رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حكايات من أوراق قديمة
مالت العمارة .. فمال معها تاريخ الإسكندرية كله !

أمل الجيار
كان ياما كان .. كان فيه زمان ، مدينة عايش فيها طلاينة ويونان ، وأرمن وشوام ، وكله عايش فى سلام ، كان البحر بيصبح ويمسى عليهم بكل حنان ، كانوا بيفطروا «لوكاماديس» - لقمة القاضى - وجنبها فول بالزيت الحار ، ويتغدوا «باستا وسوفلاكى» وملوخية «طَشَّتها» تجنن على النار ،

ويتعشوا زبادى على الخفيف ومافيش مانع من كام جوز حمام من الياس بتاع السمان ، وكان الحلاق والبقال يونانيين والكمسارى والطباخ إيطاليين وكله كان تمام ، وكانت الشوارع جميلة وواسعة ومرصوفة وتحتضنها أشجار من الجانبين بكل حنان ، وكانت البيوت أنيقة ومتناسقة وإرتفاعها لا يزيد عن ثلاثة أو أربعة أدوار وعليها إمضاءات “ زورو ولاشياك وأجيون “ ومشاهير المعماريين فى ذلك الزمان .

وفجأة تغير الحال ، ورحل الأرمن واليونانيون والإيطاليون والشوام وبقى العوام ،

وهُدمت القصور والفيلات الأنيقة وحل محلها عمارات قبيحة تشبه الأقلام الرصاص الرديئة الصنع .. وتغيرت ملامح المدينة المميزة ولم يعد المعماريون يحفرون أسمائهم على واجهات منازلهم ومسلاتهم الدميمة توارياً من قبحها وخوفاً من أن تصبح شاهداً على فسادهم، خاصة وهى مبان غير مرخصة وغير مؤسسه على أساس متين وسليم .

وساد القبح والفساد وغض المسئولون الذين توالوا على المدينة البصر ، وتوالت المصائب فهُدمت فيلا “ أجيون “ بفعل فاعل ووراءها فيلا “ شيكوريل “ مازالت تقف مائلة تلعن القبح والفساد وتبحث عمن يغيثها وينقذ ما تبقى منها ، وغيرهم الكثير الذين يقفون فى إنتظار دورهم ليخرجوا فى الظلام من مجلد التراث السكندرى وينضموا الى سلسلة الفيلات والقصور التى كانت أو ( الإسكندرية التى كانت ) والتى لم تعد موجودة الا فى كتب الأجانب القديمة ، ولم يعد فى التسكع والتصعلك فى شوارع المدينة الكوزموبوليتانية - متعددة الجنسيات- أى متعة .. فلا أرصفة ولا شوارع ممهدة ولا عمارات وفيلات أنيقة يمكن التمتع برؤيتها وسماع حكايات أصحابها « مظلوم باشا وجليمونوبولو وشوتس والسيد فليمنج وكابتن بولكلى »ص وهكذا ضاعت ملامح المدينة الأنيقة وذات الكبرياء فى زحام السنوات .. حتى إستيقظ السكندريون على خبر وصور ميل العمارة ذات الثلاثة عشر ربيعاً وطابقاً .. وتوالت نكات السكندريين على هذه المأساة ، فكأنهم يفرغون أحزانهم فى الضحك والسخرية فباتوا يقولون أن العمارة التى يرجع تاريخ ترخيصها الى ٢٠٠٤ أو قبله بعامين لم تحتمل الفساد والعبء الذى القاه صاحبها عليها حينما حصل على ترخيص بطابقين فبنى فوقهم أكثر من عشرة أدوار أو أكثر مخالفين فمالت فى مشهد عبثى ومفزع على صديقتها العمارة المخالفة التى تقف فى مواجهتها فى إنتظار دورها فى الإنهيار هى الأخرى ، وحدث فى العمارتين فزع يشبه ما يحدث فى أفلام هوليود حينما تقوم الأعاصير وتفور البراكين ، وساد الفزع والهرج والمرج شارع الخشخانى بالأزاريطة الذى تقع به العمارة خوفاً من سقوطها فتسحب معها باقى العمارات ( المسلات ) المخالفة فى شارع لا يتعد عرضه أربعة أمتار على طريقة لعبة ( الدومينو ) وخرجت العائلات بسرعة الى الشارع ، من إستطاع أن يحمل معه جزء من متاعه حمله ، ومن لم يستطع نجا بنفسه وخرج خالى الوفاض ، ووقف جميع السكان فى الشارع بملابس البيت يرقبون العمارة المائلة ويتسائلون متى ستسقط ؟ وكيف ؟ وأقبل رجال الجيش بمعداتهم الثقيلة لهدم المنزل بطريقة فنيه حتى لا تتضاعف الخسائر ، ومازالت محاولات هدم العقار مستمرة ، ومازال السكان يعيشون خارج مساكنهم ، ومازالت العمارات المخالفة ترتفع فى كل أنحاء الإسكندرية بلا حياء أو خجل ، ومازال السكندريون يعضون على شفاههم ويمصمصون “ متى سينتهى هذا الفساد ؟ “

وحكاية هذا الأسبوع تحكى كيف كانت تقام المبانى زمان وتخطيط المدينة وشوارعها كيف كان يتم فى بدايات القرن العشرين ، والحكاية تستند على وثيقة لائحة المبانى فى مدينة الإسكندرية الصادرة بتاريخ ١٩ فبراير ١٩٠٩ والتى تقول : لا يجوز لأحد أن يبنى أو يوسع أو يعلى أو يقوى أو يرمم فى دائرة مدينة الإسكندرية بأية صفة أو بأى مقدار كان منازل أو مبانى أو أسوار أو شرفات أو بسطات أو تروتوارات ( أرصفة ) أو أن يجرى أى عمل قبل أن تعرض على البلدية رسومات العمل المزمع عمله وتصادق عليها وقبل الحصول على رخصة من قلم التنظيم بالبناء على خط التنظيم .. وفى أحوال إجراء أشغال من غير تقديم رسوماتها أو بالرغم من عدم قبول الرسومات المقدمة أو بالمخالفة لنصوص الرخصة الصادرة بها يجوز للبلدية بلا إخلال بإسترداد الرخصة أن تتخذ الإجراءات الإدارية وتمنع متابعة الأشغال ، وفى هذه الحالة يجب أن يحرر على الفور محضر مخالفة بالكيفية المنصوص عليها فى لائحة التنظيم وأن ترسل حالاً الى النيابة لإجراء اللازم ، والمخالفات لنصوص هذا القرار تستوجب العقوبات والجزاءات المنصوص عليها فى الأمر العالى الصادر فى ٢٦ أغسطس ١٨٨٩ بشأن التنظيم ، وفضلاً عن ذلك فإنه فى حالة إجراء الأشغال من غير تقديم الرسومات أو إذا كانت الأشغال قد أجريت بالمخالفة لنصوص الرخص تأمر المحكمة عند الإقتضاء بإجراء كل الأشغال أو الترميمات التى يشير قسم الهندسة بالبلدية بلزومها من حيث الأمن أو الصحة العمومية ، وعند إصدار الأمر بهذه الأشغال الواجب على المخالفين إجراؤها تحكم المحكمة أيضاً بمنع السكنى فى الملك ( المبنى ) الى أن يتحقق عمال البلدية من الأشغال الصادر بها أمر من المحكمة قد أجريت ، وتحكم المحكمة كذلك بهدم الأعمال فى حال ما إذا إتضح لقسم الهندسة إن البناء المقام بالمخالفة لهذا القرار هو بحالة بحيث يكون الأمن منه على السكان مهدداً ، وفى هذه الحالة الأخيرة يمكن إجراء الأشغال بواسطة البلدية على نفقة المخالفين .. وقد صدرت هذه اللائحة بإمضاء مصطفى عبادى رئيس القومسيون البلدى ، ويقول فؤاد فرج مهندس البلديات بمصر فى كتابه الإسكندرية ضمن سلسلة المدن المصرية أنه لم يكن هناك فى مصر لائحة للمبانى إلا فى مدينة الإسكندرية وفى مايو من عام ١٩٢٣ تم إستصدار لائحة إضافية للتنظيم وللمبانى تحتوى على النصوص الخاصة بتوسيع نطاق المدينة وتخطيط الشوارع والمسطحات الواجب تركها كمنافع عامة والمسافات الجائز بناؤها وإرتفاع الأبنية المسموح بها وهى مرة ونصف عرض الشارع ، وفى حالة مرور شوارع عريضة فى أراض بعضها مبنى أو مقسم فى الضواحى يكون من الجائز الإذن لأرباب الأملاك بجعل جنائن أمام منازلهم مع ترك المسافة الكافية من عرض الطريق للإحتياجات الضرورية وعند إقتضاء توسيع الطريق يتنازل عنها للبلدية ، وقد نص فى هذه اللائحة أن هناك بعض الجهات والطرق يجوز أن تخصصها البلدية للمساكن دون سواها ، كما يجب ألا يقل عرض الشارع المراد جعله طريقاً عاماً عن ثمانية أمتار وإذا زاد طول الشارع عن ١٠٠ متر فيجب أن يكون عرضه ١٢ متر على الأقل وإذا زاد طوله عن ٥٠ متراً فيجب إلا يقل عرضه عن ١٠ أمتار .. وهذه الوثيقة تبين بما لا يدع مجالاً للشك مقدار الحزم المتبع فى تخطيط المدينة وإرتفاعات الأبنية و التعامل مع المخالفات التى قد يقوم بها الملاك بداية من إيقاف الأعمال ومنع التسكين وإجراء التعديلات على حساب الملاك وقد تنتهى بهدم الأعمال إذا إستلزم الأمر .

وكنتيجة طبيعية لهذة الصرامة فى تطبيق قوانين البناء بقيت هذه المبان الى يومنا هذا أنيقة ..راقية ..جميلة ..متناسقة وثابتة رغم مرور أكثر من ١٠٠ سنة على بعضها ونتيجة للحسم من جهة الدولة ولإحترام القانون من جانب المواطنين لم يستح المهندسون من وضع أسمائهم على أبنيتهم فكل شئ قانونى وتحت إشراف البلدية والمبان المقامة مدعاه للفخر عكس ما يحدث هذه الأيام من قبح وتشويه وتحايل على القانون .. والله على إسكندرية زمان .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق