رئيس مجلس الادارة
عبدالمحسن سلامة
رئيس التحرير
علاء ثابت
قرر البنك المركزى المصرى أخيرا زيادة نسبة الاحتياطى القانونى التى تلتزم البنوك بالاحتفاظ بها لديه من 10% الى 14% وذلك بدءا من 10 أكتوبر 2017 على ان تحسب هذه النسبة عن متوسط الأرصدة التى يتكون منه مقام النسبة فى سبتمبر 2017 وهو القرار الذى اثار العديد من التساؤلات، خاصة ان هذه النسبة كانت بالفعل 14% وظلت كذلك خلال الفترة بين عامى (2003 - 2012) حين تم تخفيضها الى 12% ثم الى 10% ومن المعروف انه وطبقا لهذه الآلية تقوم البنوك بايداع النسبة المقررة من ودائعها بالعملة المحلية، باستثناء ارصدة الشهادات الادخارية ذات السنوات الثلاث فاكثر، وتوظيفات الشركات الصغيرة والمتوسطة، لدى البنك المركزى دون مقابل،كما تحتفظ البنوك لدى البنك المركزى بنسبة من ودائعها بالعملات الأجنبية (يستحق عليها عائدا) ويأتى هذا القرار فى ظل الإجراءات التى يقوم بها البنك المركزى لتقييد السياسة النقدية فى محاولة منه لاحتواء الضغوط التضخمية، والوصول بمعدل التضخم الى نسب معقولة، وهو الدور الرئيسى المنوط به وفقا للقانون وجدير بالذكر ان السياسة النقدية والائتمانية تهدف إلى التحكم فى عرض النقود وأدواته، بما يتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية المرغوبة، وتضمن التشغيل الكفء للموارد الاقتصادية، واستقرار مستويات الأسعار، درءا للتضخم وحفاظاً على قيمة العملة الوطنية. من هذا المنطلق تلعب هذه السياسة دوراً مهما، فى الاقتصاد عموما وسعر الصرف على وجه الخصوص، نظرا لقدرتها على مواجهة الخلل بين معدلات الادخار المحلية، والاستثمار القومي. وهنا تطرح عدة تساؤلات تتعلق بمدى قدرة البنك المركزى فى السيطرة على المعروض النقدى بالبلاد؟ أى تأثير المضاعف النقدى فى علاقته بحجم السيولة النقدية، واستقرار الطلب على العملة ؟ وتاتى أهمية هذه التساؤلات فى ضوء الأوضاع الحالية، خاصة بعد ان وصل معدل التضخم الى 33% تقريبا، ووصل معدل التضخم الأساسى الى 35% تقريبا، وهى معدلات مرتفعة لذا حاول البنك المركزى السيطرة عليها عن طريق رفع أسعار الفائدة وباجمالى نحو 700 نقطة أساس منذ قرار تحرير سعر الصرف فى نوفمبر 2016 وحتى الآن، ولكنها لم تفلح فى تهدئة الأوضاع لذلك جاءت هذه الخطوة بغية امتصاص فائض السيولة لدى الجهاز المصرفى وهنا تشير الإحصاءات الى ان السيولة المحلية للناتج المحلى الإجمالى قد ارتفعت من 77% فى نهاية يونية 2016 الى 90% بنهاية يونية 2017، واذا ما استبعدنا أثر التغير فى سعر الصرف فان هذه النسبة ترتفع من 70% الى 79% وذلك بسبب الزيادة الكبيرة فى الودائع لدى الجهاز المصرفي، والتى ارتفعت من 2116 مليار جنيه فى نهاية يونيو 2016 الى 3027 مليارا فى نهاية يونيو 2017. وعلى الجانب الآخر نلحظ تراجعا فى نسبة السيولة الفعلية لدى الجهاز المصرفى والتى تراجعت من 55٫4% الى 47،7% بالعملة المحلية وعلى النقيض من ذلك ارتفعت هذه النسبة بالعملات الأجنبية من 60% الى نحو 66% مع الأخذ بالحسبان ان النسبة المقررة من البنك المركزى هى 20% بالعملة المحلية و25% بالعملات الأجنبية، ويرجع السبب فى ذلك الى توجيه جزء كبير من السيولة الى قروض العملاء مما انعكس على زيادة نسبة القروض الى الودائع بالعملة المحلية والتى ارتفعت من 41% عام 2015 الى 47% عام 2017، اما تزايد السيولة بالعملات الأجنبية فيرجع الى زيادة اذون الخزانة والسندات الحكومية والمستحق على البنوك بالعملات الأجنبية بنسبة أعلى من زيادة الودائع بالعملات الأجنبية، لذلك انخفضت القروض الى الودائع بالعملات الأجنبية من نحو 65% الى 62% خلال نفس الفترة، كما أشار الى ذلك تقرير البنك المركزى عن الاستقرار المالي تأتى هذه الإجراءات فى إطار برنامج الإصلاح المطبق وفقا للاتفاق مع صندوق النقد الدولى والذى ينطوى على سياسة نقدية تقييدية تقوم على وضع حدود قصوى على معدل التوسع فى الائتمان المصرفى لكبح اجمالى الطلب المحلي، وامتصاص فائض السيولة، وبما يسمح بتحسين استخدام الموارد المتاحة ويسمح بتوفير حصيلة كافية من النقد الأجنبى تساعد على الوفاء بجميع الالتزامات الخارجية المستحقة على الدولة ولهذا تعطى هذه البرامج أولوية قصوى لإعادة تكوين الاحتياطى النقدى باعتباره صمام الأمان للبلد، يمكن اللجوء اليه عند الضرورة، وهو ما يفسر لماذا تكون هذه البرامج ذات طبيعة انكماشية، وأيضا تزايد الاحتياطى النقدى بعد تطبيق هذه السياسة من هذا المنطلق نرى ان هذا الاجراء سوف يحدث العديد من الآثار منها أن رفع هذه النسبة سيؤدى الى زيادة تكلفة البنوك نتيجة لعدم قدرتها على استخدام الأموال لديها افضل استخدام ممكن، كما انها لن تتمكن من تمرير هذه الزيادة الى القروض فى ظل الارتفاع الحالى والذى أدى الى شبه ركود فى سوق الائتمان مما قد يؤدى الى زيادة الإقراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة نظرا لانها لاتدخل ضمن حسبة الاحتياطى القانوني، كما انها يمكن ان تؤدى الى خفض أسعار الفائدة على الودائع والاوعية الادخارية لتخفيض تكلفة الأموال لديها وهو ماقام به بنك مصر حيث خفض أسعار الفائدة على بعض الاوعية الادخارية لديه عقب القرار كما ستؤدى هذه العملية الى رفع أسعار الفائدة على السندات والاذون الحكومية التى تصدرها وزارة المالية وهو ماتم بالفعل فى العطاء التالى لهذا القرار مباشرة حيث زاد متوسط العائد على سندات الخزانة 10 سنوات بنحو 0٫55 نقطة مئوية، كما ارتفع أعلى عائد بنحو0٫7 نقطة مئوية ليصل الى 15٫7% وبالتالى تزيد من أعباء خدمة الدين العام وهنا تجدر الإشارة إلى إن الخبرة الدولية تؤكد ان الاتساق والتزامن بين السياستين النقدية والمالية، يعد شرطا اساسيا لنجاح أى إجراء حيث ترتبط الثانية بالاولى من خلال تمويل عجز الموازنة ولهذا فان العلاقة بين السياستين تنعكس فى النهاية على صافى الاقتراض الحكومى من الجهاز المصرفي، وهو ما يؤثر بدوره على السيولة المحلية والقاعدة النقدية؟ وبالتالى فان هذه الرؤية بما يترتب عليها من انكماش وضغط للانفاق العام ستحدث آثارا سلبية على الاقتصاد القومى ككل لانها تنطلق من فرضية اساسية وهى ان التضخم ظاهرة نقدية بينما تشير الدراسات الى ان العوامل الهيكلية هى التى تلعب دورا اساسيا فى التضخم، وأثبتت هذه الدراسات ان زيادة 1% فى المعروض النقدى تؤدى لزيادة التضخم بمقدار 1٫4%، بينما زيادة 1% فى الناتج نؤدى لانخفاض التضخم 6% أى ان جانب العرض هو الأكثر فاعلية فى مكافحة التضخم. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى