رئيس مجلس الادارة
عبدالمحسن سلامة
رئيس التحرير
علاء ثابت
فعلى مدار سنوات طويلة تم تلقين الطلبة والأطفال فى المدارس أن سعيد باشا أو الوالى السمين النهم باع مصر ومنح صديقه الفرنسى “ ديليسبس “ امتياز حفر القناة أو ( البيضة التى تبيض ذهباً ) فى مقابل طبق مكرونة أو فى قول آخر طبق مكرونة فى مقابل أن يحصل الفرنسيون على إمتياز حفر قناة السويس و هو المشروع الذى رفضه محمد على بشدة لإيمانه بأن مثل هذا المشروع يمكن أن يضع مصر فى قلب الصراع الاستعمارى و هو ما حدث بالفعل بعد رحيله بسنوات . وبالتالي أصبح هذا الطبق هو أغلى و أشهر طبق مكرونة على مدار التاريخ الإنسانى كله حيث لعب دوراً محورياً فى كل الأحداث السياسية والاقتصادية لمصر منذ افتتاح القناة عام ١٨٦٩ وحتى الآن . والوالى سعيد باشا ابن محمد على ووجبته المفضلة هو موضوع حكاية هذا الأسبوع بعد أن عثُرت على صورة قديمة من الفحم للباشا نشرت على صفحات جريدة فرنسية هى Lillustration فى منتصف القرن التاسع عشر تبرز بوضوح ضخامة جسمه رغم قصر قامته ، وقررت أن يكون موضوع حكايتي هو الطبق الذى أثيرت حوله الشائعات الكثيرة و الذى يقال عنه إنه يعتبر أغلى و أشهر طبق مكرونة على مر التاريخ فهو طبق دفعت مصر ثمنه غالياً .. و هذا بالطبع كلام مجازى و يندرج تحت بند الهزل و لكن المأساة أن بعض الكتاب روجوا لهذه المزحة السخيفة . والحكاية من البداية كما يقول القاضى فى المحاكم المختلطة « بيير كرابيتس » فى كتابه «إسماعيل المفترى عليه » إن الأمير سعيد كان فى صباه سمين الجسم شغوفا بالأكل ، و كان أبوه محمد على باشا يكره السمنة و يريد أن يكون جسم ابنه كأجسام أهل الرياضة . فأصدر الأوامر المشددة بأن يقضى البرنس سعيد كل يوم ساعتين فى ممارسة الرياضة وبالتحديد عليه أن يتسلق صارى أحد المراكب الراسية على ضفاف النيل ، ثم يقفز من الصارى الى الماء ليسبح حتى يصل الى البر ثم يعدو بعدها لفترة حول أسوار المدينة . كذلك أمره بالتزام نظام غذائى بسيط للمحافظة على وزنه و منعه كذلك من زيارة أى منزل من منازل العامة فيما عدا منزل “ ماثيو ديليسبس “ الفرنسى الذى كان يشرف على تعليمه ، و كان لماثيو إبنً هو « فرديناند» الذى سرعان ما إستحكمت عرى الصداقة بينه و بين الأمير ، وخاصة أن كليهما كان شغوفاً بأكل المكرونة - ذلك الطبق الإيطالى الشهير الذى أسال لعاب الأمير الصغير بمذاقه الجديد وتنوع نكهاته - فما يكاد الأمير يفرغ من تناول طعامه الصحى على المائدة الملكية وفى حضرة الباشا ومعلميه ومراقبوه حتى يهرع الى بيت صديقه ليلتهم طبق المعكرونة السرى . و مرت الأعوام وانتقل « ديليسبس » الأب الى باريس وبعدها بقليل وصل الأمير سعيد الى هناك لاستكمال دراسته ، فقاده قلبه و نهمه الى بيت ديليسبس حيث جدد عهد المودة مع تلك الآسرة و قوى عراها بما كان يلتهمه من أطباق «المكرونة» … أما قصة الحصول على امتياز حفر قناة السويس فلها قصة أخرى كانت بدايتها حينما سمع فرديناند ديليسبس بخبر وفاة عباس باشا والى مصر وتولى سعيد باشا سدة الحكم عام ١٨٥٤ حتى أسرع بركوب وابور البحر من فرنسا وذكريات طفولته مع سعيد تتمثل أمام عينيه وأحلامه تسبقه بالحصول على موافقة صديق العمر على مشروع القناة ، وبالفعل وصل الى الإسكندرية فى نوفمبر من نفس العام وقابله الباشا بحفاوة كبيرة فى قصر الوالى وإصطحبه فى رحلة حربية على رأس جيش كبير من الإسكندرية الى مصر، استطاع خلالها إثبات مهاراته فى ركوب الخيل وعرض عليه فى الصحراء فكرة حفر القناة ، وقد كتب ديليسبس عن هذه القصة فى مذكراته فقال « جمع سعيد باشا قواد جنده وشاورهم فى الأمر ولما كانوا على استعداد لتقدير من يجيد ركوب الخيل ويقفز على الحواجز والخنادق أكثر من تقديرهم للرجل العالم المثقف فقد انحازوا الى جانبى وبادروا بالقول إنه لا يصح أن يرفض طلب صديقه وكانت النتيجة أن منحنى الباشا ذلك الإمتياز العظيم « .ثم عهد سعيد باشا الى المهندسين لينان دى بلفون بك وموجل بك أن يرافقا ديليسبس لزيارة منطقة برزخ السويس لدراسة المشروع وتطبيقه على الأرض، فأصدر المهندسان تقريرهما والذى أثبت سهولة إنشاء قناة تصل بين البحرين . فى ٢٥ أبريل١٨٥٩ احتشد جمهور مكون من ١٥٠ فردا ما بين بحار وعامل وضرب ديليسبس أول معول لحفر القناة ليبدأ الحفر فى المشروع بواسطة ١٠٠ عامل . والله .. الله على مصر زمان [email protected]