رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

ما بعد الاغتيال...

لقد شكل النشاط المكثف للقيادي في حركة "حماس"، الراحل مازن فقهاء، في ساحات العمل في الضفة الغربية، مأزقا معقدا لصناع القرار في إسرائيل، فأمام ما قدمته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للحكومة، عن مخاطر فقهاء، وإمكانية أن تصبح أحد المدن المحتلة عام 48 على أصوات انفجارات، مما يعجل في انهيار الائتلاف الحاكم، وربما يخسر نتانياهو كثيرا، مما دفعهم لاتخاذ قرار الاغتيال الهادئ، بعملية أمنية معقدة داخل قطاع غزة، كانت نسبة النجاح فيها توازي نسبة الفشل، فالحكومة، وكذلك المؤسسة العسكرية والأمنية، لا يرغبون في الدخول في مواجهة جديدة مع قطاع غزة في المرحلة الحالية.

وهذه دوافع نفي وزير الحرب الإسرائيلي مسئولية إسرائيل عن الاغتيال، بالإضافة إلى إمكانية التأثير على سير التحقيق، أو تأمين الجناة خارج قطاع غزة، كما يسعى إلى محاولة تفريغ حالة الغضب الشعبي على الجريمة، حتى لا تبقى تشكل ضغطا على قيادة "حماس"، لاستعجال الرد. ثمة معضلة تواجه مُقدري الموقف الإسرائيلي، هو عدم القدرة على التنبؤ بنوايا القيادة الجديدة "لحماس"، وكذلك القيادة العسكرية، وعلى الرغم من الجهد ألاستخباري المكثف بعد الإخفاق ألاستخباري في تقدير نوايا الجناح العسكري "لحماس"، خلال عدوان 2012 و 2014 إلا أن المعضلة مازالت قائمة.

قبل عام تقريبا، وصل لعائلة القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لـ "حماس"، مازن فقهاء، المتواجدة في مدينة طوباس شمال الضفة الغربية المحتلة، رسالة تهديد واضحة وصريحة من الجيش الإسرائيلي، باستهداف نجلهم وقتله، إن" لم يترك طريق المقاومة". رسالة التهديد باغتيال "فقهاء"، وأن يد الاحتلال ستطوله بأي مكان، تسلمها والده بعد اقتحام قوات الاحتلال لمنزلهم بالضفة، ورغم أن القيادي القسامي، خرج من السجون الإسرائيلية، بصفقة "وفاء الأحرار" الأولى بعد الحكم عليه بتسع مؤبدات وأبعد لغزة، إلا أن يد الغدر لاحقته وقامت باغتياله بأربع رصاصات في رأسه، بواسطة كاتم صوت.

عملية اغتيال "فقهاء"، والتي تشير كل المعطيات إلى أن الاحتلال يقف خلفها، تفتح باب التساؤلات واسعا، حول دلالات توقيت العملية، وفحوى رسالة الاحتلال منها، وهل فتحت إسرائيل، ملف الاغتيالات للقيادات الفلسطينية في الداخل والخارج؟، وكيف سيكون رد المقاومة؟!

إن اغتيال "فقها"، في غزة، يثير سلسلة من التساؤلات المتعلقة بالإستراتيجية التي يجب اللجوء إليها في الحرب ضد الإرهاب. من هنا كان موضوع "الاغتيال المركز"، أحد المركبات التي استخدمتها إسرائيل في الحرب ضد الإرهاب - كما يقولون - لقد تم تفعيل "الاغتيال المركز"، في سبيل ضرب قيادات مختلفة في تنظيمات الإرهاب: قادة التنظيمات، والقيادات المهنية للتنظيمات كـ "المهندسين" الذين يعدون العبوات والأحزمة الناسفة، والقيادات التنفيذية المتورطة في تنفيذ العمليات. هناك فوائد كثيرة لاستغلال أسلوب "الاغتيال المركز"، من بينها، إصابة الجهات التي يمكن لاغتيالها أن يمنع عمليات أخرى في المستقبل، إجبار جهاز الإرهاب على

الانشغال في صراع البقاء الشخصي، وبالتالي تصعيب عمله ضد إسرائيل. عادة ما يدعي من يعارضون "الاغتيال المركز"، بأن كل إرهابي سيتم اغتياله سيأتي إرهابي آخر مكانه، وأن تصفيته ستقود إلى التصعيد والعمل الانتقامي. يمكن الرد على هذا الادعاء بأن تنظيمات الإرهاب في حقيقة كونها كذلك، ستنفذ عمليات حتى من دون علاقة برغبتها بالانتقام لموت هذا الناشط أو ذاك، وبشكل عام فإن عمليات الإرهاب التي يكرسها التنظيم ظاهرا للانتقام لمقتل الناشط، كانت ستنفذ حتى من دون هذا الرابط. تجربة إسرائيل المتراكمة في هذا السياق، تدل على أن الاستخدام المدروس لأداة "الاغتيال المركز"، كجزء من مجمل الوسائل التي يجري تفعيلها بشكل متزامن في الحرب ضد الإرهاب، يمكن أن تسهم بشكل كبير في نجاح الحرب ضد الإرهاب. ونجد المثال البارز على ذلك في سلسلة عمليات "الاغتيال المركز" في 2004، والتي وقف في مركزيها اغتيال زعيم "حماس"، أحمد ياسين، ما اضطر التنظيم إلى وقف العمليات الانتحارية والموافقة على التهدئة (وقف إطلاق النار مع إسرائيل).

إن قيادة "حماس" السياسية والأمنية، تحافظ مذ تشييع جثمان "فقها"، على صمت مطلق، كما يبدو بفعل قرار رسمي بعدم إشراك الجمهور بأي تفصيل من تفاصيل التحقيق المكثف الذي تجريه من أجل العثور على طرف خيط يقود إلى منفذي عملية الاغتيال أو مساعديهم. اغتيال "فقها"، والعمل المهني الذي أظهره من نفذ الاغتيال، لفت الأنظار العامة إلى قطاع غزة. ولكن على الرغم من الصدى الذي أثارته عملية الاغتيال، فإن الحادث الاستراتيجي الملموس الذي يجب النظر إليه هو ذلك الذي لم يحدث بعد. إذا اندلعت حرب أخرى في القطاع الجنوبي، من المشكوك فيه أنها ستكون بسبب هذا الاغتيال، الذي تنسبه "حماس" إلى إسرائيل، وإنما الاحتمال الأكبر أن تندلع بسبب "العائق" – المشروع الجوفي الضخم الذي يستهدف القضاء على الأنفاق.

فمشروع "العائق"، الذي تم النشر عنه لأول مرة في "يديعوت أحرونوت" (صحيفة إسرائيلية)، يفترض أن يوفر الرد القاطع على مشكلة الأنفاق. والمقصود سور واق، يقوم قسم منه تحت الأرض والقسم الآخر فوق الأرض على امتداد الحدود مع قطاع غزة. لقد بدأ العمل هناك قبل عدة أشهر، ولكن على امتداد عدة مئات من الأمتار فقط، وبشكل موضعي. ويتوقع أن يتم تسريع العمل بشكل ملموس في الصيف، بواسطة مئات الآليات الهندسية الخاصة التي ستحتم توفير حماية كبيرة من قبل الجيش لها. وستعمل هذه الآليات في أكثر من40 نقطة، كما قال رئيس الأركان جادي ايزنكوت خلال النقاش الذي جرى في لجنة مراقبة الدولة البرلمانية، في الأسبوع الماضي – النقاش الذي تناول التقرير الشديد اللهجة الذي أصدره المراقب حول الجرف الصامد. وتصل تكلفة "العائق" إلى ثلاثة مليارات شيكل، بالإضافة إلى 1.2 مليار شيكل، تم استثمارها في تطوير حلول تكنولوجية لكشف الأنفاق. ويسود التقدير بأن انتهاء العمل في "العائق" بعد عامين، على امتداد حوالي 65 كم حول السياج الأمني، سيضمن بشكل كامل منع تسلل الأنفاق إلى إسرائيل. وهكذا ستواجه "حماس"، معضلة لم يسبق لها مواجهتها، وهي كيفية العمل حين يتم تجريدها من القدرات الإستراتيجية التي تبنيها طوال سنوات؟، من أجل تقليص القدرات الهجومية للجيش الإسرائيلي، وحين يتم تغيير شروط اللعبة تماما.

يمكن التكهن بأن "حماس"، لن تسلم بالحقائق المكثفة وستحاول عرقلتها منذ بدايتها، من أجل منع إقامة "العائق"، حتى بثمن خروجها لجولة أخرى من الحرب أمام إسرائيل. فإن الحرب من دون الأنفاق ليست واردة في الحسبان، ومن ثم، وعلى الرغم من المقولات المبررة في الجهاز

الأمني الإسرائيلي حول الردع الناجح منذ الجرف الصامد، يجب على إسرائيل، الاستعداد لإمكانية وقوع جولة أخرى في الصيف القريب. الاستعدادات المتعلقة بإمكانية اندلاع جولة أخرى من الحرب قريبا، تجري رغم المعطيات التي تدل على فترة هدوء نسبي. فمنذ عملية الجرف الصامد، أحصى الجيش الإسرائيلي حوالي 40 حادث إطلاق للنار. حتى بعد اغتيال "فقها"، يسود الاعتقاد بأن "حماس"، ستحاول الرد بواسطة عملية في الضفة، لكنها ستمتنع عن الرد بواسطة إطلاق صواريخ من القطاع.


لمزيد من مقالات ابراهيم النجار;

رابط دائم: