رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حينما ابتسمت لى شادية

أمل الجيار
كنت أستعد لكتابة بابى الأسبوعى عن الحكايات القديمة حينما دخل غرفتى بالأهرام صديق قديم هو أحمد عبد الفتاح عاشق الاثار المصرية القديمة وحافظ تاريخ الإسكندرية بحواريها وأزقتها ومبانيها وحكايات أهاليها عن ظهر قلب ، ل وهو يلهثوالدموع تلمع فى عينيه «زهرة ماتت» فأصبت بالذعر وقلت «زهرة» من ؟ خشية أن تكون أحد أفراد عائلته ، فقال وهو ينظر لى غضباً «شادية يا أستاذة » فقلت لكنك نطقتها زهرة ، ربما أخطأت فى الاسم من شدة الحزن .. فقال وهو غاضب .. زهرة يا أستاذة هى نفسها الفنانة شادية فى فيلم «ميرامار » ثم قال لا أستطيع أن أنسى ابتسامتها الودودة حينما رأيتها فى شتاء عام ١٩٦٥فى محطة الترام فى الرمل بينما كنت أهبط من عربة الترام ..

..................................

وما أن سمعت كلماته الحزينة حتى إعتدلت فى جلستى وقررت أن يكون بابى هذا الأسبوع عن الراحلة الجميلة الرقيقة « زهرة » عفواً « شادية » من واقع حكايات أحمد عبد الفتاح الذى قال أتذكر يوم رأيتها وكأنه كان بالأمس القريب ، كان يوماً ممطراً وكنت أستعد للنزول من الترام عند الوصول الى محطة الرمل وما أن نزلت السلالم حتى رأيت أمامى الجميلة الرقيقة شادية تقف على رصيف المحطة تتأمل الركاب الصاعدين والنازلين وكأنها ترصد حركتهم فى صعودهم ونزولهم وتقرأ وجوههم لتختزن فى ذاكرتها ما تحتاجه فى عملها الفنى وبالطبع لم يتنبه لها أحد ، فقد كانت ترتدى زى الفلاحين وتضم على رأسها ( منديل بأويه ) وكان وجهها صبوحاً رغم المساحيق الموضوعة عليه ، ولكننى عرفتها على الفور فقد كنت شاباً فى كلية الآداب وكنت أعشقها وأتابع أعمالها وكنت أعرف أنها موجودة بالإسكندرية لتصوير فيلم «ميرامار» الذى كان حديث السكندريين والجرائد وقتها .

وما أن وقعت عينى عليها حتى شاهدتها ورأيت الفنان عبد المنعم إبراهيم يجرى وراءها ممسكاً بلفافة من الجرائد مرتدياً جلبابا بلديا وبالطو صوف فوقه فقد كان الجو ممطراً ثم توقف ليتحدث معها .. وعندها تسمرت من السعادة فانتبهت هى الى أننى عرفت شخصيتها الحقيقية فابتسمت لى بود غير مصطنع فحييتها برأسى وقلت لها «إزيك يا أستاذة شادية» فقالت «إسكندرية حلوة أوى » فقلت لها : حلوة بيك وبقت أحلى لسببين أولهما وجودك فيها وثانيهما الشتاء فشكرتنى بأدب وود وقال «ح تشوف الفيلم إن شاء الله وح يعجبك » ومضت فى طريقها ولكن ابتسامتها الودودة ووجهها الصبوح لم يرحلا من مخيلتى أبداً …والقصة الثانية التى حكاها لى عبد الفتاح كانت حينما أقامت إذاعة الإسكندرية حفلها عام ١٩٦٠ فى حديقة الإذاعة بحضور الدكتور عبد القادر حاتم وزير الإعلام ونخبة جميلة من المجتمع الراقى من رجال وسيدات المدينة وكانت فقرات الحفل تتكون من الفنان عبد المطلب والراقصة نجوى فؤاد وحينما حان دور الفنانة شادية اختبأت فى الكواليس لأكون قريباً منها وأستمتع بغنائها وأتذكر أنها غنت أغنية ( واحد اتنين ) والكثير من أغنياتها الخفيفة التى يعشقها السكندريون ولكن المشهد الذى لا ينمحى من ذاكرتى هو كان حينما كان مدير أعمالها يقترب منها بين الحين والآخر فى الإستراحة مصطحباً معه بعض البسطاء أصحاب الحاجة فكانت تقابلهم بإبتسامة ودودة قريبة من القلب وكانت تمد يدها الى كيس نقودها وتجود بما يطلبه المحتاج بكل رقة ..

أما القصة الثالثة والكلام مازال على لسان عاشق الإسكندرية أحمد عبد الفتاح فكانت عن شادية الإنسانة التى يقول إنها كانت زبونة دائمة فى أحد محلات البقالة فى سوق أبو شبانة بمنطقة باكوس ، وكان كثيراً ما يراها وخاصة فى فصل الصيف عام ١٩٥٨ وهى تدخل الى دكان البقالة الضخم (دوبان ) الذى كان مشهوراً وقتها بأبوابه الأربعة ليستقبلها صاحب المحل ويعد لها كرسى مخصوص بجانبه ليكتب طلباتها ويرسل العاملين لإعدادها وغالباً ما كانت تطلب أشياء محددة هى البسطرمة والجبن والبيض وكان يحضر معها فى بعض الأحيان الفنان كمال الشناوى وسعيد أبو بكر، وما يتذكره عبد الفتاح أن الفنانة شادية كانت دائماً فى قمة أناقتها و كانت ملابسها تعتمد على الأناقة البسيطة والبعد عن البهرجة وكذلك طريقة تصفيف شعرها وما كان يميزها هو ( القُصة ) التى تسقط على جبينها فتمد يدها لتضبطها بين الحين والآخر ، وكان كثيراً ما يسمع صاحب الدكان وهو يهلل مرحباً بجملته الشهيرة «اتفضلى يا شادية هانم». ، وكان بعض المترددين على المحل يكتشفون وجود الفنانة شادية فيسارعون لتحيتها فترد بجملة لطيفة وابتسامة رقيقة تترك أثراً طيباً فى نفس كل من التقاها حتى أن أحدهم قال لى أن إبتسامتها كانت دائماً جاهزة على وجهها بدون تكلف وبمنتهى الطبيعية .

وبالطبع لا يمكن لأحد من السكندريين أن ينسى مشاهد الفيلم الأشهر لشادية «الزوجة رقم ١٣» والذى صورت أغلب مشاهده فى فندق «البوريفاج» القديم والذى كان يقع فى منطقة جميلة على شاطئ البحر ويقول عبد الفتاح أن إختيار هذا الفندق بالتحديد لتصوير الفيلم كان بسبب جمال موقعه ولأنه كان له شاطئ خاص بالإضافة الى أنه كان المكان المفضل للفنانين العظام الذين عاشوا فى هذا الزمن الجميل أمثال فريد شوقى وفريد الأطرش ومحمود المليجى وزوجته علوية جميل وكان ملتقى العائلات الراقية بالمدينة لما كان يتميز به من حديقة مشمسة رائعة تتوسطها بركة أسماك ذات أحجار جميلة تحاكى مثيلاتها فى اليابان .

أما عن فندق «ميرامار» الذى لعبت بطولة الفيلم الذى يحمل نفس الاسم شادية فهو فى الأصل “ لوكاندة فؤاد” التى تحتل ثلاثة أدوار فى العمارة الرائعة التى تقع فى محطة الرمل فى مواجهة البحر وتحمل زخارف ملونة وجميلة وتعد من أجمل المبانى بالمدينة و صممها المعمارى الإيطالى «جياكومو أليسندرو لوريا» عام 1926 .. وفى النهاية رحلت زهرة أو شادية وبقى «ميرامار» المبنى وذكرياته الجميلة والحكايات العطرة لشادية مصر .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق