رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

في الذكري الـ 69 لنكبة فلسطين

تزامنت الذكرى التاسعة والستين للنكبة، مع استمرار إضراب الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لليوم التاسع والعشرين على التوالي، فامتزجت فعاليات الذكرى مع الاعتصامات والمواقف المتضامنة مع انتفاضة الأسرى.

69 عاما مروا ولا يزال هاجس السيطرة على الحيز "وحمايته"، من الوجود العربي، بهدف تسخيره لمصلحة الدولة، حجر الأساس في السياسات الإسرائيلية. إن هذه السياسات ليست بالجديدة، ولا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق التاريخي، وإن كانت التشريعات الجديدة، كقانون "كمينتس" وقانون "شرعنة المستوطنات"، وصور الهدم والاقتلاع والتشريد في السنة الأخيرة، قد سلطت الضوء على جانب التطبيق العنيف لسياسة الحكومة، في كل من قلنسوة وأم الحيران والقدس وخان الأحمر. ولعل التجلي الأوضح والأعنف لهذه السياسات كان خلال النكبة، إذ استخدمت القوى الصهيونية، ومن بعدها دولة إسرائيل وجيشها، القوة الفعلية، قوة السلاح، من أجل طرد سكان 600 بلدة عربية، إلى جانب السيطرة على الأراضي وهدم البلدات في مرحلة متأخرة.

يشكل قانون "كمينتس"، الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا، أداة أخرى من أدوات السيطرة التخطيطية، ويكشف حقيقة أن الإجراء التخطيطي هو عمليا، استعمال للقوة والسيطرة. ففي حين أن القانون، بأهدافه المعلنة، يسعى إلى تعزيز إجراءات فرض قوانين التخطيط والبناء وجعلها ناجعة، من خلال زيادة استخدام الأدوات الإدارية وتقليص إمكانية التدخل القضائي، وتشديد العقوبة على هذه المخالفات، بما في ذلك زيادة استخدام العقوبات المالية، فإن الحكومة تبادر، عمليا، من خلال هذا القانون، إلى توسيع عمليات هدم البيوت في القرى والمدن العربية. "النكبة": مصطلح فلسطيني يبحث في المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني خارج ديارهم. وهو الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948، وهي السنة التي طرد فيها الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه، وخسر وطنه لصالح إقامة "دولة إسرائيل". وتشمل أحداث النكبة، احتلال معظم أراضي فلسطين من قبل الحركة الصهيونية، وطرد ما يربو عن 900 ألف فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين، كانوا يشكلون آنذاك حوالي نصف الشعب الفلسطيني ليتجاوز عددهم الآن قرابة الخمسة ملايين لاجئ، يعيش معظمهم في مخيمات الشتات في الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المضيفة لهم (الأردن، لبنان، سورية). كما تشمل الأحداث عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من خمسمائة قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن إسرائيلية. وطرد معظم القبائل البدوية التي كانت تعيش في النقب، ومحاولة تدمير الهوية الفلسطينية ومحو الأسماء الجغرافية العربية

وتبديلها بأسماء عبرية، وتدمير طبيعة البلاد العربية الأصلية من خلال محاولات التهويد المستمرة.

وعلى الرغم من أن السياسيين اختاروا الخامس عشر من مايو عام 1948، لتأريخ بداية النكبة الفلسطينية، إلا أن المأساة الإنسانية بدأت قبل ذلك، عندما هاجمت عصابات صهيونية إرهابية قرى وبلدات فلسطينية، بهدف إبادتها أو دب الذعر في سكان المناطق المجاورة، بهدف تسهيل تهجير سكانها لاحقا.

بالرغم من أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، دأبت على إخفاء الحقائق في كل ما يتعلق بجرائم الحرب والمجازر التي ارتكبتها المليشيات اليهودية (الجيش الإسرائيلي لاحقا) في حرب 1948، خصوصا خلال الفترة الممتدة من مايو 1948 إلى مارس 1949، إلا أن الباحثين والمؤرخين رصدوا كما كبيرا من الحقائق، منها علي سبيل المثال لا الحصر. أشعل الفلسطينيون 4 ثورات كبرى، كانت تهدف جميعها إلى منع قيام "إسرائيل"، وقدم خلالها الفلسطينيون المئات من الشهداء، وتكبد المستوطنون اليهود خسائر فادحة، أخرت قيام دولتهم نحو20 عاما بحسب مؤرخين. وهي، ثورة الاستقلال الأولي عام 1920، و ثورة الاستقلال الثانية عام 1921، وثورة البراق عام 1929، والثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.

كما أشار مؤرخون إلى أن نحو 40 ألف فلسطيني أبيدوا عرقياً، من خلال 50 مذبحة موثقة تاريخيا، خلال عام 1948 وحده. حيث بلغ عدد القرى الفلسطينية التي دمرها الاحتلال، أكثر من 500 قرية، تم إبادتها بالكامل وتهجير سكانها وطمس معالمها الحضارية والتاريخية، التي تثبت هوية المكان، فيما حاول اليهود خلق وقائع ديمجرافية وطبوغرافية جديدة لتزوير التاريخ. فيما تقدر مساحة الأراضي التي صادرها الاحتلال الإسرائيلي عشية إعلان كيانه، بنحو 17 ألف كيلو متر مربع (63% من مساحة فلسطين). وبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين، عام 1950 (بعد عامين على النكبة) نحو 957 ألف لاجئ، بواقع 66% من سكان فلسطين آنذاك. أما عدد اللاجئين الفلسطينيين وفق أحدث الإحصاءات، بلغ الآن نحو 5.4 مليون لاجئ. فيما تشير إحصاءات إلى أن 75 % من الفلسطينيين اليوم هم لاجئون ومهجرون. الجدير بالذكر هنا، أن اللاجئين الفلسطينيين توزعوا عشية النكبة، على 36 مخيما في غزة والضفة الغربية، والأردن ولبنان وسوريا، وأنشئت الأمم المتحدة حينها " وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - أونروا"، حيث تولت تلك الوكالة رعاية شئون هؤلاء اللاجئين، والنازحين واللاجئين الذي انضموا لهم بعد نكسة 1967 (سقوط القدس والضفة الغربية وقطاع غزة). وتتوزع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين اليوم في الضفة الغربية 19 مخيم، غزة 8 مخيمات، الأردن 10 مخيمات، لبنان 12 مخيم، سوريا 9 مخيمات.

أخيرا، نحن أمام حالة استثنائية من تمسك الشعوب بحقها والبقاء على زخم الحالة، كما لو أن النكبة وقعت بالأمس، وهذا بالتأكيد يضع الشعب الفلسطيني، "كحالة دراسية منفردة"، من حيث العوامل التي ساعدت في إبقاء جذوة حق العودة مشتعلة. إن حق العودة والتمسك به يحمل في طياته الكثير من انعكاسات الحالة الحاضرة التي يعيشها اللاجئ منذ عام 1948 وحتى اليوم في الأردن ولبنان وسورية والخليج وغيرها من المناطق. وعلي الرغم من المساعي الإسرائيلية الحثيثية والمدعومة من الغرب، لخلق مشاريع توطينية للاجئين في الشتات ولإسقاط حق العودة،

تتوارد الأدلة الدامغة على تشبث الفلسطينيين بحقهم بالرجوع لأراضيهم، والحفاظ على روح قضيتهم التي تمثل جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: