رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

"حماس" في القاهرة.. هل تتغير التركيبة السياسية الفلسطينية؟!

منذ أكثر من عشر سنوات، وتحديدا في 14 يونيو 2007، وقع الانقسام السياسي والجغرافي والمؤسسي، وبالرغم من كل الجهود والمبادرات واللقاءات والاتفاقات التي تم التوقيع عليها، وخصوصا "اتفاق القاهرة"، الذي خرج إلى النور في 4 مايو 2011، إلا أن الانقسام لم ينته، بل أصبح يتعمق أفقيا وعموديا.

ربما كانت العبرة الأساسية التي يمكن أخذها من فشل المحاولات لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، أن تحقيق الوحدة لا يمر عبر إدارة الانقسام أو تحسين شروط الحياة الفلسطينية في ظله، أو الاكتفاء بحل بعض المظاهر والمشاكل والتركيز على الجوانب الشكلية والإجرائية وإهمال المضمون والجوهر. غير أن السؤال الرئيسي هنا، لماذا نريد إنهاء الانقسام؟ هل من أجل المصالحة بين " فتح " و" حماس " وبقية الفصائل؟ أم من أجل إحياء القضية الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال والعودة والاستقلال وتقرير المصير؟ بما يشمل تجسيد دولة فلسطين، من خلال توفير متطلبات ذلك عبر إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، لتكون المؤسسة الوطنية الجامعة لمختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، على أساس رؤية وطنية شاملة ينبثق عنها إستراتيجية سياسية ونضالية.
تواصلت زيارات وفود من حركة "حماس" إلى القاهرة، بدأت بزيارة يحيى السنوار، رئيس الحركة في قطاع غزة، في شهر يونيو 2017، تلتها زيارات متعددة لوفود أمنية وفنية. وتكللت بأول زيارة خارجية لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة، على رأس وفد من الداخل والخارج، بدءا من يوم 9 سبتمبر، بعد مرحلة من العلاقة المتأزمة، على مدار السنوات الأربع الماضية. حيث سعت "حماس"، من خلال الزيارات لتحقيق تحسنٍ في العلاقة ورغبة في الانفتاح على مصر، وذلك لقدرتها على تفكيك العديد من الأزمات في قطاع غزة، ولما تشكله من ثقل في ملفات عدة كالمصالحة بينها وبين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، هذا من جانب. ومن جانب آخر ترغب مصر في استقرار الأوضاع، وتعزيز حضورها في الملف الفلسطيني. حققت الزيارات نتائج ملموسة وتطورا ملحوظًا، فقد استضافت القاهرة اجتماع المكتب التنفيذي للحركة، وسمحت بإدخال مليون لتر من الوقود لمحطة توليد كهرباء غزة، كدفعة أولى، تلاها تدفق السولار بصورة منتظمة، وهو تحول غير مسبوق. في المقابل، عززت "حماس" الإجراءات الأمنية على الحدود المصرية الفلسطينية في رفح، مما ينبئ بمزيد من التحسن والخطوات الإيجابية بين "الحركة" والقاهرة.
تزامنت زيارة وفد "حماس" بدعوة مصرية، مع تطورات سياسية ساخنة على الساحة الفلسطينية والعربية. فلسطينا، انتهاء "حماس" من انتخاباتها الداخلية، وإفرازها قيادة جديدة يشكل قطاع غزة مركز ثقلها، ويعتبر الانفتاح على مصر هدفا رئيسيا من أهدافها. وهذا ما أكد عليه السنوار، خلال لقائه عددا من الكتّاب في غزة يوم 16 أغسطس الماضي، وعدد من مدراء المؤسسات الإعلامية في القطاع. تصاعد إجراءات الرئيس عباس، تجاه قطاع غزة، كقطع إمدادات الكهرباء وخصومات مالية، للضغط على "حماس"، لإتمام المصالحة وفق منظوره. تأزم الوضع الإنساني وانغلاق آفاق الحلول في ظل صمت الاحتلال، ومواصلة فرضه القيود، مما ينذر باحتمالية مواجهة مسلحة بين قطاع غزة وإسرائيل. عربيا، عقد القمة العربية والإسلامية في الرياض، وتأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على اعتبار حركة "حماس" منظمة إرهابية.
ترجمت الزيارات المتعددة لوفود من "حماس" إلى القاهرة، بخطوات عملية على الأرض، عبر تعزيز القوى الأمنية من الإجراءات الأمنية على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، وإقامة منطقة عازلة لتحد من تسلل العناصر المتطرفة. كما أدانت "حماس"، في بيان رسمي، العمليات التفجيرية التي حصلت في سيناء في الفترة الأخيرة، وسمحت للجالية المصرية في القطاع، بإقامة عزاء لشهداء الجيش المصري. كما عملت "حماس" على تحسين صورة مصر في الإعلام، عبر التوقف عن مهاجمة الجانب المصري، وتحدث قياداتها بصورة إيجابية تجاهها، وكان أبرزها حديث السنوار، خلال لقاءاته مع مجموعة من الإعلاميين والكتاب، بأن حركته "أحدثت اختراقا إستراتيجيا في العلاقة مع مصر"، وأن قنوات الاتصال دائمة معهم. وتوجت خطوات بناء الثقة، باستقبال القاهرة المكتب التنفيذي للحركة برئاسة هنية، لعقد اجتماعه الأول منذ تشكيله في مايو الماضي. عززت "حماس"، من خلال هذه اللقاءات الرعاية المصرية لملف المصالحة الفلسطينية الداخلية، بعد تراجع دورها خلال السنوات الثلاثة الماضية. وأصدرت، بيانا أعلنت فيه حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة، ودعوة حكومة الوفاق للقدوم إلى القطاع لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فورا، والموافقة على إجراء الانتخابات العامة، واستعداد الحركة، لتلبية الدعوة المصرية للحوار مع حركة فتح، حول آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وملحقاته، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، في إطار حوار تشارك فيه الفصائل الفلسطينية الموقعة على الاتفاق كافة.
أخيرا، نجحت "حماس" والقاهرة، في تذليل العقبات وإزالة أجواء التوتر، واستعادة مصر زمام المبادرة في ملف المصالحة الفلسطينية، وستمضي مصر في خطواتها تجاه قطاع غزة، وسترحب بأي لقاءات فلسطينية - فلسطينية على أرضها، وستعزز العلاقات بينهما خلال المرحلة المقبلة. ومن المرجح أن نجد قيادات كبيرة من "حماس"، تقيم في القاهرة، لتمتين العلاقة. "حماس"، تسعى لترتيب أوراقها وأوضاعها في المنطقة، في ظل توترات غير مسبوقة تشهدها، وتسعى من خلالها لمكانة أفضل على خارطة منطقة الشرق الأوسط، ولعلها اختارت الطريق الأفضل بالنسبة لها، بعيدا عن مخاطر الانزلاق في طريق التطرف والتشرذم والانهيار التام.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: