رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إسرائيل تتراجع والانتفاضة تتصاعد

حالة الحراك في مدينة القدس وأمام المسجد الأقصى، نتيجة تراكمية لأفعال الشباب الثائر خلال عامين من انطلاق انتفاضة القدس، ربما تشكل الأحداث اليوم، خطوة هامة في إفشال العقلية الإسرائيلية اليمينية القائمة على التهام الضفة الغربية.

تفاعل الحالة الشعبية هذه، قد يشكل نقطة انطلاق نحو رفع وتيرة الفعل المقاوم بشقيه الشعبي والعسكري في القدس والضفة الغربية، وتصاعد الهبة الجماهيرية الشعبية في قطاع غزة، مما يشعل جذوة الانتفاضة، حتى بدون ظهير رسمي كالسلطة الفلسطينية. ما هو مأمول تحقيقه اليوم، هو إسقاط رهان حكومة الاحتلال، بأن التطبيع مع الدول العربية، قد يقدم حلولا تسمح للاحتلال بالتفرد بالقدس والمسجد الأقصى، مستغلة الواقع العربي المتردي. المطلوب من قوى المقاومة، تفعيل دورها على الصعيد العربي والإقليمي، بالتواصل مع كافة المكونات المجتمعية والفاعلة لتوحيد جهودها وإعادة البوصلة صوب القدس موحدة الجميع.
ترمي السياسيات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، تحديدا منذ تولي نتانياهو، رئاسة الحكومة عام 2009، إلى فرض حل الأمر الواقع في الضفة الغربية - منها تثبيت المستوطنات الإسرائيلية، وزيادة عدد المستوطنين وتحويلها إلى واقع غير قابل للتغيير، وتهويد القدس وتفتيت المجتمع الفلسطيني هناك، تأبيد الفصل بين غزة والضفة الغربية. وبعد انتخابات عام 2015، وسيطرة اليمين المتطرف على وسائط الحكم في إسرائيل، وتحوله إلى التيار المهيمن، بات المستوطنون "أسياد البلاد" قولا وفعلا، وارتفع منسوب ثقتهم بالنفس والتأثير السياسي، وزادت شهية إسرائيل، للسيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، وتحويل الاستعمار إلى حالة طبيعية يتعايش معها السكان الفلسطينيون بواسطة "السلام الاقتصادي"، ورفع مستوى المعيشية وزيادة التعلق في الاقتصاد الإسرائيلي، والمساعدات الخارجية. كل هذا يحصل في ظل عجز السلطة الفلسطينية، منع أو إعاقة جدية للخطوات الإسرائيلية.
مؤخرا بدأت الحكومة الإسرائيلية والكنيست، بسن عدد من القوانين التي تعمل على ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية هناك، ولو ببطء وبشكل غير مباشر أو غير معلن، ووضع سياسات ترمي إلى "أسرلة" القدس الشرقية بشكل نهائي. ولعل إسرائيل، اقتنعت فعلا أنها تحقق أهدافها في الضفة الغربية والقدس المحتلة، تحديدا، ونجحت في ترسيخ الاستعمار دون أي ردة فعل جدية من الفلسطينيين ودون أي ثمن سياسي جدي، وبات الانطباع لدى صناع القرار الإسرائيلي، بأن سكان القدس ساوموا بين الانتماء القومي الوطني ومخصصات التأمين الوطني، وإنها نجحت في ترويض الانتماء القومي وتخدير سكان القدس، بإغراءات الحياة اليومية. طبعا شهية إسرائيل، زادت بعد فوز ترامب، بالرئاسة الأمريكية، وتوطيد التحالف بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وغرق دول عربية مركزية باحتراب داخلي وإخراجها خارج محور الصراع. أي أن البيئة الإقليمية والعالمية والمحلية تشجع إسرائيل، على الاستمرار بسياسات فرض الأمر الواقع وتغيير الجغرافية والديموجرافية دون رجعة، لمنع أي حل سياسي سلمي في المستقبل. الحكومة الحالية تعمل على رفض أي حل سياسي حالي وعلى تقويض أي إمكانية لحل سياسي سلمي مبني على الفصل بين إسرائيل والفلسطينيين مستقبلا. وها هي تريد استغلال البيئة الإقليمية والعالمية والمحلية، وأن تستثمر الحادث في الأقصى، لفرض واقع جديد يعني فرض السيادة الإسرائيلية بشكل نهائي على الأقصى المبارك والقدس الشرقية.
يبدو أن الحكومة الإسرائيلية، تبحث عن سلم للنزول عن الشجرة العالية، التي صعدت إليها في قضية الأقصى، وهي تتجه نحو إيجاد بدائل للبوابات الإلكترونية، في ضوء تحذيرات الجهات الأمنية من اشتعال انتفاضة جديدة. فبعد أسبوع من المواجهات المتواصلة في القدس وجمعة الغضب، التي سقط خلالها ثلاثة شهداء، جاءت عملية "حلميش"، التي قتل خلالها ثلاثة مستوطنين، لتضيء الضوء الأحمر أمام القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وتنذر ربما، بنمط جديد غير معهود من المقاومة الفلسطينية، انتفاضة وصفها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي جادي آيزنكوت، بقوله إنها تختلف كليا عن التصعيد الذي رافق انطلاق الهبة الشعبية في أكتوبر 2015. وحذر آيزنكوت، من أن الوضع الحالي يمكن أن ينفجر عبر عمليات إطلاق نار وطعن ودهس، وضع لا يشبه أحداث 2015، لأنه يحمل بطياته دوافع دينية.
وكانت السلطات الإسرائيلية قد نصبت، كاميرات ذكية عند باب الأسباط، وجرى الحديث عن إمكانية أن تستبدل البوابات الإلكترونية، ضمن عدة بدائل يجري مناقشتها للنزول عن الشجرة، كي لا تظهر حكومة نتانياهو، بمظهر المستسلم أمام الضغوط الفلسطينية، وذلك وسط تحذيرات من جنرالات بالاحتياط من احتمال تصاعد المواجهات. يأتي ذلك وسط تزايد الانتقادات لأداء نتانياهو، في موضوع اتخاذ قرار إقامة البوابات الإلكترونية، وقرار المجلس الوزاري المصغر بعدم إزالتها، والذي كان سببا في إشعال موجة الاحتجاجات الحالية، حيث نقل أن اتخاذ القرار جرى دون إجراء دراسة معمقة، بمشاركة الأجهزة الأمنية لحيثيات وتداعيات هذا القرار وأبعاده السياسية والأمنية، وأن القرار اتخذ بشكل اعتباطي، وجاء منعا لتعرض نتانياهو للمزايدة من قبل اليمين الديني، المتمثل بحزب "البيت اليهودي".
وسائل الإعلام الإسرائيلية، تحدثت كيف أن قرار نصب البوابات، رغم حساسيته الكبيرة، اتخذ خلال محادثة هاتفية جماعية ضمت نتانياهو، وبعض رؤساء الأجهزة الأمنية، وليس في إطار جلسة رسمية، عرضت خلالها آراء وتوصيات تلك الأجهزة، وأشارت إلى الوزن الكبير والحاسم لموقف قائد الشرطة الإسرائيلية روني ألشيخ، دون الأجهزة الأمنية الأخرى التي عارضت أو تحفظت. وفيما يتعلق باتخاذ القرار على مستوى الشرطة، أوردت وسائل الإعلام تلك، أن الوزير جلعاد إردان، وقيادة الشرطة، أجرت جلسة تشاور مقلصة، تم فيها اتخاذ القرار بعد موافقة رئيس الحكومة.
وأبدى الكثير من المعلقين الإسرائيليين، استغرابهم من وقوع نتانياهو، صاحب التجربة السياسية الكبيرة، في هكذا خطأ، وهو الذي مر في تجربة النفق عام 1996، وتجربة اقتحام شارون للأقصى عام 2000، وأحداث 2015، ويعزون ذلك إلى المنافسة المحمومة على تأييد المستوطنين، والقائمة بينه وبين سائر أطراف ائتلافه اليميني، إضافة إلى طغيان تقييم وموقف قائد الشرطة روني ألشيخ، القادم من "الشاباك"، على التقييمات والتوصيات الأمنية، خاصة وأن القدس، تخضع رسميا للشرطة الإسرائيلية وليس لولاية الجيش الإسرائيلي.
في غضون ذلك، جاءت عملية السفارة الإسرائيلية في عمان، لتضيف بعدا آخر كان قد حذر منه المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، الذي أشاد بدور نتانياهو، خلال السنوات الست الماضية، في منع الانزلاق إلى هاوية ما يحدث في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن قضية الأقصى، تقود إسرائيل بالضبط إلى هناك. في هذا الواقع أيضا، جاءت عملية الأقصى، ومن بعدها الهبة الشعبية لنصرة القدس والأقصى، لتعيد سكان القدس وكافة الفلسطينيين، إلى واقع الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي للقدس والمناطق الفلسطينية. هي صفعة في وجه السياسيات الإسرائيلية والسبات الفلسطيني والخمول السياسي لدى الفلسطينيين في الداخل. وبهذا المعنى خلطت الهبة الشعبية، الأوراق مرة أخرى في وجه الجميع. إرادة الشعب وكرامته والانتماء القومي الفطري، فتح ملفات الاستعمار والاحتلال من جديد. كما يمكننا رصد لمحة سريعة، من التحول الكامن في هذه الهبة ومعانيها، منها، إن الدفاع عن القدس والأقصى ومواجهة الاستعمار، تدفع إلى انصهار النضال السياسي بين شطري الخط الأخضر. ويتجلي ذلك على أرض الواقع، وأعتقد أن ذلك سابقة سيكون لها تبعات هامة، أيضا، اندماج الداخل الفلسطيني في النضال السياسي في مواجهة الاستعمار الإسرائيلي في القدس. ولا أقصد فقط النضال الشعبي، إنما هناك تدخل في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني. القائمة المشتركة ولجنة المتابعة، كانوا شركاء مع القوة الوطنية والدينية في القدس، في تحديد الموقف الفلسطيني وتثبيت رفض وضع البوابات الإلكترونية على مداخل الأقصى ورفض كافة البدائل. عادت القدس، إلى قلب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ووحدت كافة فئات الشعب الفلسطيني، ووضحت أن القضية الأساسية هي احتلال القدس وليس الأقصى فقط، وأن النضال لا يقتصر على البعد الديني، إنما على الحقوق القومية الطبيعية للشعب الفلسطيني، وعلى حقه في السيادة الكاملة على مدينة القدس، من ضمنها الأماكن المقدسة. تعيد الهبة الحالة، أهمية الوحدة السياسية للفلسطينيين في الداخل، وأهمية العمل المشترك تحت سقف سياسي متفق عليه من قبل كافة التيارات السياسية. ومن ثم تأجيل الخلافات السياسية التقليدية، بين كافة التيارات السياسية، والعمل وفق المصلحة الوطنية العامة.
هذه الملاحظات العابرة والأولية، قد تأسس لواقع جديد مختلف في الأشهر والسنوات القادمة، وعلينا وضع فرضيات العمل والنضال على هذه الأسس. التغيير حصل ولا يمكن العودة إلى الخلف. ولكي لا نعود على أخطاء الماضي، يجب أن نبلور مواقفنا وسياساتنا وفقا لهذا الواقع. الشعب الفلسطيني، يرغب بالحصول على استقلاله وإنهاء حالة الاستعمار، وعلى حياة كريمة حرة كباقي شعوب الأرض. وسوف يستمر بالنضال لتحقيق ذلك.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: