رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ما قبل بئر العبد وما بعدها

هجوم الإرهاب فى بئر العبد كان صادما، لكنه لم يكن مستبعدا. أصابنا الإحساس بالصدمة بسبب عدد الضحايا الكبير، وبسبب حرمة المسجد التى تم انتهاكها. مذبحة الروضة لم تكن مستبعدة لأننا جميعا فى أعين الإرهابيين كفار، ولأن فكر الإرهابيين المنحرف زين لهم قتلنا طريقا وحيدا للجنة. الخليط المدمر للنفوس المريضة والأفكار المنحرفة جعل هؤلاء فى حالة تعطش دائم للدماء، وجعلهم مبدعين لكل ما هو جديد فى قسوة القتل. ما فعله الإرهابيون فى العراق وسوريا يشهد على عقائدهم، وما يدور فى رءوسهم، ومنه ندرك ما يدبرونه لنا. لقد قتلوا المصلين هناك، وحرقوا الأسرى، وقطعوا رؤوسهم، وأغرقوهم، واغتصبوا النساء، بعد أن حولوا الحرائر إلى سبايا. لكل هذا فإننا يجب ألا نفزع أو نتفاجأ بمجزرة الروضة على بشاعتها، ولكن علينا فقط أخذ الأمر بكل جدية، فالخطر حقيقي.

إرهابيو داعش كائنات دموية، تعيش حالة بحث دائم عن ضحايا يقتلونهم. إسلام الدواعش ليس فيه امرأة دخلت الجنة فى قطة أطعمتها، وليس فيه بنو آدم وقد تم تكريمهم، إنما فيه حديث منقول عن الرسول يقول فيه إن الله يحب أن تراق الدماء فى سبيله، وفيه حديث منقول آخر عن أن الله جعل رزق المؤمنين تحت أسنة رماحهم. الإرهابيون لم يهاجموا مسجد الروضة بسبب تجمع الصوفيين فيه، ولكن لأنهم يريدون سفك الدماء. فى المرة المقبلة قد يعتدى الإرهابيون على المصلين فى مسجد لأن فيه ضريحا، أو لأن إمام الجمعة فيه يدعو لولاة الأمر بالتوفيق، أو لأن دروس العصر فيه تتبع مذهب الأشاعرة. الأفكار المسمومة التى يتعاطاها الإرهابيون تبرر لهم أى شيء، فالمهم هو القتل، وليس أسبابه.

سننزع عقيدة التطرف من الرؤوس، ولكن هذه مهمة ننجزها فى المدى البعيد. سنحقق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية فى المناطق المحرومة، لكن هذا لن يكون ممكنا قبل القضاء على إرهاب لا يطيق أن يرى الدولة تخدم الشعب وتتواصل معه. مصر ليست الأفقر بين دول العالم، والتفاوت الاجتماعى فيها ليس الأسوأ بالمقارنة مع الدول الأخرى، ونظام الحكم عندنا يحتاج لإصلاحات حتى يصبح ديمقراطيا فعلا، ولكننا لسنا الوحيدين الذين نمر بمثل هذه المرحلة الانتقالية. مع هذا فإن الإرهاب عندنا أكثر خطورة وخبثا مما نجده فى بلاد تأتى بعدنا فى كل شيء. الفقر والتفاوت الاجتماعى ونقص التنمية والديمقراطية تزيد الإرهاب لكنها لا تخلقه. غياب الأفكار المسمومة عن مجتمعات تقف خلفنا فى النمو والتطور الاجتماعى والاقتصادى عصمها من الإرهاب. وجود عقيدة الإرهاب المسمومة بين ضفاف كتبنا وفى عقول بعضنا هو السبب الأول والثانى والثالث للإرهاب، وبعد هذا يأتى أثر أى شيء آخر. لا بديل عن اجتثاث عقيدة الإرهاب من الرؤوس سوى اجتثاث الإرهابيين أنفسهم، وهذه هى الخيارات المحدودة التى تركها الإرهابيون لنا.

توفير الأمن له تكلفته. قتل المصلين فى المساجد يدل على أن توفير الأمن لم يعد أمرا مفروغا منه. فرط اليأس بين الإرهابيين، مثله مثل فرط الفجور والاستقواء، ينتهى بهم إلى مهاجمة أهداف مدنية سهلة لا تتمتع بأى حماية، فحرموا الناس من الأمن فى دور العبادة، وأماكن العمل، وربما المساكن أيضا. الأمن مطلب عزيز، لا مفر من أن ندفع مقابل الحصول عليه ما يساوى حياة الأبرياء وكرامتهم. لن يخصص المواطنون جزءا من دخلهم لشراء السلاح وتحصين الأبواب، فالدولة تتولى توفير الأمن وإعمال القانون نيابة عنا، ومن ميزانيتها يجب أن يذهب جزء أكبر لتوفير الأمن، وما علينا سوى دفع المستحق من الضرائب، فالأمن ليس سلعة مجانية، حتى لو لم يكن يباع فى الأسواق.

نحتاج مؤسسات أمن قوية، ونحتاجها متطورة تكنولوجيا، وذكية أيضا. بعد الاعتداء على المساجد أصبح عدد الأهداف المطلوب حمايتها كبيرا جدا، ومالم يتم تعزيز القوات بأحدث تكنولوجيا المراقبة والاتصال والانتقال، فإن قوات الأمن تواجه خطر التشتيت والاستنزاف. ممولو الإرهاب لا يبخلون عليه بأحدث تكنولوجيا يمكنهم شراءها، وأجهزتنا الأمنية يجب أن تكسب سباق التحديث التكنولوجي. لو أن طائرات بدون طيار تسجل ثانية بثانية كل ما يجرى فى مناطق وجود الإرهاب فى سيناء، لصعب على الإرهابيين مفاجأة الحواجز الأمنية أو مساجد عباد الله الآمنين. لو أن الصور التى يتم جمعها يجرى تحليلها لحظيا بواسطة حواسب متقدمة، تتعرف على الوجوه وأنواع السيارات وحمولاتها، لحرمنا الإرهابيين من ميزة المفاجأة. لو قوات الأمن تنتقل - عند الحاجة - بالمروحيات لقللنا زمن الاستجابة الفاصل بين بدء الهجوم الإرهابى ووصول القوات. هل يبدو هذا التصور شبيها بأفلام الخيال العلمي، ربما، لكن ما يفعله الإرهاب بأهلنا مفزع أكثر من كل أفلام الرعب، ولا أقل من أن نواجهه بأرقى إبداعات التخيل العلمي.

الفصل والتمييز بين الإرهابيين والسكان المدنيين يجب أن يكون كاملا وواضحا. المواطنون الصالحون يقودون سيارات مرخصة لها لوحات معدنية قانونية، الإرهابيون فقط هم من يقودون سيارات غير مرخصة بغير لوحات معدنية. فرض القيود على امتلاك سيارات الدفع الرباعى يحرم الإرهابيين من ميزة التحرك بحرية مستخدمين هذه النوعية من السيارات. حمل السلاح، ناهيك عن التجارة فيه، يجب أن يتم حظره تماما وبلا استثناء، فيكون كل من يحمل السلاح إرهابيا. المواطنون الصالحون يجب ألا يتحركوا على طرق ومدقات صحراوية خطيرة بعد وقت معين، فيسهل اصطياد الإرهابيين حال ظهورهم على الطرقات.

نحتاج تعاونا أرقى بين الأمن والسكان المدنيين. ليس مطلوبا من الأهالى حمل السلاح أخذا بالثأر، ولكن المطلوب منهم تقديم ما يصل إليهم من معلومات. هناك معلومات كثيرة معروفة للأهالى لا تعرف جهات الأمن عنها شيئا. هويات الإرهابيين، وأماكن اختبائهم، وأساليب تخفيهم، وطرقهم فى الحصول على الإمدادات اللازمة لمواصلة الحياة، كل هذه معلومات شديدة الأهمية لو أنها متاحة للجهات الأمنية.

مساعدة الدولة لمعاقبة القتلة هو حق شهداء بئر العبد على أهلهم فى سيناء. أما حق الشهداء وحقنا جميعا على الدولة فأن تجعل من مجزرة الروضة بداية لمرحلة جديدة مختلفة نوعيا فى الحرب على الإرهاب.

لمزيد من مقالات د.جمال عبد الجواد

رابط دائم: