رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

هل ما زالت انتفاضة القدس مستمرة؟

تمثل عملية القدس الأخيرة، في باحات المسجد الأقصى، تطورا هاما في الفعل المقاوم تجاه الاحتلال الإسرائيلي، فهي تؤكد على وحدة الأرض والشعب، كما تشكل أعباءً أمنية على الاحتلال، حيث المفاجأة في الزمان والمكان، مما سيرهق الأجهزة الأمنية في تفسير السلوك المقاوم، ويعقد الإجراءات المتبعة في الملاحقة، كون العملية جماعية وانطلقت من الأراضي المحتلة عام 48. انتفاضة القدس مازالت حاضرة، والمسجد الأقصى عنوان كل انتفاضة فلسطينية، ورسالة العملية، بأن الأقصى أصل الصراع، ولن تجدي انتهاكات الاحتلال، بتوفير الأمن له أو إسكات صوت الثائرين.

للمرة الأولى منذ عام 1969، تقدم قوات الاحتلال، على إغلاق الحرم المقدسي ومنع إقامة صلاة الجمعة، الأمر الذي اعتبر مبعثا لقلق الفلسطينيين من إمكانية تكرار سيناريو الحرم الإبراهيمي في الخليل. وكانت قوات الاحتلال، قد منعت إقامة صلاة الجمعة عام 1967، بعد سنتين من احتلال القدس، خشية وقوع صدامات في أعقاب محاولة إحراق المسجد الأقصى. وخلال الانتفاضة الثانية، فرض قائد لواء شرطة القدس في حينه، ميكي ليفي، قيودا على جمهور المصلين، حيث منع دخول من هم دون  60 عاما إلى الحرم المقدسي، بيد أنه لم يتم منع إقامة صلاة الجمعة. وكانت المرة الأخيرة التي أغلق فيها الحرم، كانت في أعقاب محاولة قتل الحاخام يهودا جليك في نوفمبر عام 2014، ولكن إسرائيل واجهت في حينه ردود فعل حادة من قبل الأردن والسلطة الفلسطينية والمقدسيين والفلسطينيين عامة، وألغي قرار الإغلاق قبيل صلاة الجمعة.

واعتبر مراسل صحيفة "هآرتس" لشئون القدس، أن قرار المفتش العام للشرطة، ووزير الأمن الداخلي جلعاد إردان، منع إقامة صلاة الجمعة، هو "مخاطرة مدروسة"، باعتبار أن ذلك بمثابة رسالة لجمهور المسلمين، بشأن خطورة ما حصل في الحرم المقدسي، ومن جهة ثانية، فإن تجربة الماضي، تشير إلى إن إغلاق الحرم المقدسي، حتى بشكل جزئي، يؤدي إلى تصاعد التوتر والعنف في الأحياء المحيطة، إضافة إلى إثارة الغضب في العالم العربي.

واعتبرت حركة فتح، قرار منع إقامة الصلاة بمثابة تصعيد خطير، وقالت إن " ما يجري في المسجد الأقصى ومحيطه أمر خطير للغاية، ومحاولة لاستغلال ما جرى لتنفيذ مخطط إسرائيلي معد سلفا على غرار ما جرى في المسجد الإبراهيمي في الخليل، الأمر الذي نرفضه تماما، ولا يمكن أن يمر بأي شكل من الأشكال". في المقابل، اعتبر مراسل "هآرتس"، أن الرهان على قرار الإغلاق، قد نجح، حيث لم يصطدم القرار باحتجاجات غير عادية، كما أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، قد أدان العملية التي نفذت في القدس. أما عن الجانب الإسرائيلي، فقد حاول جاهدا، أن يدعي أن الحديث ليس عن تغيير في النظام المعمول به في الحرم المقدسي، وذلك من خلال تصريح رئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، بأنه ملتزم بالحفاظ على الوضع الراهن، كما تعهد منسق عمليات حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يوآف مردخاي، بالحفاظ على حرية العبادة، مدعيا أن الإغلاق يأتي بهدف التيقن من عدم وجود أسلحة في الحرم المقدسي.

إن ما حصل الأسبوع الماضي، يثبت مرة أخرى أن المسجد الأقصى، لا يزال مركز جذب لمنفذي العمليات من الضفة الغربية، بما فيها القدس، ومن الداخل الفلسطيني. ويضيف أن عمليات الدهس التي نفذت في صيف 2014، قد استبدلت بعمليات طعن في خريف 2015، وفي فبراير 2016، قتل الشرطية هدار كوهين، في عملية استخدم فيها سلاح من طراز "كارلو". ومنذ ذلك الحين نشطت عدة مجموعات مماثلة في القدس، حيث قتلت قبل أقل من شهر الشرطية هدار ملكا بباب العامود.

فقد اعتاد الاحتلال الإسرائيلي، خلال الأشهر الأخيرة وتحديدا في الربع الأخير من عام 2016, أن يدعي تراجعا كبيرا في عمليات الانتفاضة، وتركزها في الضفة الغربية، لكن بداية عام 2017، جاءت لتفضح كذبهم وتكشف ضعفهم، حيث نفذ الشهيد فادي القنبر، عمليته الفدائية ضد تجمع من جنود الاحتلال في القدس المحتلة، حيث كان يستعد الجنود للصعود على الحافلة في طريقهم إلى الضفة الغربية وحدود قطاع غزة، للقيام بعمليات لجيش الاحتلال تتضمن عمليات اغتيال وقتل وهدم المنازل وحماية المستوطنات.

تأتي العملية لتضيف ملفا جديدا من الفشل الإسرائيلي، وهو أن الانتفاضة ما زالت مشتعلة، بل بشكل مختلف وأكثر خطورة، وفي مدينة القدس، لذلك فإن عملية القدس، نقلة نوعية في العمل المقاوم مع بداية عام 2017، من حيث التنفيذ والعدد الكبير نوعا ما، في عدد القتلى "الأربعة" وعشرات الجرحى، ووقوعها في القدس المحتلة، ومن قبل أسير محرر.

فشل الإنذارات الأمنية حول وقوع عمليات في الضفة الغربية، وهو ما يميز انتفاضة القدس الحالية, حيث إن غالبية العمليات التي تمت لم يكن يملك الاحتلال أي معلومات قبل وقوعها، ما يربك الأجهزة الأمنية، وخاصة أن هوية المنفذين يفترض أن تكون تحت المتابعة. الأكثر فشلا في هذه العملية، هي صور عشرات الجنود وهم يهربون أمام الشاحنة، على غرار ما حدث في عملية القدس قبل عام، وقتل فيها مستوطن إثيوبي بدلا من المنفذ، وكذلك أن المنفذ مقدسي حيث الأجهزة الأمنية تنتشر على مدار الساعة، وأن المنفذ بادر وجهز نفسه من ماله الخاص، ولم يتردد في تنفيذ العملية، خاصة أن كل مواطن مقدسي أصبح يدرك أنه بحاجة إلى أن يبادر لذلك قبل أن يقوم جنود الاحتلال بقتله بدم بارد، كما يحدث باستمرار من جنود الاحتلال على أبواب المسجد الأقصى أو الحواجز.

أخيرا، يأتي إغلاق المسجد الأقصى، استكمالا لتلك الاعتداءات على حرية العبادة في المدينة المقدسة، وعلى عموم المقدسات الإسلامية فيها، وهي جزء لا يتجزأ من المخططات "المبيتة" لدى الاحتلال لفرض سياسته التصعيدية ضد المسجد المبارك، لوضع يده على المسجد بشكل كامل. إنّ تجرؤ الاحتلال، على إغلاق المسجد ومنع الأذان والصلاة فيه، هي سابقة خطيرة يجب التوقف عندها كثيرا. ربما، تسعى حكومة الاحتلال، وتحديدا رئيس الحكومة، إلى الهروب للأمام، عبر عمليات تستهدف الفلسطينيين، بهدف التضليل ولفت الأنظار عن التحقيقات التي تجري ضده بسبب ملفات الفساد، بيد أن هذا لن يغير من حقيقة الأمر، بأن روح المقاومة ما زالت مشتعلة، وأن انتفاضة القدس مستمرة ومتواصلة...


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: