رئيس مجلس الادارة
عبدالمحسن سلامة
رئيس التحرير
علاء ثابت
تجمعت سحب التوتر السياسى فى سماء الشرق الأوسط خلال الأسبوعين الماضيين، وبدت المنطقة وكأنها على حافة حرب كبرى. تسارعت الجهود لتفكيك الأزمة ونزع فتيلها، فابتعدت المنطقة عن حافة الهاوية، وباتت الحرب وراءنا. لن تنشب الحرب هذه المرة، لكن المنطقة حبلى بأجنة حروب كثيرة، وما لم يتم إجهاض هذا الحمل الشرير، فالأرجح هو أن تخرج واحدة من الأزمات الكثيرة التى تعصف بمنطقتنا عن السيطرة، وتتحول إلى حرب كبرى. ثلاثة صراعات كبيرة تهدد سلام المنطقة، وكلها تدور حول إيران. هناك صراع أمريكى - إيراني، وهناك صراع إسرائيلى - إيراني، وهناك أيضا صراع سعودى - إيراني، وهذا الصراع الأخير هو فى حقيقته صراع عربى - إيراني، تتصدر العربية السعودية التكتل العربى فيه بسبب عدة عوامل، أهمها الجغرافيا. لقد أصبحت إيران مركزا للصراع فى المنطقة ليس لأن أعداء إيران يستهدفونها، وإنما لأن إيران تركب موجة ثورية توسعية عالية، وضعتها فى مواجهة كل هذه الأطراف دفعة واحدة. الإستراتيجية الإيرانية بسيطة وفعالة، فإيران تحرض وتدعم الأقليات الشيعية فى بلاد المنطقة، وتحولها إلى أذرع وأدوات للسياسة الإيرانية. كل الأقليات فى منطقتنا قابلة للتحريض بسبب التمييز الممارس ضدها. حالة الأقلية الشيعية هى الأكثر خطورة بسبب وجود دولة رئيسية - إيران- ترفع راية الدفاع عن الشيعة، وتجعل من نفسها المتحدث باسمهم. إيران تستثمر فى تحريض وتنظيم وتسليح الشيعة، حتى أصبحت إيران فى ظل نظام ولاية الفقيه نوعا من الخلافة الشيعية، وأصبح المرشد الأعلى فى مقام الخليفة للمسلمين الشيعة المنتشرين من الشرق الأقصى حتى وسط إفريقيا. كثيرون بين الشيعة العرب يقاومون التلاعب الإيراني، لكن عددا كافيا منهم يتجاوب مع المخططات الإيرانية، ولو على مضض. التطورات السياسية فى لبنان والعراق وسوريا مكنت إيران من اختطاف هذه البلدان الثلاثة عبر توظيف التضامن المذهبي. الهلال الشيعى الممتد من إيران حتى البحر المتوسط، والذى حذر منه عاهل الأردن عبدالله الثانى قبل أكثر من عشر سنوات، بات اليوم حقيقة واقعة. العقيدة السياسية -الدينية للنظام الإيرانى تجعل السعودية النقيض الموضوعى لكل شيء يتبناه نظام طهران، بدءا من المذهبية الشيعية، وادعاء تمثيل صحيح الدين، وصولا إلى النهج الثوري، ومعاداة الغرب، ناهيك عن أن جزيرة العرب كانت مصدر الدعوة الدينية والخزان البشري، الذى خرجت منه موجات الفرسان العرب، الذين اجتاحوا بلاد فارس، فأخضعوها للحكم العربى الإسلامي. توسع إيران فى القوس الشمالى المحاذى للحدود السعودية يشعر السعوديين بالقلق. امتداد النفوذ الإيرانى لليمن، وإطلاق الصواريخ الإيرانية من هناك، باتجاه العاصمة الرياض، يشعر السعوديين بالحصار، ويجعل الوضع بين البلدين قابلا للانفجار فى أى لحظة. الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس ترامب لها تحفظات كثيرة على الاتفاق النووى الذى تم عقده مع إيران قبل عامين. ترى أمريكا أن هذا الاتفاق أطلق يد إيران للتوسع فى المنطقة، وأنه، وإن أجل لبعض الوقت -عشر سنوات- عسكرة البرنامج النووى الإيراني، فإنه سمح لإيران بمواصلة تطوير الصواريخ، حتى أصبحت عواصم المنطقة فى مدى صواريخ إيران، والتى قد تصل لحد القدرة على حمل رءوس نووية بحلول أجل الاتفاق النووي. الرئيس الأمريكى يتحين الفرصة للتملص من قيود الاتفاق النووي، ولتوجيه ضربة لقدرات إيران النووية والصاروخية. عارضت إسرائيل الاتفاق النووى مع إيران منذ اللحظة الأولى، وكان تبنى إدارة أوباما هذا الاتفاق واحدة من المناسبات القليلة التى تجاهلت فيها الولايات المتحدة وجهة نظر إسرائيل فى قضية جوهرية أمنيا واستراتيجيا. تداعيات الحرب فى سوريا أضافت لأسباب التوتر بين إيران وإسرائيل. مع اقتراب الحرب فى سوريا من نهايتها، نجحت إيران فى نشر أعداد كبيرة من قواتها على الأرض السورية، وشرعت فى بناء قاعدة عسكرية إيرانية جنوب شرق العاصمة دمشق، بالإضافة لأعداد كبيرة من الميليشيات الشيعية العاملة تحت الإمرة الإيرانية، والمستقدمة من أفغانستان وباكستان والعراق، بالإضافة إلى ميليشيا حزب الله اللبنانية. لقد تغيرت الجغرافيا، وأصبحت إيران جارة لإسرائيل، فيما صار نظام بشار الأسد أكثر تبعية واعتمادا على إيران، وبات حزب الله أكثر تمرسا وتسليحا، خاصة بالصواريخ الإيرانية التى يمكنها تغطية نصف إسرائيل الشمالى كله. إسرائيل ترفض تغيير الجغرافيا السياسية المحيطة بها إيرانيا، وتستهدف تدمير البنية العسكرية لحزب الله، وكلها أهداف لا يمكن تحقيقها بغير اللجوء للحرب. استقالة الرئيس الحريرى كشفت الغطاء عن النظام اللبنانى الخاضع لسيطرة حزب الله وإيران، وبدا الأمر كما لو كانت هذه هى الفرصة المناسبة لبدء الحرب ضد إيران بدءا من لبنان. تم تجنب الحرب هذه المرة عبر جهود دبلوماسية بذلتها مصر وعواصم أوروبية، وساعد على ذلك اضطراب ظروف إسرائيل الداخلية، فيما الرئيس الأمريكى يبدو مترددا بين الرغبة فى ضرب إيران من ناحية, وحرصه على أن يقوم طرف آخر بالمهمة نيابة عنه من ناحية أخرى. إيران، من ناحيتها، تدرك عمق التناقضات بينها وبين الجيران، لكنها تراهن على استمرار حالة الخوف من الحرب، وحالة عدم الاتفاق بين أعدائها، حتى تفوز بفسح إضافية من الوقت تتيح لها هضم ما ابتلعته من بلاد المنطقة. الحرب مدمرة ويجب عدم الاستهانة بتداعياتها. قد نتوقع نصف تداعيات الحرب، أما نصفها الآخر فعادة ما يأتى أسوأ من كل توقعاتنا، فلا نعرفه إلا عندما يصبح واقعا نراه بأعيننا، ولنا فى كل الحروب التى شهدتها المنطقة على مدى العقود الأخيرة خير بيان. الحرب مدمرة، ونتائجها غير مؤكدة، وعلينا بذل كل الجهد لتجنبها فى كل مرة تشتعل فيها أزمة جديدة تأخذنا إلى حافة الهاوية، أملا فى أن تتاح لنا مع الوقت فرصة لتسوية سلمية لا تبدو ممكنة حتى الآن. لكن حجم وعمق التناقضات فى المنطقة يجعل وقوع الحرب مؤكدا، وفيما سيكون مطلوبا منا العمل على تأجيل وقوع الحرب فى كل مرة تلوح فيها بوادرها، فإن الحرب تبدو نتيجة حتمية لاستمرار الأوضاع الراهنة، وعلينا الاستعداد لهذا الاحتمال كما لو كانت الحرب ستنشب غدا. لمزيد من مقالات د.جمال عبدالجواد