رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حكايات من أوراق قديمة
الأمير أحمد رفعت ولغز كوبرى كفر الزيات !

أمل الجيار
وبينما كنت مستغرقة في قراءة كتابي الشيق ، إهتز القطار بشدة وإرتجت عجلاته وصرخت فرامله بصوت مرتفع ، وبصعوبة تمكن السائق من إيقافه وكبح جماح عرباته المندفعة علي القضيب المعدني المتهالك الذي يرقد علي الواح خشبية تآكلت بفعل السنين ،

وتساقطت حقائب المسافرين علي رؤوس الجالسين علي المقاعد .. فأيقظت النائمين بعنف وأصابت الأطفال بالفزع وتعالي صوت الصراخ مختلطاً بدموع الأطفال والنساء وتدافع البعض للقفز من عربات القطار الذي وقف يلهث فوق أحد الكباري علي النيل ولكن مشرف العربة أخذ يهدئ من روع الركاب وهو يبتسم وكأنه معتاد علي هذه الأحداث وهو يقول “ بسيطة الحمد لله .. شوية والقطار ح يتحرك .. ما ينفعش حد ينزل هنا مافيش رصيف .. ما تقلقوش .. كلها خمس دقايق ونتحرك “

.....................................................................فعدت بهدوء لقراءة كتابي وكأن شيئاً لم يكن ولكن جارتي في المقعد أشارت الي الكتاب الذي كنت أقرأه وقالت “ سره باتع صاحب الكتاب “ فأصابتني الدهشة وقلت “ ماذا تقصدين “ قالت “ الخديو إسماعيل .. ألا يحكي هذا الكتاب عن حياته وفترة حكمه وإنجازاته “ فهززت رأسي بالإيجاب وقلت “ ولكن ما دخل الخديو إسماعيل بتعطل القطار هنا في كفر الزيات “ فضحكت السيدة الخمسينية وقالت “ ليس كل ما يُعرف يقال ولكن يمكنك بالبحث والتقصي الوصول للحقيقة .. وتذكري أن الحقيقة تتعلق بأخين .. إثنان من الأمراء هما الأمير إسماعيل والأمير أحمد رفعت لأب واحد هو إبراهيم باشا إبن محمد علي مع إختلاف الأمهات “ فشردت ببصري وأنا أحاول ربط كلامها الذي يشبه لعبة البازل .. فما دخل هؤلاء الأمراء المنحدرين من نسل محمد علي بحادث قطار حدث بعد وفاتهم بعشرات السنين ، وفجأة لمعت في ذهني فكرة فقلت وكأنني أرشميدس “ تقصدين حادثة غرق الأمير أحمد رفعت في النيل عند كوبري كفر الزيات .. وهنا أدركت الرابط الذي تقصده فالقطار قد تعطل في كفر الزيات وعلي الكوبري ولكن ما دخل الأمير إسماعيل الذي أصبح فيما بعد خديو مصر ، فقلت لها “ وما شأن إسماعيل بهذه الحادثة .. فهو لم يكن علي متن القطار.. بل أن بعض المصادر تؤكد أنه لم يذهب الي الإسكندرية لحضور حفل الوالي سعيد من أساسه “ فضحكت وقالت “ علمت من البداية أنك تعشقين الخديو إسماعيل ولكن عليك بالمزيد من البحث “ فسألتها كيف عرفت ؟ فلم ترد فسألتها عن مهنتها فقالت “ معالجة روحانية “ فأصابتني الدهشة وقلت “ مثل الذين نراهم في السينما يرتدون ملابس غريبة ويجلسون أمام كرة بللورية ويقرأون الطالع ؟ “ فضحكت من جديد ولم ترد وإستسلمت للنوم بسرعة حتي سمعت صوت غطيطها في خلال ثوان ..

فألقيت برأسي علي المقعد وشردت أفكر فيما قالته هذه السيدة الغريبة التي ذابت في زحام البشر بمجرد وصولنا الي محطة القطار ، وظل كلامها يرن في أذني حتي وصلت الي المنزل فهرعت أبحث في أوراقي القديمة حتي وقعت بين يدي صورة قديمة للأمير أحمد رفعت فقررت أن يكون هو بطل حكاية هذا الأسبوع ، وهذا الأمير كما تقول المصادر التاريخية هو الإبن الأكبر لإبراهيم باشا ، ولد ٨ ديسمبر ١٨٢٥ وتوفي ١٥ مايو ١٨٥٨ و كان من المفترض بموجب فرمان الوراثة أن يتولي حكم مصر بعد سعيد باشا بصفته أكبر أفراد الأسرة العلوية سنًا، ولكنه توفي في حادث .. والحكاية أنه بعد مقتل عباس الأول تولي سعيد العرش، فبرز نجم إسماعيل ، الذي لقي عطفاً كبيراً من عمه الجالس علي العرش، حيث ولاه رئاسة مجلس الأحكام ، كما أوفده إلي فرنسا لمقابلة الإمبراطور نابليون الثالث ، وفي هذه الرحلة قابل بابا الفاتيكان أيضاً، وكان موضع حفاوة وترحيب ، ولم يكن إسماعيل يفكر أن الصدفة ستضعه علي عرش مصر بعد سعيد باشا لأن أخاه أحمد رفعت كان أكبر منه سنًا، وهو بالتالي أولى منه بالعرش .

ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ففي سنة ١٨٥٨، أقام سعيد باشا وليمة كبيرة بالإسكندرية دعا إليها جميع أمراء الأسرة العلوية بمن فيهم ولي العهد رفعت باشا، وبعد انتهاء الوليمة عاد رفعت باشا وبصحبته الأمير عبد الحليم بن محمد علي وبعض رجال الحاشية بقطار خاص إلي القاهرة، وتصادف عند وصول القطار إلي كوبري كفر الزيات أن الكوبري كان مفتوحاً لمرور السفن، ولم ينتبه السائق لهذا الخطر، فسقط القطار في النيل وغرق كل من فيه إلا الأمير عبد الحليم باشا، وبذلك وجد إسماعيل نفسه فجأة وليًا للعهد بحكم فرمان الوراثة ،هذا ما إتفق عليه المؤرخون أن الصدفة هي التي قادت إسماعيل الي العرش ولكن كلام جارتي في القطار ظل يرن في أذني فظللت أبحث حتي وجدت رواية مختلفة عند ميخائيل شاروبيم في كتابه “ الكافي “ الذي قال : وحين دخل عيد الأضحي كان سعيد باشا في الإسكندرية فإستقدم جميع أصحاب الوظائف العالية والعمد والأعيان والأمراء لعمل تشريف العيد ، وبالفعل بعد الحفل نزلوا يريدون الرجوع للقاهرة وكان جسر كفر الزيات الحديدي الموصل لخط السكة الحديد لم يتم بناؤه بعد وقد جعلوا لنقل عربات الركاب جسراً متحركاً علي ظهر سفينة تسير في النيل بالبخار فيدفعون علي ظهره عددا من العربات ويقيدون عجلاتها بالسلاسل الحديد لتعبر النيل وتلتحم بالخط الحديدي ، وفي ذلك اليوم كان الأمير أحمد رفعت قد ركب القطار ومعه الأمير عبد الحليم إبن محمد علي وبعض الباشاوات مثل أدهم باشا وكان معهم الأمير إسماعيل الذي عاد فنزل من القطار قبل أن يتحرك بإيعاز من أحد رجال ديوان سعيد باشا الذي أسر في أذنه ببضع كلمات فإلتفت الي أحد أتباعه وقال “ أنزلوا أمتعتي فقد عدلت عن السفر “ وتبعه أخوه الأمير مصطفي فاضل ، وحدث ما حدث وغرقت العربة ومات أحمد رفعت وقيل أنهم لم يقيدوا العجلات وتركوها وأتوا بغيرها من خلفها فلطمت الأولي فإندفعت الي الأمام وسقطت في النيل وكان الأمير رفعت ضخماَ كبير البطن فلم يستطع الخلاص أما الأمير عبد الحليم فنجا لأنه ألقي بنفسه من النافذة الي البحر فعاونه بعض أصحاب السفن ، ولكن شاروبيم يقول أن أحد مماليك الأمير أحمد قال له أنه صبيحة يوم الإحتفال دخل علي الأمير فرآه يذرف الدمع وقال له أنه رأي في نومه جماعة من العبيد السود هجموا عليه والقوه في النيل فتعوذ بالله ونام فجاءه هاتف يقول “ هلا أوصيت علي العيال فقد أتت المنية ولامفر “ فقام مذعوراً ، وعندما نام من جديد فإذا بشخص في زي الفقراء وعلي كتفه شبكة صياد قد إقترب منه وقال “ قم يا أحمد “ فقال من أنت فرد “ ملك الموت “ فقام باكياً من ساعتها ، فقال له المملوك “ أضغاث أحلام يا مولاي فقد أتعبك السفر البارحة ، فقام ولبس وحضر الحفل وهو في حالة من الشرود وذرف الدموع ، وبعدها أصر علي العودة الي القاهرة قائلاً “ لنسير الي القاهرة عسي الله أن يفرج كربتي “ وركب القطار لتكون النهاية التي يعلمها الجميع ..وما أن وصلت الي هذا المقطع حتي أصابني الوجوم فلن نعرف أبداً الحقيقة وهل كان موت الأمير أحمد رفعت مدبراً ؟ وهل هناك يد لإسماعيل فيما حدث لأخيه ؟ وبالطبع أدركت حل لغز كفر الزيات الذي يبدو أن روح الأمير أحمد ترفرف علي المكان الذي مات فيه وتهدئ القطارات ليتذكر الناس هذه الحكاية ، ربما يحل أحد المؤرخين اللغز ويصلوا للحقيقة ،، رحم الله الأمير رفعت والخديو إسماعيل والله علي مصر زمان رغم الأحزان .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق