رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

السياسة المالية وعدم المساواة

«إن سياسة المالية العامة يمكن أن تُحْدِث فرقا كبيرا فى معالجة عدم المساواة؛ وأن الكفاءة والعدالة يجب أن يسيرا يدا بيد» هذه هى خلاصة التقرير نصف السنوى عن الرصد المالى الذى أصدره صندوق النقد الدولى مؤخرا والذى يطرح المشكلة الأساسية للسياسة المالية وهو ما اكده الرئيس عبد الفتاح السيسى فى لقائه الأخير مع رئيس الوزراء ووزير المالية حيث طالب بتعزيز شبكات وبرامج الحماية الاجتماعية بهدف احتواء تداعيات برنامج الإصلاح على الطبقات الفقيرة، وأيضا الالتزام بترشيد المصروفات العامة وهى المتطلبات الأساسية للنجاح وهنا يشير التقرير الى أن السياسة المالية مسئولة عن جانب كبير من عدم المساواة، مؤكدا انه لا توجد استراتيجية موحدة تصلح لجميع البلدان، فإعادة التوزيع ينبغى أن تعبر عن ظروف كل بلد، والضغوط الأساسية التى تتعرض لها الموازنة العامة، والتفضيلات الاجتماعية، والقدرات الإدارية والضريبية لدى الحكومة. كذلك لا يمكن النظر للضرائب والانفاق الاجتماعى على حدة. فالبلدان تحتاج إلى تمويل البرامج الاجتماعية، ومزيج من الأدوات الذى يجمع بين الضرائب والتحويلات الاجتماعية مما ينعكس على العدالة، وبينما قد يكون لبعض السياسات آثار متضاربة على النمو والتوزيع، توضح الأدلة التجريبية إمكانية تحقيق النمو الاحتوائى القابل للاستمرار باستخدام مزيج السياسات الصحيح. ومن الممكن، بل الواجب، أن تترافق الكفاءة مع العدالة. مشيرا الى انه أمام صناع السياسات كثير من الخيارات لتحقيق النتائج المطلوبة. لكل ما سبق أصبحت السياسة المالية تلعب دورا أكبر عن ذى قبل فى تعزيز النمو الاحتوائى والمستدام، لذلك اصبح ينظَر إليها باعتبارها أداة فعالة لتشجيع النمو الاحتوائي، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، لا سيما أثناء فترات الركود، وحين تصبح السياسة النقدية أقل فعالية وفى نفس الوقت، تزداد أهمية الإدارة المالية السليمة مع ارتفاع مستويات الدين ووجود تحديات ديمجرافية طويلة الأجل، ولذلك ينبغى أن ترتكز السياسات على إطار موثوق للمدى المتوسط يضمن بقاء الدين فى حدود يمكن تحملها، وادارة المخاطر بكفاءة، كما يتعين فهم المخاطر وادارتها بصورة أفضل نظرا لما يحيط بالآفاق من عدم يقين كبير، إلى جانب الأعباء التى تتحملها الموازنة العامة، ومن ثم أصبحت عملية صنع السياسة المالية مهمة شاقة اذ تتطلب تحقيق نتائج أكبر بجودة أفضل فى بيئة أكثر تعقيدا فى ظل ارتفاع المخاطر التى تهدد الاقتصاد الكلي.

وعلى وجه الإجمال، هناك ثلاثة أهداف رئيسية ينبغى الاسترشاد بها فى إدارة المالية العامة، مع الأخذ فى الحسبان القيود الخاصة بمحدودية موارد الموازنة والمفاضلات التى قد يتعين إجراؤها، مما يحد من قدرة الحكومات على تحقيقها بشكل متزامن، وبالتالى يجب أن تعتمد الاستجابة المالية على أدوات الضبط التلقائى بصفة أساسية، وأن تتسم بالاتساق (أى تتوسع فى أوقات العسر وتتقشف فى أوقات اليسر) ويمكن تحقيق الإصلاحات الهيكلية وكسر دائرة الدين والانكماش عبر ثلاث آليات وهى الضرائب التصاعدية، والدخل الأساسى المعمم، والإنفاق العام على التعليم والصحة. ويخلص التقرير الى وجود إمكانية كبيرة لزيادة تصاعدية الضرائب دون إعاقة النمو، ما دامت تصاعدية غير مفرطة. اذ يمكن تعزيز الاستثمار من خلال نظم ضرائب أكثر دعما للنمو، ويساعد على تنشيط ديناميكية الاعمال. فتحسين كفاءة النظام الضريبى مسألة مهمة جدا لتعزيز الإنتاجية لأنها تقلل التشوهات التى تحول دون توجيه الاستثمارات إلى الأنشطة الأكثر إنتاجية ولذلك: تستطيع الدولة جنى مكاسب كبيرة على صعيد الإنتاجية من خلال الحد من سوء توزيع الموارد بين الشركات الذى ينشأ نتيجة السياسات الحكومية أو الأسواق ضعيفة الأداء التى تسمح لمنشآت الأعمال الأقل كفاءة بالحصول على حصة فى السوق على حساب منشآت الأعمال الأكثر كفاءة، وتوضح التقديرات أن ازالة التشوهات المسببة لسوء توزيع الموارد يمكن أن تولد مكاسب ضخمة فى الإنتاجية، وترفع معدلات نمو الناتج المحلي. وبما يضمن أن تتخذ الشركات قراراتها استنادا إلى دواعى العمل، وليس لأسباب ضريبية، وينبغى أن تشجع الحكومة نمو الشركات المنتجة بأن تكفل المساواة فى معاملة الجميع. فعلى سبيل المثال، تستطيع الشركات غير الرسمية البقاء فى السوق عن طريق التحايل الضريبي، رغم ضعف إنتاجيتها. ومن خلال إحكام الإدارة الضريبية، يمكن المساعدة فى الحد من ميزة التكلفة غير العادلة التى تتمتع بها هذه الشركات مقارنة بالمنافسين الأكثر إنتاجية والتزاما بسداد الضرائب.

وثانيا الدخل الأساسى المعمم الذى يعرف بأنه تحويل نقدى بنفس المقدار لكل الأفراد فى بلد ما. اذ انه يمكن لهذه الأداة ان تحدث أثرا كبيرا على عدم المساواة والفقر لأنها تغطى كل الأفراد فى أسفل سلم توزيع الدخل. ولكن كونها معممة يعنى أنها مكلفة. ويشير التقرير الى أن إتاحة دخل أساسى معمم بنسبة 25% من المستوى الوسيط لنصيب الفرد من الدخل تنطوى على تكلفة تقدر بنحو 6.5% من إجمالى الناتج المحلى فى متوسط الاقتصادات المتقدمة، مع تباين كبير فى التقديرات باختلاف البلدان. ومن ثم، لا يمكن فصل النقاش حول الدخل الأساسى المعمم عن النقاش حول تمويله، بما يجعل تأثيره محايدا على الموازنة العامة. ومن الاعتبارات الأساسية لتطبيق هذا المقترح أن يكون متسقا مع أولويات المالية العامة الأخرى لتجنب مزاحمة الاستثمارات فى البنية التحتية والتعليم والصحة، على سبيل المثال وأسلوب تمويله، وهو ما ينبغى أن يتسم بالكفاءة والعدالة.

وثالثا المحاور التى يرتكز عليها التقرير تتعلق بالإنفاق على التعليم والصحة، فلا تزال الفجوات قائمة بين السكان المنتمين لمختلف مجموعات الدخل، من حيث فرص الحصول على خدمات تعليمية ورعاية صحية عالية الجودة. فعلى سبيل المثال، يعيش الذكور الحاصلون على تعليم بعد الثانوى لمدة أطول بنحو 14 عاما من فترة حياة الحاصلين على تعليم ثانوى أو أقل. ويمكن أن يساعد تحسين الإنفاق العام فى هذا الصدد، وذلك مثلاً بإعادة توزيع الإنفاق على التعليم أو الصحة من الأغنياء إلى الفقراء مع إبقاء الإنفاق الكلى دون تغيير كما يمكن تحقيق وفورات عن طريق تحسين استهداف النفقات وزيادة الكفاءة، وهو ما يتطلب مراجعة شاملة للنفقات، ويمكن أن تؤدى كل هذه الاجراءات إلى تحقيق بعض الموارد الإضافية، لكنها قد تكون مهمة صعبة من الناحية السياسية، وتحتاج الى إرادة سياسية قوية، ونأمل ان تكون تكليفات الرئيس لوزير المالية بداية لهذه السياسة.

لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى

رابط دائم: