يدور في الولايات المتحدة الأمريكية صراع منذ سنوات طويلة بين الكونجرس وبين الرؤساء الأمريكيين بعد أن صدق الكونجرس على قانون سفارة الولايات المتحدة في القدس" فى عام ١٩٩٥، الذي نص على «الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وعلى نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس»، ولكن كل الرؤساء الذين شغلوا المنصب منذ ذلك التاريخ عطلوا تنفيذ ذلك حتي جاء الرئيس دونالد ترامب الذي يبدو أنه يراهن علي إنجاز هذه الخطوة غير المبررة وغير المأمونة العواقب، والتى ستكون لها انعكاسات خطيرة على استقرار العالم وليس على المنطقة العربية فحسب.
فمنذ سنوات عديدة يكاد لا يمر عام إلا وطرحت مسألة نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهذا العام تطرح مسألة نقل السفارة من جديد إلى القدس، بيد أن هذه المرة مختلفة عن المرات السابقة، لأنها تأتي في ظل إدارة يقودها رجل من طراز جديد أقل ما يقال عنه إنه رجل الصدمات الكبيرة، وهو الرئيس الأمريكي ترامب بكل ما أثير حوله منذ حملته الانتخابية وحتى فوزه بكرسي الرئاسة.
وكان مسئولون أمريكيون قد كشفوا الأسبوع الماضي أن ترامب يدرس خطة يعلن بموجبها القدس عاصمة لإسرائيل، ليسلك بذلك نهجا مخالفا لما التزم به أسلافه، الذين طالما أصروا على ضرورة تحديد هذه المسألة عبر المفاوضات. ويشار إلى أن إسرائيل احتلت القدس الشرقية عام ١٩٦٧، وأعلنت لاحقا ضمها إلى الجانب الغربي من المدينة، معتبرة إياها عاصمة موحدة وأبدية لها، وهو ما يرفض المجتمع الدولي الاعتراف به.
وأظهر استطلاع للرأي نشر الأسبوع الماضي أن غالبية الأمريكيين (٦٣%)، تعارض نقل سفارة بلادهم من تل أبيب إلى القدس، فيما أعرب ٨١% من المستطلعة آراؤهم عن عدم ثقتهم بدور جاريد كوشنر، صهر وكبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب، كمبعوث خاص للسلام في الشرق الأوسط. وأكد الاستطلاع الذي نظمه معهد «بروكينجز» للأبحاث في واشنطن بعنوان «الشرق الأوسط وروسيا: مواقف الأمريكيين من السياسة الخارجية لترامب»، أن ٥٩% من الأمريكيين طالبوا إدارة ترامب باتخاذ موقف محايد من الفلسطينيين والإسرائيليين، وقال ٥٧% إن سياسة ترامب هي في حقيقة الأمر منحازة إلى جانب الطرف الإسرائيلي. وحول سياسة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة طالب ٤٣٪ من مجمل المستطلعة آراؤهم بفرض عقوبات اقتصادية وضغوط جدية على إسرائيل، وبلغت النسبة إلى ٥٧% في أوساط الحزب الديمقراطي. وفي الوقت الذي يدور فيه الحديث عن خطوة ترامب المرتقبة، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، أن جهات في البنتاجون ووزارة الخارجية الأمريكية، حذرت ترامب من أبعاد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وشددت على أن هذا القرار من شأنه أن يشعل الغضب الفلسطيني ويقود المنطقة لتوتر وتدهور أمني. وحسب التقديرات، هناك ضغوط كبيرة تمارس على ترامب من جانب ناخبيه الذين يريدون منه أن ينفذ وعوده الانتخابية، والتي كان من ضمنها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس. وتعتبر خطوة نقل السفارة والاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، فى حال اتخاذها، خطوة مستفزة تنهي سياسة أمريكية استمرت عقودا، وتهدد بزيادة التوترات في الشرق الأوسط. مسألة نقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس كانت دائمًا وعدا من رؤساء أمريكا أثناء خوضهم الانتخابات الرئاسية، إلا أن هذا الوعد لم يستطع أي منهم تحقيقه. فجورج بوش الابن قال في عام 2001، «في يومه الأول في المكتب البيضاوي، سأنقل السفارة الأمريكية إلى القدس». في حين قال الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، إنه يدرس نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، حتى إن «لدينا قطعة أرض جاهزة لذلك». وفي عام ١٩٨٤ قال الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، «ربما أدرس نقل السفارة الأمريكية إلى القدس»، وكذلك وعد ترامب بالأمر ذاته. ولا شك فى أن قرار نقل السفارة إلى القدس، سيؤدى إلى موجة إدانات من دول حليفة لواشنطن بالشرق الأوسط، كما أن هذه الخطوة ستقوض مسعى إدارته الوليد باستئناف محادثات التسوية الفلسطينية الإسرائيلية المتوقفة منذ وقت طويل.
رابط دائم: