رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الدولة الكردية والجغرافيا السياسية

بعد سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولي، وتقسيم أراضيها، كان لبريطانيا وفرنسا نصيب الأسد من هذه الأراضي التي كانت تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية آنذاك، الأمر الذي مكن هذه الدول الكبرى من إبرام معاهدة "سيفر"، نسبة لمدينة سيفر المجاورة لباريس، تنص علي إنشاء دولة كردية في الأراضي التركية.

غير أن كمال أتاتورك مؤسس تركيا العلمانية الحديثة، لفظ هذه المعاهدة ولم يعترف بها. وكان مقررا لتلك الدولة، أن تمتد إلى أربيل في شمال العراق. أما الأكراد في الدول المجاورة، فكان لهم الحق في الاندماج مع تلك الدولة، أو إنشاء كيانات خاصة بهم.
تاريخيا، خاض صدام حسين، حرب ضروس مع الأكراد، استمرت لأكثر من 14عام، محافظا على وحدة العراق، إلى أن اجتاحت القوات الأمريكية العراق، فطالب الملا مصطفي برازاني، توسيع سلطات الحكم الذاتي الممنوحة للأكراد. حرب الاجتياح الأمريكي ودول التحالف عام 2003، والتي انهارت أمامها الدولة العراقية، حيث أعاد المبعوث الأمريكي للعراق برايمر، إعادة تشكيل الجيش والمؤسسات السيادة في العراق، وفي ظل مقاومة عنيفة من فصائل مقاومة عراقية استمرت لعام 2011، حيث بدأ "الربيع العربي"، الذي افرز فصائل إسلامية متطرفة امتدادا لدولة الزرقاوي السنية وباسم جديد "داعش"، والتي أتت من خلال اضطهاد مذهبي من دولة يسيطر عليها النفوذ الشيعي، ومن ثم حكمت الأغلبية الشيعية، الأقليات من السنة والأكراد وغيرهم. وفي ظل ضعف الدولة العراقية، منح الأكراد مزيدا من إدارة شئونهم والاستيلاء على أبار النفط، التي تقدر قيمة صادراتها عبر الأراضي التركية بحوالي 750 ألف برميل يوميا، مع ارتباط شكلي بالحكومة المركزية في بغداد، وبوجود رئيس للدولة من الأكراد، حيث ينص الدستور العراقي بدولة برلمانية وليست رئاسية.
سياسيا، الحرب على الإرهاب وعلى "داعش"، واستعادة الموصل، والتي شارك فيها الجيش العراقي وقوت الحشد الشعبي المدعومة من إيران وقوات البشمركة، التي كان لها ذراع كبير في مواجهة "داعش"، سواء في شمال العراق أو في الشمال الشرقي من سوريا، وعلى حدود تركيا، وبتعزيز لوجستي أمريكي، ما فتح شهية الأكراد، للإعلان عن دولتهم ورجوع الزعيم الكردي لنصوص معاهدة "سيفر"، عن طريق إعلان استفتاء بالاستقلال. بالأمس القريب، بدأ الاستفتاء في أربيل ومناطقها المجاورة، في ظل رفض كامل لمثل هذا الاستفتاء من قبل الحكومة المركزية في بغداد، ومطالبة الحكومة العراقية حكومة كردستان، بتسليم المطارات والمعابر الحدودية، ومناشدة معظم الدول بعدم التعاون مع تلك الحكومة في تصدير النفط. الموقف الإسرائيلي، وكما أفادت بعض الوسائل الإعلامية، تتحدث عن دعم لوجستي إسرائيلي وعسكري واتفاقيات لنقل اليهود الأكراد إلى كردستان.
ترجع أصول الأكراد إلى غرب آسيا، وينتشرون في تركيا والعراق وسوريا وإيران وغرب أرمينيا ولبنان وأذربيجان، ويبلغ عددهم 40 مليون نسمة. ويمثل أكراد تركيا 65% من الأكراد في العالم، أما أكراد إيران فيمثلون16%، وأكراد سوريا 6%، وأكراد أرمينيا واحد ونصف % والباقي موزع على دول العالم.
في حين يخشى الأتراك، من أن تمتد الدولة الكردية في شمال العراق إلى تركيا، والأراضي السورية، مما يهدد الأمن القومي لوحدة الأراضي التركية، وكذلك الإيرانيين. أما العراقيين، فهم واقعين تحت التقسيم لدولة سنية بحكم ذاتي، وشيعية وكردية وأرمينية، علي الرغم من أن حكومة العبادي، أتت بمطلب أمريكي، لإرساء منظومة الدولة بعيدا عن المذهبية.
في اعتقادي، أن وجود دولة كردية، سيهدد الأمن القومي لتركيا وإيران والعراق وسوريا، وسيخدم في ذات الوقت، الحلف العربي الأمريكي في تهديد الهلال الإيراني، الممتد من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان، صراع متداخل ومتشابك يحدث تعديلات في الجغرافيا السياسية للمنطقة، وهذا ما كان يرنو إليه مبتدعي "الربيع العربي" وتقسيم جديد لدول المنطقة. فهل تنجح محاولات الأكراد ومساعيهم الحثيثة في ولادة دولتهم الكبرى علي الرغم من التحذيرات المتعددة من جانب الكثير من دول العالم؟ أم أن عوامل الجغرافيا ستسقط هذا الخيار؟ يحد الدولة الكردية المنشودة في شمال العراق، الحكومة المركزية في بغداد، وأراضي متنازع عليها في كركوك والموصل، وأراضي أخرى. وإيران وتركيا، التي تتحكم في خطوط النفط. تلك الدولة المحاصرة، التي لا تمتلك ميناء بحري، ومحاصرة من جميع النواحي، هل يقدر لها النجاح؟.
أخيرا، نحن نشهد في الوقت الراهن، نتائج الفوضى التي بدأت بغزو العراق، وامتدت وتجذرت بما يسمى بـ "الربيع العربي"، وظهور ظاهرة الإرهاب "الداعشي" الممنهج، ليكون ذريعة لتقسيمات جغرافية معدلة وبعضها لم ينفذ في اتفاقية سايكس بيكو.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: