رئيس مجلس الادارة
عبدالمحسن سلامة
رئيس التحرير
علاء ثابت
مصر بلد كثير السكان. عدد المصريين وفقا للتعداد السكانى الأخير هو 94.7 مليون، وفى اللحظة التى كان يجرى فيها إعلان نتيجة التعداد بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى كان عدد السكان تجاوز حاجز الخمسة والتسعين مليونا، أما فى لحظة كتابة هذا المقال فقد وصلنا إلى أكثر من 95.9 مليون، وفقا للساعة السكانية. الزيادة السكانية تضعنا فى حالة لهاث دائم لمجرد التعرف على أحدث وأدق تقدير لعدد السكان، فما بالك لو كان المطلوب ملاحقة هذه الأعداد المتزايدة بما تحتاجه من خدمات ووظائف. كل هؤلاء يعيشون على أرض مصر، ناهيك عن المصريين خارج الحدود. فمصر من أكبر بلاد العالم من حيث عدد السكان. الملايين الستة والتسعون يضعون مصر فى المرتبة الثالثة عشرة بين دول العالم، فعندما يأتى الأمر لعدد السكان فبلدنا عضو مؤسس فى نادى الكبار. غير أن الصورة تتغير بعض الشيء إذا نظرنا للأمور من زاوية معدل الزيادة السكانية. فحسب البنك الدولي، وفى عام 2016، احتلت مصر المرتبة الخامسة والسبعين من حيث معدل الزيادة السكانية، بما يعنى أن هناك 74 بلدا يزيد فيها السكان بمعدلات أعلى من معدلات الزيادة السكانية فى مصر، وهو ما قد يبرر الشعور ببعض التفاؤل. المصريون عددهم كبير، ومن المفهوم أن تكون قيمة الزيادة السنوية فى عددهم كبيرة، حتى لو قلت معدلات الزيادة السكانية. سكان مصر يزيدون كل عام بأكثر من 2 مليون نسمة، وهو العدد الذى يزيد على إجمالى عدد السكان الحالى فى 54 من دول العالم التى يقل عدد سكانها عن الاثنين مليون. فطوال العقد الماضى كان سكان مصر يزيدون بمعدل 2.56% سنويا فى المتوسط، وهى نسبة تزيد عن ضعف معدل الزيادة السكانية فى العالم، والتى تبلغ أقل من 1.2%. فهذا بلد كثير السكان، ويواصل الزيادة بسرعة، وهو ما لا يبرر الشعور بأى تفاؤل. لا داعى للحيرة، والمسألة ليست فى التفاؤل أو التشاؤم، ولكن فى الطريقة التى نقرأ بها الأرقام ونفسرها. فوفقا لقراءة معينة يبدو معدل الزيادة السكانية فى تزايد، فبعد أن كان السكان يتزايدون بمعدل سنوى متوسط قدره 2.04% فى الفترة 1996-2006، وصل معدل الزيادة السكانية إلى 2.56% فى السنوات العشر سنوات التالية. وقد ركزت البيانات التى نشرها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بمناسبة إعلان نتائج تعداد السكان الأخير على هذه المؤشرات، مما ساعد فى تعزيز الإحساس بعمق المشكلة السكانية. غير أن النظر فى الزيادة السكانية على أساس سنوي، وليس على أساس عشر سنوات، يبين أن معدل الزيادة السنوية للسكان آخذ فى التراجع منذ عام 2014. فخلال السنوات الست 2008 - 2013 كان معدل الزيادة السنوية للسكان يزيد فى كل عام عما كان عليه فى العام السابق، فزاد هذا المعدل من 1.75% عام 2007 حتى وصل إلى 2.25% عام 2013. ولكن منذ عام 2014 أخذ معدل الزيادة السكانية فى التراجع، حتى وصل إلى 2.01% فقط فى عام 2016، مما قد يشير إلى أن الأسوأ فى المشكلة السكانية قد أصبح وراءنا، وأن الأمور آخذة فى التحسن، بحيث يصبح السؤال المطلوب الإجابة عنه هو السؤال الخاص بكيفية تعزيز وتعميق اتجاه لتراجع الزيادة السكانية أصبح موجودا بالفعل. لم يكن من الممكن ملاحظة اتجاه الزيادة السكانية للتراجع إلا بتحليل البيانات الخاصة بمعدلات الزيادة السنوية للسكان، وهى البيانات التى نجدها منشورة على الموقع الخاص بالبنك الدولي، أحد أهم شركاء مصر فى مجال التنمية. وأدعو الأخ الفاضل اللواء أبو بكر الجندى رئيس الجهاز المركزى للإحصاء وكتيبة المقاتلين العاملين معه لنشر بيانات السكان بطريقة مشابهة، بما يساعد على فهم أفضل ،ومناقشة أكثر عمقا للمشكلة السكانية فى مصر. فى بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بعض مما قد يخفف المخاوف ويبعث بعض الاطمئنان بشأن المسألة السكانية. فحسب بيانات التعداد السكانى الأحدث، وصل متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة فى مصر إلى أربع أفراد، بما يشير إلى أن الأسرة المصرية فى الغالبية الساحقة من الأحوال لا تنجب سوى طفلين اثنين، وهو عدد مناسب جدا، وأن الأسر التى يزيد فيها عدد الأطفال عن اثنين هو عدد محدود للغاية، لا يبرر حالة الفزع العام التى تظهر على البعض عند مناقشة قضية السكان، كما أنها لا تبرر الحماس الذى يبديه بعضنا لاستصدار تشريعات تحرم الأطفال بعد الطفل الثالث من الدعم الغذائى والتعليم المجانى وأشياء أخرى. فالأعداد التى قد تنطبق عليها مثل هذه التشريعات محدودة جدا، والفائدة التى قد تعود من تطبيقها لا تساوى الجهد والتكاليف اللازمة لتطبيقها، خاصة أن الأسر كبيرة العدد تتركز فى المحافظات الحدودية التى لا تحتاج إلى أسباب إضافية لعدم الاستقرار، وفى ريف الصعيد شديد الفقر، الذى يحتاج لصب المزيد من الموارد لتنميته، وليس لحرمانه من بعض هذه الموارد، أيا كانت الذريعة أو الحجة. متوسط عدد أفراد الأسرة يبدو مناسبا، والأهم من هذا هو أن متوسط عدد أفراد الأسرة يتراجع بثبات وبلا تقلبات. فبينما كان متوسط عدد أفراد الأسرة 5.2 فرد فى عام 1976، فإنه وصل فى عام 2017 إلى 4.04 فرد، أى أن متوسط حجم الأسرة تراجع بنسبة تزيد على 20% خلال الأعوام الأربعين الأخيرة، وهو تراجع كبير لا يجب التقليل من أهميته. لدينا فى مصر أسر أكثر عددا لكنها أصغر حجما. فمعدل زيادة الأسر عندنا يزيد كثيرا عن معدل الزيادة السكانية. فبينما زاد عدد الأسر المصرية فى السنوات العشر الأخيرة بنسبة 35.7%، فإن هذه الأسر الجديدة لم تنتج لنا سوى زيادة فى السكان بنسبة 30.2%. وتشير هذه البيانات إلى أنه بينما يجب مواصلة الجهد لتقليل المواليد، فإن الجهد الأكبر يجب أن ينصب على إبطاء عملية تكوين الأسر الجديدة، وتأخير الإنجاب للأسر حديثة التكوين، أما الفريضة الواجبة فهى الإسراع بتحويل السكان من عبء اقتصادى واجتماعى إلى رصيد تنموي، ومن تحد إلى فرصة. لمزيد من مقالات د.جمال عبدالجواد