رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

دفاعا عن التسلح

الشرق الأوسط منطقة شديدة الخطورة. هذا هو ما برهنت عليه من جديد تطورات الأيام القليلة الماضية. الشرق الأوسط مقتلة كبيرة، يفقد فيها الناس حياتهم بسبب اختلافات العقيدة والمذاهب السياسية وصراعات الثروة والسلطة، وتنتهك فيها سيادة الدول، وتمزق أقاليمها، بسبب أطماع الجيران وانقسامات المجتمع. من الأفضل أن تكون قويا فى منطقة مثل هذه، وإلا طار رأسك، وأهدرت مصالحك وكرامتك، وضاع وطنك. هذه هى النصيحة الأهم التى يمكن تقديمها لكل من حكم بلدا فى هذه المنطقة الخطيرة.

للقوة أشكال عديدة، كلها لازمة وضرورية، لكن فى منطقة بخطورة الشرق الأوسط تظل للقوة العسكرية الأولوية القصوى. الشرق الأوسط منطقة مليئة بالتهديدات المسلحة، وفى مواجهة هذا النوع من التهديدات لا بديل عن التسلح بالقدرة على ردع الأعداء ورد العدوان بالمعنى الحرفى الدقيق للكلمة، وليس فقط بطريقة مجازية أو بلاغية، ففى مجال الدفاع والأمن، لا مجال لفرصة ثانية.

الشرق الأوسط فيه بعض من أكثر دول العالم إنفاقا على الدفاع، ومصر، بعد كل صفقات السلاح التى تم عقدها، مازالت أقل الكبار فى المنطقة إنفاقا فى هذا المجال. إنفاق مصر الدفاعى فى عام 2016 - وفقا لمعهد استوكهولم الأكثر تخصصا ومصداقية فى هذا المجال ذ يقل عن عشر إنفاق السعودية، وحوالى ثلث إنفاق كل من إسرائيل وتركيا، ونصف إنفاق إيران، وهو أقل من الإنفاق الدفاعى لكل من العراق والكويت وعمان. فى علوم الدفاع والإستراتيجية، لا يوجد جيش صغير وجيش كبير، ولكن يوجد ميزان للقوة، فقوة الجيش تقاس بالنسبة للجيوش الأخرى الموجودة فى الإقليم والنطاق الدفاعى والأمني.

القوات المسلحة لثمان من دول المنطقة، هى إيران وتركيا وإسرائيل والسعودية والإمارات والعراق وسوريا ومصر، تدخل فى معارك عسكرية بشكل يومي. جيوش روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى تسهم فى الصراعات الجارية فى المنطقة. جيوش إيران وتركيا والسعودية والإمارات والسودان تحارب فوق أراضى بلاد أخرى. إيران تبنى قاعدة عسكرية دائمة فى سوريا، فيما تركيا لها قاعدة عسكرية فى قطر وأخرى فى الصومال البعيدة جدا.

كل هذه الأنشطة من حولنا تتطلب العمل بجدية من أجل المحافظة على وضع مصر فى ميزان القوة الإقليمي، وهو أمر له تكلفته، وأى تهاون فى هذا المجال ينطوى على تفريط فى الأمن والمصلحة والمكانة. لمصر مصالح حيوية فى الملاحة والطاقة مرتبطة بمضايق وبحار بعيدة، وحماية هذه المصالح يحتاج قدرات متقدمة لها تكلفة.

فى الشرق الأوسط هناك جماعات لا تتردد فى إشهار السلاح فى وجه السلطات من أجل تحقيق أهدافها، وهناك طوائف وعرقيات مستعدة للقتال من أجل ما تتصوره حقا لها، ووراء كل هذا تقف دول تتلاعب بمشاعر عدم الرضا من أجل توسيع نفوذها وتأكيد هيمنتها. فى الشرق الأوسط هناك شيعة وأكراد وحوثيون وحزب الله والحشد الشعبى وداعش والقاعدة وسلفيون جهاديون وفوضويون ثوريون، وهناك أيضا إيران التى تتلاعب ببيضة الطائفية وحجر الإرهاب لتوسيع نفوذها، وهناك تركيا التى تحاول مجاراة إيران فى ذلك، وهناك أيضا قطر المستعدة لتقديم الخدمات لمن يحتاجها من بين كل هؤلاء.

وفقا لأقل التقديرات فإن 350 ألفا من الناس فقدوا حياتهم فى صراعات الشرق الأوسط منذ عام 2011. أغلب هذا العدد سقط فى سوريا والعراق، لكن اليمن وليبيا وكردستان والبحرين ولبنان ومصر كلها كان لها نصيب فى هذا العدد. الملايين من البشر أجبروا على الرحيل عن ديارهم بسبب ظروف الصراع فى بلادهم. السورين هم أكثر ضحايا اللجوء فى الشرق الأوسط، فأكثر من نصف الشعب السورى إما نازحا داخل سوريا أو لاجئا خارجها. لكن السوريين ليسوا وحدهم فى هذه المصيبة، فهناك أيضا عراقيون ويمنيون وليبيون وأكراد، فالشرق الأوسط هو أكبر مصدر للاجئين على مستوى العالم فى الوقت الراهن. التكلفة الاقتصادية للصراعات فى الشرق الأوسط - حسب صندوق النقد الدولى - تزيد على تكلفة الصراعات المماثلة فى مناطق العالم الأخرى بأكثر من الثلث. منذ دخلت المنطقة مرحلة الصراعات الراهنة تقلص الدخل الوطنى لسوريا بمقدار النصف، وتقلص الدخل الوطنى لليمن بنسبة 35%، وتراجع الدخل الوطنى فى ليبيا بمقدار الربع.

عندما تحدث كل هذه الصراعات من حولنا، وعندما تكون للصراعات فى منطقتنا كل هذه التكلفة، فإن استغراب البعض من صفقات السلاح التى يجرى عقدها يصبح فى حد ذاته مدعاة للاستغراب. الصراعات فى منطقتنا باهظة الكلفة، وكل دولار يتم إنفاقه على التسلح يسهم فى تجنيب بلدنا هذه الكلفة. الاستثمار فى الأمن ضرورى لحماية الاستثمارات التنموية، فالتسلح فى الشرق الأوسط هو قرار عقلانى واستثمارى سليم.

الصراعات فى المنطقة أثرت على الأوضاع الأمنية والاقتصادية فى مصر، ولكن بلدنا نجح فى تجنب أسوأ السيناريوهات المخيفة. الإرهاب يهدد أمننا، لكننا نجحنا فى محاصرته فى مثلث ضيق فى شمال سيناء. بعض المصريين من أهل العريش وجوارها أجبروا على النزوح عن ديارهم، لكن أعدادهم القليلة سهل استيعابهم بكرامة فى وطنهم الكبير. العنف والإرهاب أضرا بالاقتصاد الوطني، خاصة فى قطاعات الاستثمار والسياحة، لكن الاقتصاد المصرى عاد بقوة ليحقق معدل نمو تجاوز الخمسة بالمائة. نجاح الجيش المصرى فى تحقيق مرتبة متقدمة فى مجال القوة العسكرية لم يحدث بسبب المبالغة فى الإنفاق، وإنما بسبب الحرص فى استخدام المعدات، والصيانة عالية الجودة، وتطوير المعدات الموجودة بالخدمة بتكلفة مناسبة.

هناك أشياء كثيرة يجب القيام بها من أجل تحقيق الأمن، لكن ما لم تكن هناك قوة مسلحة قادرة على الردع والرد، فإن أى شيء آخر لن يكون كافيا لإيقاف التهديدات. القوة المسلحة هى الشرط الضرورى لمواجهة التهديدات، وإن لم تكن شرطا كافيا لتحقيق ذلك. معضلة السلاح والتنمية معضلة قديمة، فالتنمية ضرورية لتمويل التسلح، والتسلح ضرورى لحماية التنمية، والسؤال المطروح دائما يتعلق بالنسبة السليمة للمزج بينهما. تحسن مؤشرات الاقتصاد ونجاحنا فى حماية الأمن الوطنى - رغم التهديدات - يشير إلى أن مزيج التنمية والأمن فى بلدنا عقلانى وواقعى.


لمزيد من مقالات د‏.‏ جمال عبد الجواد;

رابط دائم: