ربما كان انطلاق قطار المصالحة المجتمعية، خطوة في الاتجاه الصحيح نحو طي صفحة سوداء من التاريخ الفلسطيني، وهي تعزيز لحالة الحوار الوطني الفلسطيني، ومن لا يرغب بأن يكون جزءا من القافلة، فلن ينتظره القطار ولن يتوقف عنده التاريخ. أعتقد أن إنجاز المصالحة المجتمعية، هو إنجاز وطني حقيقي يبنى عليه للمستقبل، وعلينا تدعيم هذه الخطوة بشكل كبير فلا مكان للحياد أو الاستقلالية في الطرح، أو الرأي الحزبي. ولكن يبقي السؤال الملح والجوهري هنا، وهو ما المأزق الفلسطيني؟ هل هو أزمة علاقة بين فتح وحماس؟ أريد أن أقول، هل المصالحة بين فتح وحماس، سوف تنهي الأزمة الفلسطينية؟!
إسرائيل تراقب بحذر شديد هذه الأيام، ملف المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، ولا سيما، من الناحية الإعلامية، وذلك بسبب انشغالها بموسم "الأعياد اليهودية". ولكن من خلف الكواليس، يتابع جهاز الاستخبارات، تقدير الأوضاع في إسرائيل، باهتمام الأحداث في محور القاهرة – غزة - رام الله. ولكن هل ثمة مصلحة إسرائيلية من هذه المصالحة؟ يري مراقبون للشأن الفلسطيني، أن قيادة حماس الجديدة، نجحت إلي حد ما في الفترة الأخيرة، في إظهار برجماتية واضحة، أدت إلى حدوث تحولات في العلاقة مع مصر، التي كانت ترى فيها عاملا مساعدا للإرهاب على أراضيها، بسبب علاقتها "بالإخوان المسلمين"، "وداعش". هذا التحول نبع من لقاء نادر للمصالح بين مصر، التي أرادت أن تقرب حماس، منها بواسطة تسهيلات جدية للتخفيف من الحصار حول غزة، مقابل خوضها حرب ضد الجماعات الإرهابية في القطاع وسيناء، قابلته مصلحة لدى القيادة الجديدة للحركة، في إعادة أعمار القطاع ما بعد عدوان 2014، وتعزيز سيطرتها من خلال تسهيل الحياة، والاستفادة من الهدوء للاستعداد عسكريا.
يبدو أن التعبير الأبرز عن المرونة التي أبدتها حماس، كان في الابتعاد الرسمي والمعلن عن "الإخوان المسلمين"، ومحاكاة حزب النهضة التونسي، وهو ما منحها هامش مناورة سياسية علما بأن الحركة، لم تبدي أي استعدادية للتنازل عن قوتها العسكرية، حتى في ظل اتفاق مستقبلي مع فتح.
قبل أن يبدأ النقاش يحاول مسئولو الحركة، تثبيت حقائق على الأرض من خلال إعلان موسى أبو مرزوق، أن المقاومة لن تتنازل عن سلاحها ولن تسلمه للسلطة، وأن السلطة ستتسلم الأمن وتنشر قوات شرطية في غزة، ولكنها لن تتسلم سلاح المقاومة. وفي اعتقادي، هي أسئلة صعبة ستواجه الطرفين حول من سيسيطر على الأمن وهوية وزير الداخلية؟ ومن سيحمي الحدود مع مصر وغيرها من الأسئلة. موضوع سلاح المقاومة وأمن القطاع يقلق مصر وإسرائيل أيضا، واللتان لا تريدان أن تبقى آلاف الصواريخ في يد حماس، وكذلك حفر واستخدام الأنفاق في تهريب المطلوبين، ومن ثم فإن مصر، تريد التأكد من وجود قوة عسكرية فلسطينية مدربة، للحفاظ على أمن الحدود، ومنع عمليات التهريب إلى سيناء.
المصلحة الإسرائيلية، تكمن في استمرار الهدوء وأيضا في منع تعاظم قوة حماس، وتطويرها لأسلحة وصواريخ تهدد أمنها، لذا فإن إسرائيل، لا تريد الآن إسقاط حكومة حماس، بسبب عدم وجود قوة على الأرض يمكن أن تحل محلها، وإضعاف حماس، قد يتسبب في فوضى أمنية كبيرة، ستقود لتوجيه ضربات لإسرائيل، دون وجود مسئول يمكن تحميله المسئولية.
كما تري إسرائيل، أن استلام السلطة رسميا للقطاع، سيجعلها في موقع المسئولية عن أمنها أمامها، وستتحمل استمرار وقف إطلاق النار، ولن توافق على نظام "برأسين" تهتم فيه السلطة بالشئون الحياتية، وتبقي السيطرة الأمنية بيد حماس. أيضا، من مميزات الاتفاق، أنه سيوقف تدهور الوضع المعيشي والإنساني، وهو ما سيخفف الرغبة والحافز مؤقتا لدى الفلسطينيين ومن بينهم حماس للذهاب إلى حرب جديدة. إسرائيل أيضا، لن توافق على أن يكون تنظيم تعتبره إرهابيا ولا يعترف بحقها في الوجود، جزء من السلطة الحاكمة، التي وقعت معها اتفاق سلام، حيث ترى بدمج أعضاء البرلمان من حركة حماس في السلطة خرقا لاتفاق أوسلو، وإسرائيل تريد أن تكفر عن خطئها في قبول مشاركة حماس في انتخابات 2006.
أخيرا، الاتفاق الفلسطيني الداخلي، سيعيد توحيد الأراضي الفلسطينية، ويعزز المطلب الفلسطيني بدولة فلسطينية، والرئيس عباس، سيأخذ شرعية من جديد كزعيم لكل الفلسطينيين، إلى أن تجري انتخابات جديدة، ستوافق إسرائيل على أن تكون حماس جزءا منها. الاتفاق، سيخفف من التوتر في القطاع لمدى من الزمن، ومصر تريد أن ترعى هذا الاتفاق، من أجل التوسط بين حماس وإسرائيل لإنجاز هدنة طويلة الأمد من 10 إلى 15 سنة، عندها سيكون على المستوى الأمني والسياسي في إسرائيل، أن يقرر أنه وبعد 30 عاما، من الادعاء بأن حماس حركة إرهابية، بقبولها كعضو رسمي في السلطة الفلسطينية. أعتقد وبشكل قاطع، أنه بدون التوصل إلى وحدة فلسطينية حقيقية، لا يمكن دفع عملية جدية مع إسرائيل.
لمزيد من مقالات ابراهيم النجار; رابط دائم: