صدق أولا تصدق، إسرائيل تعتقل شابا فلسطينيا، لمجرد قوله " صباح الخير". هذه ليست مزحة علي الإطلاق، وإنما بالفعل، قامت السلطات الإسرائيلية، باعتقال مواطنا فلسطينيا بعد نشره تعليقا على حسابه على موقع "فيسبوك"، قال فيه، "صباح الخير عليكم". وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن السلطات وللأسف الشديد ترجمت العبارة بشكل خاطئ لتصبح "هاجموهم"، بدلا من "صباح الخير عليكم".
يبدو أن ظاهرة اعتقال فلسطينيين مواطني إسرائيل، أو الأراضي المحتلة، بسبب منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، آخذة بالانتشار في الآونة الأخيرة، وربما كانت أكثر حالة اشتهرت في هذا السياق، حالة الشاعرة دارين طاطور، التي تتواجد رهن الاعتقال منذ أكثر من عام، بتهمة نشر قصيدة على "الفيسبوك". أيضا حالة الناشط والإعلامي أنس أبو دعيبس، الذي يخضع الآن للسجن المنزلي، بعد أن تم اعتقاله بسبب مشاركة ساخرة ترجمت بصورة خاطئة.
فبعد ساعات قليلة من نشر مشاركة ساخرة بالعربية على "الفيسبوك"، في أوج موجة الحرائق التي شبت في البلاد، وجد أبو دعيبس، نفسه مكبلا بيديه ورجليه، ومتهما بالتحريض. وبعد أكثر من جلسة في المحكمة، وتمديد اعتقاله مرتين، تم إطلاق سراحه للسجن المنزلي لمدة خمسة أيام، وتم منعه من الذهاب إلى عمله، أو إلى دراسته في جامعة بن جوريون. من الواضح أن مسألة الترجمة وجودتها، تقف وراء ظاهرة اعتقال الفلسطينيين- وبالطبع الفلسطينيين فقط، لأنه من المسموح لليهود بأن ينادوا بالقتل والحرق وكل ما هو ممنوع على العرب- في أعقاب مشاركات على "الفيسبوك"، فمشاركة أبو دعيبس، علي سبيل المثال لا الحصر، ترجمت من قبل شرطي ليس مترجما مهنيا من العربية للعبرية، قام باستخدام جوجل ترانسليت" لترجمة المشاركة.
وكانت هيئة شئون الأسرى والمحررين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، قد وثقت أكثر من 150 حالة اعتقال، شنتها إسرائيل مؤخرا في صفوف المواطنين الفلسطينيين، على خلفية نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وأوضحت الهيئة، أن الاعتقالات تركزت في صفوف أهالي مدينة القدس المحتلة، بتهم تتعلق بممارسة هؤلاء لحريتهم في التعبير عن آرائهم عبر موقع "فيسبوك". وأضافت، "إن مجرد إبراز التعاطف أو التضامن مع الشهداء والأسرى، أو نشر صورهم تعتبر تهمة بموجبها يتم اعتقال أي شخص". لافتة إلى أن إسرائيل شكلت ما تسمى بـ "وحدة سايبر العربية" في جهاز الشرطة لملاحقة النشطاء الفلسطينيين على مواقع التواصل.
فمنذ اختطاف وقتل الفتى محمد أبو خضير، من بلدة شعفاط في القدس، دأبت أجهزة الأمن الإسرائيلية، على متابعة مواقع التواصل الاجتماعي ومراقبة ما ينشره المقدسيون بوجه خاص، وتصاعدت هذه السياسة بعد اندلاع الهبة الشعبية في أكتوبر 2015. ولم تكتفي سلطات الاحتلال، بعمليات الاعتقال، بسبب أنشطة مواقع التواصل الاجتماعي، بل وصلت إلى فصل المعتقل من أي مؤسسة يعمل بها داخل الأراضي المحتلة، أو إبعاده خارج منطقة سكنه.
واستنادا إلى تحقيقات أجرتها منظمة الخصوصية الدولية، بشأن البرامج الإلكترونية المستخدمة للرقابة على محتوى مواقع التواصل الاجتماعي والتجسس الإلكتروني، يوجد في إسرائيل 27 شركة متخصصة في تصميم هذا النوع من البرامج. وأشار التقرير، الذي نشر في أكتوبر العام الماضي، إلى برنامج إسرائيلي صممته شركة ماير سيكيوريتي، التي توصف بالعقل المطور لأساليب الرقابة والتجسس الإسرائيلية، واسمه SAIP، التي تعني منصات المعلومات الإستراتيجية المؤكدة (Strategic Actionable Intelligence Platform)، ويعمل بالطريقة ذاتها، التي أشار إليها تقرير القناة التلفزيونية العاشرة في إسرائيل.
وتشير المنظمة، إلى أن البرنامج المذكور، يقوم بغربلة دقيقة لكل الكلمات المفتاحية، والعبارات التي تهم أجهزة الأمن والمخابرات، وأن هذا النوع من البرامج أصبح يتمتع بشهرة على المستوى الدولي بين أجهزة الاستخبارات، التي تريد القيام بإجراءات استباقية، لأي خطر محتمل يتعلق بتنفيذ هجمات. وكانت مسالة مراقبة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، بلغت ذروتها مع بداية أحداث ما "يسمى بالربيع العربي"، إذ استخدم هذا النوع من البرامج الإلكترونية لمراقبة المحتوى، الذي ينشره السياسيون والناشطون الحقوقيون على مواقع الانترنت، وخاصة موقع "فيسبوك"، في دول مثل تونس والبحرين ومصر.
أما في إسرائيل، فتقول الحكومة إنها تمكنت من اختراق "الذئاب المنفردة"، وتحديد نواياهم بتنفيذ هجمات قبل أن يقدموا عليها، من خلال التجربة التي خاضتها أجهزة الأمن الإسرائيلية، خلال موجة الطعن بالسكاكين بين 2015 و2016. بعض المحللين الإسرائيليين يقول إن هجمات "الذئاب المنفردة"، في إسرائيل، باتت أمرا من الماضي، في مقارنة مع ما يقع الآن في أوروبا، التي تشهد هجمات متكررة لأشخاص منفردين، ينفذونها باسم تنظيم "داعش"، ولا تزال تحير أجهزة الأمن في أوروبا.
أخيرا، إسرائيل قامت بين عامي 2015 و2016، باعتقال أكثر من 400 فلسطيني بسبب المضامين التي نشروها على الإنترنت، وهي مضامين زعمت إسرائيل، أنها تشكل " تحريضا ". وهناك حوالي 200 شخص من ضمن أولئك يتعرضون لمحاكمات جنائية. فيما يشار إلى أن عدد المشاركات التحريضية التي نشرها الإسرائيليون اليهود ضد العرب والفلسطينيين، قد ارتفعت إلى أكثر من الضعف في عام 2016، مقارنة بــ 2015، لتصل إلى "675000" منشور. وقد تركزت معظم هذه المنشورات على صفحات "الفيسبوك"، وتشمل الأمثلة على هذه المنشورات التحريضية، عبارات على غرار، "اغتصبوا جميع العرب وألقوا بهم إلى البحر" و "صباح مليء بطاقات ذبح العرب". وغيرها الكثير والكثير من العبارات التحريضية. ولم يتم فتح قضية واحدة حتى ضد إسرائيلي متعلقة بالتحريض. علي حد علمي.
لمزيد من مقالات ابراهيم النجار; رابط دائم: