رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

قاموس سياسي جديد

أضحي عالمنا العربي بؤرة الاهتمام في أي بحث أو تحليل سياسي جاد على مستوى العالم يتعرض لمشكلات عالمية تتعلق بالأمن والسلام والاستقرار، وأيضا للتنمية والاستثمار والإصلاح والتقدم والديمقراطية وحقوق الإنسان. ويرجع ذلك إلى تطور الأحداث بسبب تشابك المصالح والعلاقات، واختلاف الأيديولوجيات والإستراتيجيات، وتضارب الأفكار والرؤى، فضلا عن أهمية متابعة ما يطرأ على موازين القوى الإقليمية والعالمية، وطموحات الدول والشعوب والقوميات، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.

ومن ثم لم يعد من المستساغ للكاتب السياسي العربي، أن يتجاهل ما يدور من أفكار جديدة وصياغات مستحدثة، أو أن يتقوقع معتمدا على مخزون هائل من التراث العربي في الكتابة والبلاغة والفصاحة والبيان، ويهمل المصطلحات الحديثة والمتنوعة، والتي سرعان ما تصبح مألوفة ومستخدمة في القاموس السياسي المعاصر، وجزءا من الأدبيات السياسية العالمية، وبدونها يصعب فهم ما يدور من مناظرات ومساجلات وتحليلات سياسية وما يبنى عليها من سياسات.
غير أن السؤال الأهم هنا، هل نحن في حاجة ماسة، إلى قاموس سياسي عربي جديد، يتواكب مع حجم المتغيرات الجديدة التي فرضت نفسها على الساحة السياسية العربية ؟ فعندما تتقلص عناصر الفهم الدلالي المتبادل بين الأطراف المتنافسة في ميادين السياسة إلى أدنى حدودها المحتملة، فهذا يدل على أن القواميس السياسية المعتمدة لم تعد ملائمة، بسبب افتقارها إلى مقومات تغطيتها الدلالية لتحولات الواقع وتقلباته وصيرورته. فنحن العرب بحاجة إلى قواميس جديدة للمصطلحات والمفاهيم السياسية، لأن القواميس الراهنة المعتمدة في العالم، لم تعد تناسب حجم المتغيرات الجديدة التي فرضت نفسها على الساحة السياسية العربية، فغدت عاجزة عن الوفاء بالغرض المعرفي، المتمثل في تحقيق التعليم والوعي والفهم المطلوبة، في قلب صيرورة هذا القدر من الفصام والتخَبُّط والفوضى السياسية العربية. وللتوضيح نضرب مثالا بحزمة من المصطلحات والمفاهيم، التي أصبحت تحتاج إلى إعادة بنائها الدلالي والمعرفي من جديد في ضوء ما تفتق عنه الواقع العربي من متغيرات، أفقدت تحولاته التراجيدية العميقة، كل الدلالات التي كنا نستعمل في توصيفها قواميس السياسة التقليدية المنتشرة في العالم.
ومن ذلك المفاهيم والمصطلحات التالية، الإرهاب، التحالف، النظام الوظيفي، الثورة، الانتفاضة، العمالة، الخيانة، الدبلوماسية، المشروع النهضوي، البرنامج السياسي، الأيديولوجيا، الحرب، الوطنية، الحزب السياسي، العمل الجماهيري، السلمية، العنف، الحراك، العروبة، القومية، العلمانية، التقدمية، اليسارية، الإسلام السياسي، الدين، التدين، الدولة الدينية، الأصولية، السلفية، المذهبية، الطائفية، الدولة القُطرية، الاحتلال، الإمبريالية، الصهيونية، اليهودية، المسيحية، الإسلام، الفساد المالي، الفساد الإداري، الطبقية، تزاوج السلطة والثروة، المقاومة، الممانعة، النظام المقاوم.. الخ
فهذه المصطلحات والمفاهيم وغيرها – وهي بالمئات – من تلك التي كنا وما نزال نبني لها صورا محددة في أذهاننا، بناء على موروثنا السياسي التقليدي، على مدى المائة سنة الماضية، لم تعد صالحة بصورها الموروثة تلك، كي ترسمَ لنا أي خارطة طريق لفعلنا السياسي، أيا كان خندقنا الذي ننتمي إليه. فغدا من اللازم البحث لها عن دلالات وصور بنيوية جديدة، نسترشد في صياغتها بالتراجيديا العربية الراهنة ومخرجاتها الكارثية، التي قلبت كل المعايير والمعاني والدلالات، فأصبح استخدام صورها وأبنيتها القديمة لتوصيف مكونات وعناصر صيرورة سياسية عربية راهنة، أبعد ما يكون عن الدقة والموضوعية من جهة، وأبعد ما يكون عن التفسير والتوصيف الصحيحين من جهة أخرى.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: