشية، والتغاضى عن تقديم صورة الحقيقة كاملة إلى جمهورها.
فمثلا، تعمدت وكالة أسوشييتدبرس للأنباء إغفال دور الشرطة المصرية فى ضبط منفذ حادث الهجوم على كنيسة حلوان، مؤكدة اقتناع الرأى العام فى مصر بمسئولية المواطنين العاديين وحدهم عن اعتقاله، وتأخر وصول أجهزة الأمن لموقع الهجوم.كما ظهر تركيز تقارير أجنبية على تصوير مشهد سير الإرهابى بمفرده فى الشارع لفترة لتقديم صورة سلبية عن الوضع الأمنى فى مصر، مع إغفال دور الشرطة فى إصابته بعيار ناري، ودورها الأهم فى منع اقتحامه للكنيسة.
من جانبها، استأنفت شبكة «سي.إن.إن» الأمريكية إساءتها للدولة المصرية، عبر إفراطها فى نشر ادعاءات جماعة الإخوان و»الطابور الخامس» بشأن أحكام الإعدام الصادرة فى قضايا الإرهاب، وتصويرها على أنها «تصفية حسابات» من جانب الحكومة.
كما واصلت فضائية «بي.بي.سي» العربية استضافة الشخصيات المعادية للدولة، وإبرازها اتهاماتها لها دون تقديم أى وجهة نظر مخالفة، ومن الواضح أن هذه ستكون سياستها فى تغطية الشأن المصرى حتى انتخابات الرئاسة المقبلة.
على الصعيد نفسه، ظهر واضحا استغلال وسائل الإعلام الأربع الكبرى : «رويترز» و»بى بى سي» و»سى إن إن» و»أسوشييتدبرس» لحادث بالون الأقصر فى إطار استعراض حادث سابق مماثل وقع منذ نحو عامين، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من السائحين، وذلك فى محاولة واضحة لإثارة قلق السائحين الأجانب من زيارة مصر بشكل عام، رغم تكرار مثل هذه الحوادث فى جميع دول العالم.
يضاف إلى ذلك محاولة «الجارديان» وصف مصر بالدولة «الفاشلة»، والتهكم على انتخابات الرئاسة بحجة غياب المنافسة فيها، وكذلك سخرية «هاآرتس» الإسرائيلية من الوضع السياسى فى مصر ومن هذه الانتخابات، وذلك استنادا إلى فيديوهات نشرها «هزليون» على موقع «يوتيوب»، ويشاء الله أن يحدث ذلك فى نفس اليوم الذى أصدرت فيه وكالة «فيتش» الائتمانية تصنيفها الذى يرفع نظرتها للاقتصاد المصرى إلى «إيجابية»، ليظهر أمام الجميع من هو «الفاشل» بحق!
الطريف أنه وسط هذه التقارير السوداوية الركيكة، نفاجأ يوميا بعشرات التقارير التجميلية التى تبثها هذه الصحف والشبكات نفسها تتغزل فيها فى قطر وديمقراطيتها وحرصها على حقوق العمال، وجدارتها باستضافة كأس العالم ٢٠٢٢، ومحاربتها للإرهاب، وكذلك تتعامل مع قمع نظام رجب طيب أردوغان فى تركيا على أنه حق شرعى مكتسب، وسياسات عادية جدا، وجزء من الديمقراطية!
ترى، متى يتعامل الإعلام الأجنبى مع الشأن المصرى بعيدا عن الأهواء؟
ومتى تنقى هذه الشبكات الإعلامية الكبرى مصادر معلوماتها من المندوبين والمراسلين والنشطاء المشكوك فى نزاهتهم، والذين لا يقدمون لها سوى ما يتماشى مع ميولهم الشخصية، مما أثر كثيرا فى مصداقية هذه الجهات الإعلامية؟
تبقى كلمة أخيرة لمن يزعمون لدينا أن مصر هى المسئولة عن غياب «الحقائق» عن الإعلام الأجنبى : الإعلام الأجنبى يعرف كل شيء، ولكنه ينتقى ما يشاء لنشره وبثه، ويخفى ما يشاء، ولديه قدرة فائقة على تضخيم التوافه، وتجاهل المهم، مما يعنى أن رداءة التغطية مسئوليته أولا وأخيرا.
رابط دائم: