مثلت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة (1 ــ 6) أبريل الجاري مقدمة لتحول نوعي في العلاقات المصرية ــ الأمريكية، ليس فقط بالنظر إلي مستوي الاستقبال والاحتفاء الأمريكي الملحوظ بالحضور المصري بواشنطن داخل مختلف المؤسسات بدءا من البيت الأبيض، وعلي مختلف المستويات، ولكن بالنظر أيضا إلي عاملين آخرين لا يقلان أهمية.
الأول، هو طبيعة المفردات المستخدمة خلال اللقاءات والمباحثات الثنائية،خاصة من الجانب الأمريكي، لوصف مستقبل العلاقات المصرية ــ الأمريكية. من ذلك علي سبيل المثال قول ترامب للرئيس السيسي عقب القمة مباشرة «لديكم صديق قوي وحليف في الولايات المتحدة»، فضلا عن تغريدته علي «تويتر» قبل القمة: «استعد للقاء الرئيس السيسي، وباسم الولايات المتحدة اتطلع إلي علاقات ممتدة ورائعة». لاشك أن استخدام تعبيرات مثل «الصديق»، و«الحليف»، و«العلاقات الممتدة» من جانب الرئيس الأمريكي تعني الكثير بالنسبة لمستقبل العلاقات بين البلدين، كما تعكس حجم النقلة النوعية التي حدثت علي مستوي إدراك صانع القرار الأمريكي لأهمية دولة بحجم مصر، علي الأقل بالمقارنة بمرحلة إدارة أوباما التي شهدت فتورا كبيرا في علاقات البلدين، خاصة بعد ثورة يونيو 2013.
العامل الثاني، يتعلق بطبيعة اللحظة التاريخية التي جرت فيها الزيارة، سواء بالنسبة للولايات المتحدة، علي خلفية وصول إدارة قوية تقوم بمراجعة الفرضيات والمفاهيم التي حكمت إدارة أوباما والسياسات التي استندت إلي تلك الفرضيات، أو بالنسبة لإقليم الشرق الأوسط، وذلك علي خلفية استمرار جملة من التحديات الأساسية، فشلت القوي الدولية والإقليمية في مواجهتها، أو علي مستوي الداخل المصري، علي خلفية وجود قيادة سياسية قوية تسعي بدورها إلي إعادة بناء الدولة المصرية، وإحياء دورها الإقليمي والدولي، محملة بدروس مهمة ــ علي مستوي الدولة والمجتمع- نتيجة الخبرة المصرية مع «الربيع العربي».
فرضيات الديمقراطيين التي أنتجت إقليما «مأزوما»
إن تقييما أعمق لنتائج القمة المصرية ــ الأمريكية يجب أن يتجاوز نتائج هذه القمة بالنسبة للعلاقات الثنائية المصرية ــ الأمريكية، ليشمل تداعياتها أيضا بالنسبة لمستقبل إقليم الشرق الأوسط، وهيكل توزيع القوة داخل الإقليم، وطبيعة السياسات الإقليمية. فمن ناحية، جاءت هذه الزيارة في لحظة شديدة الأهمية والحساسية بالنسبة لواقع الإقليم، علي خلفية ثلاث ظواهر مهمة باتت تمثل ملامحا أساسية للمشهد السياسي والأمني. الأولي، هي ظاهرةانهيار الدولة والمؤسسات السياسية في عدد من الحالات (ليبيا، اليمن) ووجود صراعات حادة تمثل تحديا لمستقبل الدولة في بعض الحالات (سوريا) علي نحو يهدد مستقبل الدولة «الوطنية» بالمعني الذي عرفه الإقليم منذ تشكيل وحداته السياسية الأساسية خلال النصف الأول من القرن العشرين. وعلي الرغم من تعرض ظاهرة الدولة «الوطنية» للعديد من التحديات منذ تأسيسها، إلا أنها لم تتعلق بمستقبل وجود الدولة بقدر ما تعلقت بدرجة فعالية أنظمتها السياسية والاقتصادية بدرجات مختلفة. وعلي الرغم مما مثله هذا التحدي من فرصة لبعض القوي الإقليمية لتوسيع حجم نفوذها، وتأكيد حضورها كطرف مهم في أية أُطر أو عمليات سياسية، إقليمية أو دولية، للتعامل مع هذا التحدي، لكن الحقيقة الثابتة حتي الآن هي أن أيا من المقاربات الإقليمية أوالدولية التي طُرحت للتعامل مع ظاهرة انهيار الدولة الوطنية اتسمت بالفشل، بل إن بعض هذه المقاربات كانت مسئولة ـ بدرجة أو بأخري ـ عن هذه الظاهرة أو تكريس حالة الانهيار، والحيلولة دون الوصول إلي تسويات سياسية للصراعات القائمة، أو حتي وضع أُطر تسهم في الوصول إلي هذه التسويات. الظاهرة الثانية، هي انتشار التنظيمات الإرهابية، والتي تحولت إلي مصدر التهديد الأول بالإقليم. الظاهرة الثالثة، تتعلق بتكريس نمط من التحالفات والمحاور الإقليمية التي باتت تمثل مصدرا لعدم استقرار الإقليم، وذلك علي خلفية دور هذه المحاور في خلق حالة من الممانعة لفرض تسويات سياسية مستدامة للصراعات القائمة، أو لإضفاء درجة من الشرعية علي التنظيمات الدينية أو التنظيمات «دون الدولة» non-state actors في المنطقة ومحاولة فرضها كجزء من التسويات السياسية المقترحة، أو «تطييف» السياسات الإقليمية.
هذه الظواهر الثلاث، تمثل الاتجاهات الأبرز في تحولات الإقليم خلال السنوات الخمس الأخيرة إلي الحد الذي باتت تمثل معه تهديدا لاستقرار الإقليم ولمستقبل الدولة الوطنية.
هذه الظواهر أيضا لم تكن نتيجة لسياسات منفردة من جانب القوي الإقليمية، لكنها جاءت نتيجة لتوجهات إدارة أوباما، والتي انطلقت من مفاهيم وفرضيات محددة إزاء ما عرف بموجة «الربيع العربي»، بتداعياتها السياسية والأمنية. وبمعني آخر، فإنه لا يمكن فهم حالة الفوضي التي يعيشها الإقليم منذ بدء «الربيع العربي» بدون فهم لسياسات إدارة أوباما، والفرضيات والمقولات الأساسية التي استندت أو انطلقت منها هذه الإدارة.
كان أول تلك الفرضيات أنه «يمكن التدخل الخارجي لفرض عملية الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي، بهدف تسريع أو استكمال ظاهرة الربيع العربي»، خاصة في حالة الدول التي افتقدت إلي وجود مجتمعات أو قوي سياسية تمتلك القوة الكافية لإزاحة الأنظمة السياسية القائمة. وقد أسست هذه الفرضية لسياسة التدخل العسكري الأمريكي لإزاحة بعض الأنظمة في المنطقة، مثل ليبيا. الفرضية الثانية، «أن هناك فصيلا معتدلا من الإسلام السياسي، يمكن التعاون معه لبناء نظم سياسية ديمقراطية أو نمط من «الديمقراطية الإسلامية». وأن هذا الفصيل ربما يكون ــ وفقا لرؤية إدارة أوباما وبعض مراكز الفكر القريبة منها- هو البديل الوحيد أو الأكثر جاهزية لمرحلة ما بعد الربيع العربي بعد انهيار أو إزاحة الأنظمة القائمة. وقد أسست هذه الفرضية لدعم إدارة أوباما بأشكال مختلفة- لعملية صعود تيارات الإسلام السياسي في عدد من دول المنطقة، وتجهيز دول أخري للسيناريو ذاته. الفرضية الثالثة، ذهبت إلي أن «البناء الحالي للوحدات السياسية بالإقليم لم يعد هو البناء الأنسب لمرحلة ما بعد الربيع العربي»، وأن هذا البناء لا يضمن تحقيق الاستقرار «المستدام» sustainable regional stability، خاصة مع ارتباط «الربيع العربي» بحالة من الحراك العرقي والطائفي داخل عدد من الدول. واستنادا، إلي هذه الفرضية، شجعت إدارة أوباما حالة الحراك العرقي والطائفي في المنطقة، كما تجاهلت السياسات الطائفية لقوي إقليمية بعينها، مما أدي في النهاية إلي خلق حالة من عدم الاستقرار، تراوحت بين الفوضي والصراعات العرقية والطائفية.
لقد كان لهذه الفرضيات الثلاث، وما تأسس عليها من سياسات أمريكية ودولية في المنطقة، دور كبير في خلق حالة من عدم الاستقرار الإقليمي خلال مرحلة ما بعد «الربيع العربي»، ودور لا يمكن إغفاله في تشكيل المحاور السابق الإشارة إليها، علي حساب محور «الاعتدال» الذي مثل أحد أهم مصادر الاستقرار في الإقليم خلال مرحلة ما قبل «الربيع العربي» أو علي الأقل موازنة المحور/ المحاور ذات التوجهات الراديكالية المهددة لاستقرار الإقليم وخصائصه الأساسية.
مراجعات ترامب... والتوافق المصري ــ الأمريكي
لقد دشن سقوط الإدارة الديمقراطية وصعود الجمهوريين، بقيادة دونالد ترامب، لبدء عملية مراجعة لمجموعة الفرضيات الأساسية التي تبناها الديمقراطيون والسياسات الناتجة عنها. عبر عن ذلك العديد من تصريحات ترامب، سواء خلال مرحلة الحملات الانتخابية أو ما بعد دخول البيت الأبيض. كان أول السياسات محل المراجعة من قبيل ترامب تلك المتعلقة بالحرب علي الإرهاب؛ فقد ذهب ترامب إلي فشل سياسات الديمقراطيين بشأن الحرب علي الإرهاب، والتي قامت علي التمييز بين التنظيمات الدينية العنيفة وتلك «المعتدلة»، وجواز التعاون مع الأخيرة، بل ووصل الأمر في بعض الحالات إلي إمكانية القبول بوجود مستوي معين من التهديد من جانب النمط الأول من التنظيمات طالما أن ذلك سيسهم في إسقاط بعض النظم السياسية في سياق عملية تغيير الأنظمة السياسية (مثل القبول بوجود عدد من التنظيمات الدينية العنيفة في سوريا في سياق الصراع مع نظام بشار الأسد). وعلي العكس من هذا التوجه، ذهب ترامب إلي أنه لابديل عن القضاء علي كافة أشكال التنظيمات الإرهابية من خلال تبني سياسات أكثر صرامة، ومن خلال التعاون مع حلفاء إقليميين. كذلك، كانت سياسة التدخل الأمريكي لتغيير الأنظمة ونشر الديمقراطية بالخارج ــ والتي توسعت فيها إدارة بوش الابن وفق ما عرف بسياسة «إعادة بناء الدولة»، وسارت عليها إدارة أوباما ــ أحد الانتقادات الأسياسية من جانب ترامب، مؤكدا أنها لم تؤد إلا إلي تقويض الاستقرار وإضعاف استراتيجية الحرب علي الإرهاب.
هذه المراجعات وفرت فرصة كبيرة لتطور توافق مصري- أمريكي حول القضايا والتحديات الأساسية بالإقليم، وطريقة إدارة هذه التحديات. فقد سبق هذه المراجعات الأمريكية مراجعات مصرية؛ فقد عبرت مصر منذ وصول نظام ما بعد ثورة يونيو، خاصة بعد وصول الرئيس السيسي إلي السلطة، عن عدد من الثوابت، في إطار مراجعتها للعديد من الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها نظام الإخوان المسلمين أثناء توليهم السلطة خلال الفترة (يونيو 2012- يونيو 2013)، في إطار تماهي الجماعة مع مصالح وتوجهات التنظيمات الدينية في المنطقة والدول الداعمة لها. ولم تستند المراجعات المصرية علي أخطاء نظام الإخوان المسلمين فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ولكنها استندت بشكل عام إلي خبرة ودروس مرحلة ما بعد يناير 2011، والخبرة المصرية مع «الربيع العربي». وبشكل عام، فقد أنتجت المراجعات المصرية عددا من الدروس المهمة، كان أبرزها هو خطورة التضحية بالدولة الوطنية في سياق ثورات الربيع العربي التي أنتجت أشكالا مختلفة من الصراعات التي بدت داخلية، لكن سرعان ما أخذ بعضها أبعادا إقليمية ودولية. وكان الدرس الثاني الذي لا يقل وضوحا وأهمية هو «خرافة» التنظيمات الدينية المعتدلة؛ إذ سرعان ما انكشف زيف الخطاب السياسي ــ الاجتماعي لبعض هذه التنظيمات، وفِي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، واتضح خطابها الراديكالي وعلاقاتها التنظيمية والأيديولوجية الوطيدة بجماعات العنف السياسي والديني.
لم تكن هذه المراجعات والدروس المصرية عملية تخص نظام ما بعد يونيو 2013 فقط، بقدر ما مثلت دروسا ومراجعات مجتمعية. وتعني هذه الملاحظة أمرين مهمين. الأول، هو تمتع هذه الدروس بدرجة كبيرة من الاستقرار والاستدامة، بالنظر إلي الخبرة المهمة للمجتمع المصري ومختلف القوي السياسية مع نظام الإخوان المسلمين. الثاني، هو استناد السياسة الخارجية المصرية تجاه القضايا الإقليمية ذات الصِّلة ــ خاصة الأزمات التي يمر بها عدد من دول الإقليم في سياق ظاهرة الربيع العربي وتداعياتها الداخلية والإقليمية، وقضية محاربة الإرهاب- إلي خبرة مصرية لا يمكن تجاهلها، وإلي دعم مجتمعي. فقد أثبتت السياسة الخارجية المصرية درجة كبيرة من الصلابة في مواجهة القوي الدولية والإقليمية التي عارضت الرؤي المصرية بشأن القضايا موضوع الخلاف، ودرجة من الاستعداد أيضا لتحمل تكاليف هذه الرؤي وما تأسس عليها من سياسات، علي المستوي الدولي أو المستويين الإقليمي والمحلي.
هذه المراجعات والدروس المصرية هي جوهر ما أبدته إدارة ترامب من مراجعات لفرضيات وسياسات إدارة أوباما السابق الإشارة إليها، أو بالأحري فإنها قد تمثل جوهر السياسات الأمريكية في عهد إدارة ترامب. وهكذا، فإن هذه المراجعات المصرية ـ والأمريكية لخبرة كليهما مع الإدارات والأنظمة السابقة وفرت فرصة كبيرة لحدوث توافق مصري- أمريكي، أو توافق السيسي ــ ترامب، حول طبيعة التحديات الأساسية في إقليم الشرق الأوسط، والمفاهيم الأساسية التي حكمت توجهات وإدراكات كل منهما لواقع الإقليم.
السيسي في الولايات المتحدة من موقع قوة
بالإضافة إلي عنصر التوافق في الرؤي السابقة، فقد ذهب السيسي إلي الولايات المتحدة في ظرف محلي بالغ الدلالة علي المستويين الإقليمي والدولي، وضع مصر في موضع قوة في علاقتها بالولايات المتحدة، وذلك بالنظر إلي عوامل ثلاثة أساسية.
الأول، هو بدء الحكومة المصرية تطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي بهدف إصلاح الاختلالات الاقتصادية والمالية، والذي تم بموجبه اتخاذ مجموعة من القرارات الإصلاحية، كان أهمها تحرير سعر الصرف، وتخفيض نسبة الدعم علي أسعار الطاقة، وذلك عقب التوصل إلي الاتفاق الأولي مع الصندوق علي مستوي الخبراء في نهاية عام 2016. وعلي الرغم من الآثار الاجتماعية قصيرة المدي لهذه القرارات، إلا أنها انطوت علي عدد من الرسائل المهمة. أولها،يتعلق بوجود إرادة سياسية ومجتمعية للإصلاح الاقتصادي في مصر. الثانى، أن العلاقات المصرية ــ الأمريكية في مرحلتها الجديدة لا تقوم ــ في شقها الاقتصادي- علي طلب المساعدات الاقتصادية والمالية بقدر ما تقوم علي الحاجة إلي دعم الاقتصاد المصري من خلال دعم تدفق الاستثمارات الأجنبية ودعم عملية التنمية الاقتصادية. وتأتي أهمية هاتين الرسالتين أنهما يقطعان الطريق علي التوظيف/ الاستغلال السياسي لوضع الاقتصاد المصري، بعد أن اختارت مصر الذهاب إلي صندوق النقد الدولي والقبول بدفع التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لبرنامج الإصلاح.
الثالث، هو المواجهة التي تخوضها الدولة المصرية بمؤسساتها المختلفة ضد الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، منذ إسقاط نظام الإخوان المسلمين عقب ثورة يونيو 2013، وهي مواجهة تخوضها بمفردها داخل الإقليم المصري واعتمادا علي القدرات الوطنية المصرية، وفي ظل محيط إقليمي لازال منتجا للإرهاب وللتنظيمات الإرهابية، ومازال العديد من الفاعلين الإقليميين يحافظون علي ارتباطات مع بعض التنظيمات الدينية المتشددة. وبالإضافة إلي المواجهة الأمنية، فقد أولت القيادة السياسية اهتماما خاصا بمسألة تجديد الخطاب الديني. ورغم هذا الواقع الإقليمي غير المواتي مازالت الدولة المصرية تتمسك برؤيتها فيما يتعلق بالتنظيمات الإرهابية ومواجهة هذه التنظيمات. وتأتي أهمية هذه الرؤية وهذه السياسات المصرية في مواجهة الإرهاب، أنها تعطي ميزة نسبية لمصر في إطار الحرب علي الإرهاب بأبعادها المختلفة.
الرابع، ويرتبط بالعنصرين السابقين، ويتعلق بامتلاك «النموذج». ويمكن القول هنا إنه لا توجد دولة أخري في إقليم الشرق الأوسط بالكامل تمتلك «النموذج» المصري، من حيث الخبرة في الحفاظ علي «الدولة الوطنية» باعتبارها البناء والوحدة السياسية الرئيسة في الإقليم، وصاحبة الخبرة في كشف زيف التنظيمات الدينية، والقدرة علي خوض حرب علي الإرهاب والتنظيمات الإرهابية اعتمادا علي قدراتها الوطنية، والقدرة علي تحمل تكاليف هذه الحرب، بل والقدرة علي تطبيق برامج للإصلاح الاقتصادي والمالي للتعامل مع التداعيات الاقتصادية للثورات.
مصالح مشتركة تؤسس لشراكة الاستراتيجية
بالتأكيد إن التوافق في الرؤي بين مصر والولايات المتحدة لا يمثل شرطا كافيا ــ وإن كان ضروريا ــ لبناء علاقة تحالف بين الجانبين أو بناء شراكة استراتيجية. ويقودنا ذلك إلي باقي أسس بناء هذه الشراكة، ويأتي في مقدمتها المصالح الاستراتيجية المشتركة. وهنا يمكن القول إنه بالإضافة إلي التوافق السابق في الرؤي هناك مجموعة من المصالح المشتركة بين البلدين، يمكن تحديدها استنادا إلي المراجعات التي تجريها إدارة ترامب، ومجموعة التصريحات الصادرة عن الإدارة خلال الفترة الأخيرة، تشمل ثلاثة أهداف أساسية، هي: (1) القضاء علي الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في المنطقة، (2) إعادة تثبيت الدولة الوطنية، خاصة في سوريا واليمن وليبيا والعراق، كشرط رئيسي للقضاء علي تحدي الإرهاب، (3) إعادة بناء «المحاور الدولية/ الإقليمية/ التنظيمات دون الدولة» بشكل يعزز من فرص تسوية الصراعات الأساسية في المنطقة، ويعزز من فرص القضاء علي الإرهاب، ويقلل أيضا من فرص التورط العسكري الأمريكي المباشر في المنطقة دون أن يأتي ذلك علي حساب النفوذ والمصالح الأمريكية في مواجهة قوي دولية أخري، والعمل علي تفكيك المحاور التي مازالت تقف حجر عثرة أمام مواجهة هذه التحديات.
إن نجاح مصر والولايات المتحدة في بناء هذه الشراكة يضع استحقاقات مهمة علي الجانب الأمريكي. أول تلك الاستحقاقات هو توفير الظروف المناسبة لنجاح الدولة المصرية في مواجهة مجموعة التحديات الأمنية والاقتصادية؛ إذ لا يمكن توقع اضطلاع الشريك المصري بواجباته في تحقيق الأهداف الاستراتيجية المشتركة دونما نجاحه في مواجهة هذه التحديات. ويأتي في هذا الإطار ضرورة تطوير التعاون الاقتصادي والعسكري بين الجانبين بشكل ينعكس علي تطوير القدرات الاقتصادية والدفاعية المصرية. ويتعلق الاستحقاق الثاني بضرورة توفير البيئة الإقليمية الملائمة لدور إقليمي مصري يتوافق مع هذه الأهداف. ولا يعني ذلك بالضرورة القضاء علي أدوار الفاعلين الإقليميين الآخرين الذين يعملون لصالح هذه الأهداف الاستراتيجية المشتركة، ولكن من المهم إيجاد حالة من التناغم بين أدوار هذه القوي الإقليمية. ويعني ذلك ضرورة العمل علي بناء محور من الدول المعتدلة ذات التوجهات المتوافقة بشأن التحديات والأهداف الاستراتيجية المشتركة، وربما تمثل مصر والأردن نواة هذا المحور.
ويتعلق الاستحقاق الثالث بسرعة إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، خاصة بعد الأعمال الإرهابية الأخيرة فى مصر، وما صدر من تصريحات وفتاوى خطيرة عن قيادات تنتمى للجماعة تؤكد إيمانها بالعنف، وبإسلوب التفجيرات الانتحارية التى ظلت لفترة حكرا على تنظيم القاعدة.
[email protected] لمزيد من مقالات د. محمد فايز فرحات; رابط دائم: