يقال إن توماس أديسون، اخترع الكهرباء من أجل أمه المريضة، وذلك حين أجل الطبيب علاجها حتى الصباح. ما لا نعلمه أن غزة استعانت في شهر رمضان الماضي، بنور الشموع في ظل قطع إسرائيل الكهرباء عن القطاع، ليضاف مصاب آخر إلى كبير مصائبهم منذ عقود.
حيث يتدهور وضع الكهرباء في غزة، شيئا فشيئا في ظل تراشق الاتهامات بين السلطة وإدارة الكهرباء في القطاع، بالوقوف خلف الأزمة. إذ تبرز أسباب متعلقة بطبيعة إدارة محطة التوليد المركزية وتقاعس السلطة، عن حل المشكلة بنحو جدي. فلم تعد المصادر الرئيسية التي تزود القطاع بالكهرباء، كافية لإنهاء الأزمة. نسبة العجز في كهرباء غزة بلغت أكثر من 200 ميجاوات، فيما تبلغ حاجة القطاع أكثر من 450 ميجاوات وقد تزيد وفق الاستهلاك.
توقف الاتحاد الأوروبي عن تمويل وقود المحطة، وارتفاع أسعار الوقود الإسرائيلي، وفرض ضرائب عليه، فضلا عن تدمير الأنفاق التي كان يدخل منها الوقود المصري إلى المحطة ومنع إدخال الوقود القطري عبر المعابر الإسرائيلية، كلها أسباب فاقمت الأزمة. وعن رأي المسئولين عن إنهاء أزمة الكهرباء بالقطاع، فقد أكدوا من خلال تصريحات منسوبة لهم مرارا وتكرارا، أن قطاع غزة منذ عام 1999 وحتى اليوم، ثابت في تطوير المصادر فيما يتزايد حجم الاستهلاك. وأن ارتفاع معدل الاستهلاك السنوي للطاقة بمعدل 7%، في ظل ثبات تطوير المصادر وتوقفه مشكلة كبيرة، أما تجاهل السلطة، لإعادة تأهيل شبكات التوزيع وتطوير البنى التحتية ومعدات الكهرباء، بالإضافة إلى رفضها وقف الإضراب على وقود المحطة، طور المشكلة. فقطاع المستثمرين وحده، يساهم في أكثر من 70% من أسهم المحطة، ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول بقاء ملكيتها للمستثمرين رغم مضي سنوات على تشغيلها.
ربما كانت حلول أزمة الكهرباء في غزة، ليست بالمستحيلة. فإعادة تأهيل محطة التوليد لتعمل على الغاز سيوفر كثيرا من المال، إضافة إلى تشغيل الخط الإسرائيلي المعروف بمئة وواحد وستين لتزويد غزة بـ 120 ميجاوات جديدة، شرط أن تقوم السلطة بتوفير ضمان دولي لدفع الفواتير، وصيانة أعمال هذا الخط على نفقتها. وبعد سماح السلطات المصرية، بإدخال شاحنات محملة بالوقود الصناعي إلى القطاع، عبر معبر رفح البري لتشغيل محطة توليد الكهرباء. بعد توقف المحطة عن العمل منتصف أبريل الماضي. قد يساعد بشكل أو بأخر في حل الأزمة ولو بشكل مؤقت. ويتزامن عبور الوقود المصري، مع بدء سلطات الاحتلال الإسرائيلي، تقليص إمداداتها من الكهرباء لقطاع غزة، حيث خفضتها خلال الأيام الماضية 24 ميجاوات.
يبدو أن سماح السلطات المصرية، لدخول الوقود المصري إلى القطاع، سيكون له انعكاس إيجابي على كافة مناحي الحياة بغزة. يأتي هذا الوقود بديلا عن الوقود الذي كانت ترسله الحكومة الفلسطينية، عبر معبر كرم أبو سالم، الرابط بين غزة وإسرائيل، وتوقفت عن توريده بعد رفض "حماس"، دفع الضرائب المفروضة عليه، وهو ما أدى إلى توقف المحطة عن العمل.
أخيرا، أعتقد أن استمرار التوظيف السياسي لأزمة الكهرباء بين الضفة وغزة، سيراكم من معاناة الناس في القطاع أكثر فأكثر. توظيف يطرح أسئلة كثيرة حول المستفيد من هذه الأزمة في ظل إمكانية حلها طوال السنوات الماضية، وهو ما يدفع الخبراء للتأكيد على ضرورة فتح ملف الفساد لكشف المتورطين ومحاسبتهم.
لمزيد من مقالات ابراهيم النجار; رابط دائم: